أشعة الشمس تقي من هشاشة العظام

تُعتبر أشعة الشمس أحد العوامل الحيوية التي تساهم بشكل مباشر في تعزيز صحة العظام والوقاية من هشاشتها، حيث تلعب دوراً أساسياً في تحفيز إنتاج فيتامين د في الجلد، وهو الفيتامين الذي لا غنى عنه في عملية امتصاص الكالسيوم والفوسفور الضروريين لبناء العظام والحفاظ على قوتها. هشاشة العظام تعد من الأمراض المزمنة التي تصيب الملايين حول العالم، وتتميز بانخفاض كثافة العظام وضعف بنيتها، مما يزيد من خطر تعرضها للكسور حتى مع الإصابات البسيطة أو الضغوط العادية.

في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل العلاقة بين أشعة الشمس وصحة العظام، آلية تأثير فيتامين د على العظام، دور التعرض للشمس في الوقاية من هشاشة العظام، بالإضافة إلى العوامل المؤثرة على استفادة الجسم من أشعة الشمس، وأهمية التوازن بين التعرض الكافي والمخاطر المحتملة لأشعة الشمس.

أهمية العظام وصحة الهيكل العظمي

العظام ليست فقط دعامة الجسم، بل هي عضو حيوي يعمل على حماية الأعضاء الداخلية، تخزين المعادن مثل الكالسيوم والفوسفور، وإنتاج خلايا الدم في النخاع العظمي. صحة العظام تعتمد بشكل أساسي على توازن بين عمليات البناء والهدم. في حالة هشاشة العظام، يحدث خلل في هذا التوازن، مما يؤدي إلى فقدان الكثافة المعدنية للعظام وضعف بنيتها.

مما يجعل العظام معرضة للكسر بسهولة، وخصوصاً في أماكن مثل الورك، المعصم، والعمود الفقري. لهذا السبب، الاهتمام بصحة العظام يعتبر من الأولويات في مجال الصحة العامة.

فيتامين د: المفتاح الذهبي لصحة العظام

فيتامين د هو عنصر غذائي حيوي لا يمكن الاستغناء عنه في عملية التمثيل الغذائي للكالسيوم والفوسفور. ويساعد فيتامين د في تعزيز امتصاص الكالسيوم من الأمعاء، وتثبيته في العظام، مما يمنع فقدانه عبر الكلى. نقص فيتامين د يؤدي إلى انخفاض مستوى الكالسيوم في الدم، مما يحفز الغدة الجار درقية على إفراز هرمون يؤدي إلى تحلل العظام لتحرير الكالسيوم، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام.

هناك نوعان رئيسيان من فيتامين د:

• فيتامين د2 (إرغوكالسيفيرول): يوجد في بعض الأطعمة النباتية والمكملات الغذائية.

• فيتامين د3 (كوليكالسيفيرول): ينتج طبيعياً في الجلد عند تعرضه لأشعة الشمس من النوع فوق البنفسجية من النوع B (UVB).

ويعتبر فيتامين د3 أكثر فعالية وأهمية للجسم مقارنة بفيتامين د2.

كيف تساهم أشعة الشمس في إنتاج فيتامين د؟

عند تعرض الجلد لأشعة الشمس، وتحديداً للأشعة فوق البنفسجية من النوع UVB، تتحول مادة تسمى 7-ديهيدروكوليسترول الموجودة في خلايا الجلد إلى فيتامين د3. بعد ذلك ينتقل فيتامين د3 إلى الكبد والكلى حيث يتحول إلى الشكل النشط الذي يستخدمه الجسم.

عملية إنتاج فيتامين د من أشعة الشمس تتوقف على عدة عوامل مثل:

• مدة التعرض: تحتاج البشرة إلى التعرض للشمس لمدة تتراوح بين 10 إلى 30 دقيقة يومياً حسب لون البشرة والموقع الجغرافي.

• وقت التعرض: يكون إنتاج فيتامين د أعلى في ساعات النهار بين 10 صباحاً و3 مساءً، حيث تكون أشعة UVB أكثر تركيزاً.

• لون البشرة: البشرة الداكنة تحتاج إلى وقت أطول لإنتاج نفس كمية فيتامين د مقارنة بالبشرة الفاتحة، بسبب زيادة صبغة الميلانين التي تقلل من قدرة الجلد على امتصاص الأشعة.

• الموسم والموقع الجغرافي: في المناطق القريبة من خط الاستواء يكون التعرض لأشعة الشمس أقوى، بينما في المناطق البعيدة عن خط الاستواء يكون إنتاج فيتامين د منخفضاً خاصة في فصل الشتاء.

• استخدام واقي الشمس والملابس: قد يقلل من إنتاج فيتامين د لأنها تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية للجلد.

تأثير التعرض لأشعة الشمس على هشاشة العظام

أظهرت الدراسات الطبية الحديثة أن الأشخاص الذين يعانون من نقص فيتامين د لديهم مخاطر مرتفعة للإصابة بهشاشة العظام، كما أن انخفاض مستويات فيتامين د في الجسم يضعف كثافة العظام ويزيد من احتمال حدوث الكسور، خصوصاً لدى كبار السن.

تناول المكملات الغذائية لفيتامين د بمفردها قد لا يكون كافياً في بعض الحالات إذا لم يتم توفير التعرض الكافي لأشعة الشمس، لأن التعرض للشمس يساهم في إنتاج فيتامين د بكمية طبيعية وفعالة تساعد على المحافظة على العظام.

أشعة الشمس تساهم أيضاً في تحسين وظائف العضلات مما يقلل من خطر السقوط، وهو عامل مهم في الوقاية من الكسور المرتبطة بهشاشة العظام.

عوامل تؤثر على استفادة الجسم من أشعة الشمس للوقاية من هشاشة العظام

هناك عوامل عديدة قد تؤثر على قدرة الجسم على إنتاج فيتامين د والاستفادة من أشعة الشمس بشكل كامل، منها:

1. التقدم في العمر

مع التقدم في السن، تقل قدرة الجلد على إنتاج فيتامين د بنسبة قد تصل إلى 75% مقارنة بالشباب، مما يجعل كبار السن أكثر عرضة لنقص فيتامين د وهشاشة العظام.

2. لون البشرة

الأشخاص ذوو البشرة الداكنة يحتاجون إلى وقت أطول في التعرض لأشعة الشمس لإنتاج نفس كمية فيتامين د مقارنة بأصحاب البشرة الفاتحة، لذلك قد يكونون أكثر عرضة لنقص هذا الفيتامين.

3. نمط الحياة والعادات

العمل في الأماكن المغلقة، استخدام واقيات الشمس بشكل مفرط، ارتداء الملابس التي تغطي الجسم بالكامل، والعيش في المناطق ذات التعرض الشمسي المنخفض، جميعها عوامل تحد من التعرض الطبيعي لأشعة الشمس وبالتالي تؤثر على إنتاج فيتامين د.

4. الحالة الصحية

بعض الحالات المرضية مثل السمنة، أمراض الكبد والكلى، واضطرابات امتصاص الدهون تقلل من مستوى فيتامين د في الجسم، مما يستدعي تعويض ذلك بالتعرض للشمس أو المكملات.

الوقاية من هشاشة العظام بالاعتماد على التعرض المعتدل لأشعة الشمس

يعتبر التعرض المعتدل لأشعة الشمس وسيلة طبيعية وآمنة لتعزيز صحة العظام، لذلك يوصى باتباع نصائح مهمة لتحقيق الفائدة القصوى مع تقليل المخاطر، منها:

• التعرض لأشعة الشمس بانتظام يومياً لمدة 10-30 دقيقة حسب لون البشرة والموقع الجغرافي.

• التركيز على التعرض في ساعات النهار التي تتركز فيها أشعة UVB (10 صباحاً إلى 3 مساءً).

• تجنب التعرض المفرط الذي قد يسبب حروقاً جلدية أو يزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد.

• الاهتمام بتناول نظام غذائي غني بالكالسيوم وفيتامين د لدعم صحة العظام.

• ممارسة الرياضة بانتظام لتعزيز قوة العضلات والعظام.

مكملات فيتامين د ودورها في الوقاية من هشاشة العظام

في حالات نقص التعرض لأشعة الشمس أو وجود عوامل صحية تحول دون إنتاج كافٍ لفيتامين د، يلجأ الأطباء إلى وصف مكملات فيتامين د لتعويض النقص. توصف هذه المكملات عادة بجرعات محددة تناسب حالة المريض، وتستخدم مع مكملات الكالسيوم لتحسين صحة العظام.

يجب تناول هذه المكملات تحت إشراف طبي لتجنب الجرعة الزائدة التي قد تسبب تسمماً في الكالسيوم ومشاكل صحية أخرى.

جدول يوضح تأثير التعرض لأشعة الشمس على مستويات فيتامين د وخطر هشاشة العظام

الخلاصة

تلعب أشعة الشمس دوراً محورياً في الوقاية من هشاشة العظام من خلال تحفيز إنتاج فيتامين د الضروري لامتصاص الكالسيوم وتقوية العظام. يعتمد الاستفادة من أشعة الشمس على عوامل عدة تشمل العمر، لون البشرة، نمط الحياة، والحالة الصحية. الحفاظ على تعرض معتدل ومنتظم للشمس إلى جانب نظام غذائي متوازن ونمط حياة صحي يشكل الركيزة الأساسية لصحة العظام والوقاية من هشاشتها. في حالات النقص، تعد المكملات الغذائية وسيلة فعالة لتعويض ذلك، مع ضرورة استشارة الطبيب لتحديد الجرعات المناسبة.

المراجع

1. Holick, M. F. (2007). “Vitamin D deficiency.” New England Journal of Medicine, 357(3), 266-281.

2. Weaver, C. M., & Fleet, J. C. (2004). “Vitamin D requirements: current and future.” The American Journal of Clinical Nutrition, 80(6), 1735S-1739S.