عدد الأشخاص ذوي العيون الزرقاء، التاريخ، الانتشار الجغرافي، العوامل الوراثية، الأبعاد الاجتماعية والثقافية
تُعد العيون الزرقاء واحدة من السمات الجينية النادرة التي لطالما أثارت فضول العلماء والناس على حد سواء، نظرًا لجمالها اللافت وندرتها الجغرافية والوراثية. وعلى الرغم من أن أعداد الأشخاص ذوي العيون الزرقاء قد تضاءلت بمرور الزمن، فإن هذا اللون لا يزال يحتفظ بمكانة خاصة في الثقافة الشعبية والعلوم الوراثية. يهدف هذا المقال إلى استعراض الأبعاد التاريخية والبيولوجية والثقافية لانتشار العيون الزرقاء في العالم، مع التركيز على عدد من يحملون هذه الصفة، بالإضافة إلى شرح علمي لتطورها وظهورها.
النشأة الجينية للعيون الزرقاء
العين الزرقاء ليست نتيجة وجود صبغة زرقاء، بل هي نتيجة لآلية فيزيائية تعرف بتشتت رايلي (Rayleigh scattering) للضوء داخل القزحية، وهو نفس التأثير البصري الذي يجعل السماء تبدو زرقاء. العيون الزرقاء تحتوي على كمية قليلة جدًا من الميلانين في الجزء الأمامي من القزحية، وعندما يدخل الضوء إلى العين، يتشتت وينعكس الضوء الأزرق إلى الخارج، مما يمنح القزحية لونها الأزرق المميز.
ظهرت العيون الزرقاء لأول مرة نتيجة طفرة جينية حدثت قبل حوالي 6,000 إلى 10,000 سنة في منطقة شمال البحر الأسود، قرب الساحل الغربي لبحر قزوين، في منطقة ما يُعرف اليوم بجنوب شرق أوروبا. حُدِّدت الطفرة المسؤولة عن هذه السمة في الجين OCA2، الذي يلعب دورًا في تنظيم إنتاج الميلانين، لكن المتحكم الرئيسي في ظهور العين الزرقاء هو الجين HERC2 الذي يُثبط عمل OCA2 في القزحية.
عدد أصحاب العيون الزرقاء في العالم
تشير التقديرات العلمية الحديثة إلى أن ما بين 8% إلى 10% من سكان العالم يمتلكون عيونًا زرقاء. وبالنظر إلى تعداد السكان العالمي الذي يقدر بأكثر من 8 مليارات نسمة اعتبارًا من عام 2025، فإن هذا يعني أن عدد الأشخاص ذوي العيون الزرقاء يتراوح بين 640 مليون إلى 800 مليون شخص تقريبًا.
لكن هذا الرقم ليس موزعًا بشكل متساوٍ في جميع أنحاء العالم، بل يتركز في مناطق معينة نتيجة للعوامل الوراثية والهجرات البشرية القديمة.
التوزيع الجغرافي للعيون الزرقاء
أوروبا
تُعتبر أوروبا، وخصوصًا شمالها، المعقل الرئيسي للعيون الزرقاء في العالم. فنسبة أصحاب العيون الزرقاء في بعض دول الشمال الأوروبي تتجاوز 80%:
| البلد | نسبة السكان ذوي العيون الزرقاء |
|---|---|
| إستونيا | 89% |
| فنلندا | 89% |
| لاتفيا | 87% |
| ليتوانيا | 85% |
| آيسلندا | 80% |
| النرويج | 75% |
| السويد | 75% |
| الدنمارك | 70% |
| ألمانيا | 39% إلى 50% |
| بريطانيا | 48% |
هذا التركز العالي في شمال ووسط أوروبا يعود إلى الطفرة الوراثية التي نشأت في هذه المنطقة، بالإضافة إلى ندرة التهجين الوراثي مع شعوب من مناطق أخرى مما سمح للصفة بالاستمرار عبر الأجيال.
أمريكا الشمالية
في الولايات المتحدة، انخفضت نسبة السكان ذوي العيون الزرقاء بشكل ملحوظ خلال القرن الماضي، حيث كانت تشكل نحو 57% من السكان في أوائل القرن العشرين، أما اليوم فلا تتجاوز نسبتهم 17% فقط، وفقًا لبعض الدراسات السكانية الحديثة. يعود هذا الانخفاض إلى زيادة التعدد العرقي والهجرات من مناطق ذات خصائص وراثية مختلفة، مما زاد من انتشار الجينات المسؤولة عن العيون الداكنة.
الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا
العيون الزرقاء نادرة جدًا في هذه المناطق. في الشرق الأوسط، قد تظهر أحيانًا نتيجة للامتزاج الوراثي أو لوجود جذور أوروبية في السلالة العائلية. في آسيا الشرقية والهند والصين، فإن النسبة تكاد تكون معدومة، ولا تتجاوز 0.1% من السكان. وفي إفريقيا، العيون الزرقاء نادرة للغاية وتُعتبر في بعض الأحيان ظاهرة طبية مرتبطة بمتلازمات جينية، مثل متلازمة واردينبرغ.
التحول الديموغرافي والوراثي
تشير الاتجاهات الوراثية إلى أن نسبة العيون الزرقاء قد تستمر في الانخفاض عالميًا، بسبب سيطرة الجينات المسؤولة عن العيون البنية الداكنة، وهي جينات سائدة، على الجينات المسؤولة عن العيون الزرقاء، والتي تُعتبر جينات متنحية. فعندما يتزاوج شخص بعيون زرقاء مع شخص بعيون داكنة، تكون فرصة إنجاب طفل بعيون زرقاء منخفضة جدًا إلا إذا كان الشريك الداكن يحمل الجين المتنحي للعيون الزرقاء.
هذا التحول لا يعني بالضرورة اختفاء العيون الزرقاء، بل إنها ستبقى ضمن الخريطة الجينية للبشرية ولكن بأعداد أقل مما كانت عليه سابقًا.
العيون الزرقاء في الطب وعلم الوراثة
تشير بعض الدراسات إلى أن أصحاب العيون الزرقاء قد يكونون أكثر حساسية للضوء الساطع بسبب نقص الميلانين في قزحياتهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للتوهج والضوء القوي. ولهذا السبب، يُنصح هؤلاء الأشخاص باتخاذ احتياطات إضافية عند التعرض لضوء الشمس القوي، مثل ارتداء نظارات شمسية عالية الجودة.
من الناحية الطبية، لا توجد علاقة قوية تربط لون العين بأمراض معينة، إلا أن بعض الدراسات الأولية أشارت إلى أن هناك احتمالية أعلى للإصابة بسرطان الجلد (الميلانوما) لدى أصحاب البشرة الفاتحة والعيون الزرقاء، نظرًا لانخفاض مستويات الميلانين التي تحمي من الأشعة فوق البنفسجية.
العيون الزرقاء والهوية الثقافية
للعيون الزرقاء رمزية ثقافية قوية في العديد من الحضارات. في بعض الثقافات الأوروبية، كانت تعتبر علامة على النقاء أو الأرستقراطية. في ثقافات أخرى، كانت العيون الزرقاء ترتبط بالأساطير أو القوى الخارقة. وقد تم تمثيل العيون الزرقاء في الأدب والفنون على مدى قرون كرمز للجمال والغموض، الأمر الذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم في السينما والإعلانات التجارية.
في بعض المجتمعات، أدى هذا التصور الثقافي إلى تحيزات جمالية، حيث يُنظر إلى العيون الزرقاء باعتبارها سمة مرغوبة أكثر من العيون الداكنة، وهو ما خلق جدلًا حول معايير الجمال العالمية وتأثيرها على التصورات الذاتية لدى الأفراد في ثقافات متعددة.
مستقبل العيون الزرقاء
المستقبل الوراثي للعيون الزرقاء ليس محددًا بشكل قاطع، لكنه مرهون بالتغيرات الديموغرافية والأنماط الزواجية بين الشعوب. ومع تزايد التزاوج بين الأعراق، قد تستمر نسبة أصحاب العيون الزرقاء في الانخفاض، لكن لا يُتوقع أن تختفي نهائيًا لأن الطفرة المسؤولة عنها لا تزال موجودة ضمن الجينوم البشري، وتبقى كامنة في حالات كثيرة.
وقد يسهم التقدم في علم الجينات في المستقبل في الحفاظ على هذه الصفات الجينية أو حتى التحكم بها لأغراض طبية أو تجميلية، كما هو الحال اليوم في بعض العيادات التي تقدم تقنيات لتغيير لون العين باستخدام الليزر أو العدسات الملونة.
المصادر
-
Sturm, R.A., Frudakis, T.N. (2004). “Eye colour: portals into pigmentation genes and ancestry.” Trends in Genetics.
-
Eiberg, H. et al. (2008). “Blue eye color in humans may be caused by a perfectly associated founder mutation in a regulatory element located within the HERC2 gene.” Human Genetics.
كلمات مفتاحية: العيون الزرقاء, توزيع العيون الزرقاء, الطفرات الجينية, جينات HERC2 وOCA2, العيون الزرقاء في أوروبا, عدد الأشخاص بعيون زرقاء, الوراثة, تشتت رايلي, لون العين, الجينات المتنحية
