التنمر الوظيفي: أشكاله وأسبابه

التنمر الوظيفي: أشكاله، وأسبابه، وكيفية التعامل معه

التنمر الوظيفي هو أحد الظواهر السلبية التي قد تحدث في بيئة العمل، وهو يمثل نوعًا من الإساءة النفسية أو الاجتماعية التي يتعرض لها العامل من قبل زملائه أو رؤسائه، ويمكن أن يكون له تأثيرات مدمرة على الفرد والمؤسسة ككل. يُعد التنمر الوظيفي من المواضيع التي بدأت تحظى باهتمام متزايد في الدراسات الحديثة، وذلك بسبب تأثيراته السلبية التي قد تمتد إلى الحياة الشخصية والمهنية للأفراد. لذلك، من المهم أن نبحث في هذا الظاهرة بشكل موسع من خلال التعرف على أشكال التنمر الوظيفي وأسبابه وكيفية التعامل معه.

تعريف التنمر الوظيفي

التنمر الوظيفي يشير إلى مجموعة من السلوكيات المسيئة والمتكررة التي يتعرض لها الفرد في بيئة العمل، والتي قد تشمل التهديدات، الإهانات، الاستبعاد الاجتماعي، الانتقادات المستمرة غير البناءة، وغيرها من التصرفات التي تهدف إلى إهانة الشخص المستهدف أو تقليص ثقته بنفسه. تتفاوت شدة هذه التصرفات حسب الوضع والسياق، لكنها في المجمل تُعد انتهاكًا لحقوق الفرد في بيئة عمل آمنة وصحية.

أشكال التنمر الوظيفي

1. الإهانات اللفظية:
   قد يتعرض الموظف للتنمر اللفظي، مثل السخرية أو الاستهزاء بشكله، أفكاره أو تصرفاته. في بعض الأحيان، قد تتخذ هذه الإهانات طابعًا شخصيًا لتكون أكثر إيلامًا.

2. التنمر الاجتماعي:
   يشمل التنمر الاجتماعي عزل الشخص المستهدف عن الفريق أو المجتمع المحيط به داخل العمل. هذا الشكل من التنمر قد يتضمن تجاهل الشخص، استبعاده من الاجتماعات أو الأنشطة الجماعية، أو تهميش آرائه وأفكاره.

3. المضايقات الجسدية:
   على الرغم من أنها أقل شيوعًا، إلا أن التنمر الجسدي قد يحدث في بعض بيئات العمل. يشمل ذلك التصرفات التي تهدف إلى إزعاج الموظف جسديًا، مثل اللمس غير المرغوب فيه أو التهديدات الجسدية.

4. التنمر النفسي:
   يتضمن هذا النوع من التنمر محاولات لتقليص الثقة بالنفس لدى الموظف من خلال تقليل قدراته أو التقليل من شأن إنجازاته المهنية. قد يتضمن ذلك أيضًا التهديدات أو استخدام أساليب ضغط نفسية لخلق حالة من القلق المستمر.

5. التنمر الإداري أو التنمر من قبل المديرين:
   يعتبر التنمر الوظيفي عندما يمارسه المدير أو المسؤول الأعلى أمرًا بالغ الأهمية، حيث يمكن أن يتضمن تعسفًا في استخدام السلطة، وتوزيع المهام بشكل غير عادل أو ممارسة التهديدات المستمرة.

6. الإفراط في انتقاد الأداء:
   أحيانًا قد يتعرض الموظف لانتقادات مستمرة وغير بناءة على أداءه في العمل. هذه الانتقادات قد تكون قاسية وغير عادلة، مما يساهم في إضعاف احترام الذات وزيادة التوتر في بيئة العمل.

7. إعادة تعيين المهام:
   في بعض الأحيان، قد يتم استخدام أسلوب “إعادة تعيين المهام” كوسيلة للتنمر، حيث يتم تحميل الموظف مهام إضافية لا تتناسب مع وظيفته أو وضعه المهني. هذه المهام قد تكون متكررة أو غير معقولة، مما يؤدي إلى شعور الموظف بالإجهاد والإرهاق.

أسباب التنمر الوظيفي

هناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى حدوث التنمر الوظيفي. على الرغم من أن كل حالة قد تكون فريدة من نوعها، إلا أن هناك بعض الأسباب المشتركة التي تسهم في ظهور هذه الظاهرة:

1. اختلالات السلطة:
   في بيئة العمل، قد تؤدي الهيكلية التنظيمية غير السليمة إلى خلق بيئة من التفوق البغيض حيث يعتقد بعض الأشخاص أنهم يمتلكون السلطة المطلقة لتوجيه الآخرين. هذا يمكن أن يؤدي إلى استغلال السلطة بشكل سيء وإحداث التنمر.

2. المنافسة بين الزملاء:
   قد يكون التنمر ناتجًا عن الرغبة في التفوق على الزملاء في بيئة العمل، حيث يسعى البعض لتقويض الآخرين للوصول إلى أهدافهم الشخصية أو للحصول على الترقيات.

3. قلة الوعي الثقافي والنفسي:
   في بعض الأحيان، قد لا يدرك الأفراد الذين يمارسون التنمر في بيئة العمل الآثار السلبية لتصرفاتهم. بعض الأشخاص قد يرون أن سلوكهم مبررًا أو مجرد جزء من “ثقافة العمل” دون التفكير في تأثيره على الآخرين.

4. الضغط النفسي في العمل:
   العاملين في بيئات العمل ذات الضغوط النفسية المرتفعة قد يصبحون أكثر عرضة للتنمر بسبب الشعور بالإجهاد والتوتر. هذا الضغط يمكن أن يدفع بعض الأفراد إلى تصريف هذه المشاعر السلبية من خلال ممارسة التنمر على زملائهم.

5. غياب الرقابة والمحاسبة:
   في بيئات العمل التي تفتقر إلى القواعد الصارمة أو أنظمة الرقابة، قد لا يتم التعامل مع التنمر بشكل فعال. هذا يمكن أن يؤدي إلى انتشار السلوكيات المسيئة وزيادة التوتر في بيئة العمل.

6. قلة التدريب على إدارة النزاعات:
   في كثير من الأحيان، يفتقر الموظفون في بعض الشركات إلى التدريب الكافي على كيفية التعامل مع النزاعات بشكل بناء. هذا قد يؤدي إلى تصاعد الخلافات وتحويلها إلى أشكال من التنمر.

تأثيرات التنمر الوظيفي

تتراوح آثار التنمر الوظيفي على الأفراد من تأثيرات نفسية إلى تأثيرات جسدية وأحيانًا مهنية. وتشمل هذه الآثار:

1. الآثار النفسية:
   يمكن أن يتسبب التنمر في الشعور بالقلق، الاكتئاب، وحتى الانتحار في الحالات القصوى. الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر في بيئة العمل غالبًا ما يشعرون بالعزلة، التوتر الدائم وفقدان الثقة بالنفس.

2. الآثار الجسدية:
   من بين الآثار الجسدية التي قد تحدث نتيجة للتنمر في العمل الشعور بالإجهاد النفسي الذي يمكن أن يتسبب في اضطرابات النوم، الصداع المستمر، وآلام في العضلات. في بعض الحالات، قد يعاني الأفراد من مشاكل صحية مزمنة نتيجة الضغط النفسي المستمر.

3. تأثيرات مهنية:
   يمكن أن يؤدي التنمر إلى انخفاض الإنتاجية والمشاركة في العمل. العامل الذي يتعرض للتنمر قد يفقد حافزه للعمل أو يشعر بأنه لا يملك القدرة على تقديم أفضل أداء لديه. في بعض الحالات، قد يؤدي التنمر إلى تسرب الكفاءات من الشركة.

كيفية التعامل مع التنمر الوظيفي

1. الاعتراف بالمشكلة:
   أول خطوة في التعامل مع التنمر الوظيفي هي الاعتراف بوجود المشكلة. إذا شعر الموظف أو المدير بوجود سلوك تنمري في بيئة العمل، يجب أن يكون لديه الشجاعة للإشارة إلى ذلك.

2. التوثيق:
   من المهم أن يقوم الموظف بتوثيق أي حادث تنمر يواجهه، وذلك لجمع الأدلة التي قد تدعم موقفه في حال كان بحاجة إلى اتخاذ خطوات قانونية أو إدارية.

3. التواصل مع الشخص المعتدي:
   في بعض الحالات، قد يكون من الممكن التحدث مع الشخص الذي يمارس التنمر بطريقة محترمة، مع إبداء استياء الشخص من التصرفات غير اللائقة، بهدف توضيح الآثار السلبية لهذه التصرفات.

4. الاستعانة بالموارد البشرية:
   في حالة عدم تمكن الشخص من حل المشكلة بشكل مباشر، يجب عليه اللجوء إلى قسم الموارد البشرية أو المشرفين المعنيين في المؤسسة للإبلاغ عن التنمر. من المهم أن يكون هناك سياسة صارمة ضد التنمر الوظيفي.

5. التدريب والتوعية:
   يجب أن تتبنى الشركات برامج تدريبية لتعريف الموظفين بتعريف التنمر وأشكاله وأثره، إضافة إلى طرق التعامل معه بشكل سليم. كما ينبغي أن تتضمن هذه البرامج كيفية بناء بيئة عمل صحية وآمنة.

6. تشجيع بيئة عمل داعمة:
   من الأهمية بمكان أن تعمل المؤسسات على خلق بيئة عمل تشجع على التعاون والمساواة والاحترام المتبادل بين جميع العاملين. يجب أن تشجع الشركات على بناء ثقافة تدعم التنوع وتدير النزاعات بشكل بناء.

7. استخدام الدعم النفسي:
   في حالات التنمر الشديد، يمكن أن يلجأ الموظفون إلى الدعم النفسي أو الاستشارة المهنية للتعامل مع الآثار النفسية لهذه الظاهرة. هذا الدعم يمكن أن يساعد الأفراد في تجاوز هذه الصعوبات.

الخاتمة

التنمر الوظيفي هو ظاهرة تؤثر بشكل كبير على الأفراد والمؤسسات على حد سواء، إذ يؤثر على صحة الموظفين النفسية والجسدية ويقلل من الإنتاجية في مكان العمل. لذلك، من المهم أن تتخذ المؤسسات خطوات فعالة للتعامل مع هذه المشكلة من خلال تطبيق السياسات المناسبة، التوعية المستمرة، وتقديم الدعم اللازم للمتضررين من التنمر.