التخلص من الإمساك للحامل: دليل شامل مبني على أسس طبية وغذائية

المقدمة

الإمساك أثناء الحمل يُعد من أكثر المشكلات الهضمية شيوعًا، حيث تشير الدراسات إلى أن ما بين 11% إلى 38% من النساء الحوامل يعانين من درجات مختلفة من الإمساك خلال فترة الحمل، خصوصًا في الثلثين الأول والأخير. هذا الاضطراب الهضمي لا يُسبب فقط انزعاجًا جسديًا، بل قد يؤدي إلى مضاعفات أكثر خطورة إذا تُرك دون معالجة، مثل البواسير أو الشقوق الشرجية. ومع أن الإمساك يُعتبر عرضًا شائعًا، فإن فهم أسبابه المتعددة والآليات الفسيولوجية الكامنة وراءه ضروري لتقديم تدخلات فعالة وآمنة تتناسب مع طبيعة الحمل وتغيراته.

يهدف هذا المقال إلى تقديم مرجع علمي مفصل حول الإمساك لدى الحوامل، مع التركيز على الأسباب، التأثيرات الجسدية والنفسية، العلاجات الطبيعية والطبية، وأهم النصائح المبنية على الأدلة للوقاية والعلاج، مع مراعاة خصوصية الوضع الصحي للمرأة الحامل.

أولًا: الأسباب الفسيولوجية والهرمونية للإمساك عند الحامل

1. تأثير هرمون البروجستيرون

أحد أبرز العوامل المسببة للإمساك خلال الحمل هو ارتفاع مستويات هرمون البروجستيرون، الذي يعمل على إرخاء العضلات الملساء في الجسم بما في ذلك عضلات الجهاز الهضمي. هذا يؤدي إلى بطء حركة الأمعاء وتراجع وتيرة التقلصات العضلية اللازمة لدفع الطعام، مما يؤدي إلى احتباس البراز داخل القولون لفترات أطول وزيادة امتصاص الماء منه، وبالتالي يصبح البراز أكثر جفافًا وصعوبة في المرور.

2. ضغط الرحم المتنامي على الأمعاء

مع تقدم الحمل، يزداد حجم الرحم تدريجيًا، ويبدأ في ممارسة ضغط على القولون والمستقيم، مما يعيق تدفق البراز بشكل طبيعي. هذا التأثير يظهر بوضوح في الثلث الثالث من الحمل، حيث يساهم بشكل كبير في تفاقم حالات الإمساك.

3. انخفاض مستوى النشاط البدني

غالبًا ما تنخفض مستويات النشاط البدني أثناء الحمل بسبب التعب أو الغثيان أو التغيرات الجسدية، وهذا التراجع في الحركة يُعد عاملاً مساهماً رئيسياً في حدوث الإمساك، حيث أن قلة النشاط الحركي تبطئ من حركة الأمعاء الطبيعية.

4. استخدام مكملات الحديد

العديد من النساء الحوامل يتناولن مكملات الحديد للوقاية من فقر الدم، إلا أن هذه المكملات تُعد من الأسباب الشائعة للإمساك نظرًا لتأثيرها على بطانة الأمعاء وتقليلها من حركتها.

ثانيًا: العوامل الغذائية المؤثرة في الإمساك

1. قلة الألياف في النظام الغذائي

تناول كميات غير كافية من الألياف الغذائية يؤدي إلى صعوبة في تكوين براز طري وسهل الإخراج. الألياف غير القابلة للذوبان تعمل على زيادة حجم البراز وتحفيز حركة الأمعاء.

2. نقص السوائل

قلة شرب الماء والسوائل الأخرى تسهم بشكل مباشر في جفاف البراز، خاصة مع امتصاص القولون لكمية أكبر من الماء أثناء بقاء البراز لفترة أطول.

3. الإفراط في تناول الكربوهيدرات البسيطة

تناول السكريات المكررة والكربوهيدرات البيضاء بشكل مفرط يزيد من خطر الإمساك نتيجة لانخفاض محتواها من الألياف وتأثيرها السلبي على التوازن الميكروبي في الأمعاء.

ثالثًا: المضاعفات المحتملة للإمساك أثناء الحمل

• البواسير: نتيجة للضغط الزائد أثناء التبرز.

• الشق الشرجي: بسبب البراز القاسي.

• زيادة التوتر النفسي: الشعور المستمر بالانزعاج قد يؤدي إلى القلق والتوتر.

• انخفاض الشهية: بسبب تراكم الفضلات وتأثيرها على الشعور بالشبع والامتلاء.

رابعًا: الاستراتيجيات الطبيعية والآمنة لعلاج الإمساك عند الحامل

1. تعديل النظام الغذائي

• زيادة تناول الألياف: يُنصح بتناول 25-30 غرام من الألياف يوميًا من مصادر طبيعية مثل:

  • الخضروات الورقية (السبانخ، الجرجير)

  • الفواكه الطازجة (التفاح مع القشر، الكمثرى، التين)

  • الحبوب الكاملة (الخبز الأسمر، الشوفان)

  • البقوليات (العدس، الحمص)

• شرب كميات كافية من الماء: ما لا يقل عن 8 أكواب يوميًا، مع إمكانية تناول السوائل الدافئة مثل مغلي النعناع أو الكمون.

2. النشاط البدني المنتظم

المشي لمدة 20-30 دقيقة يوميًا يُعزز حركة الأمعاء الطبيعية. يمكن أيضًا ممارسة اليوغا المخصصة للحامل التي تركز على تحسين الدورة الدموية وتخفيف الضغط على البطن.

3. الجدول الزمني للتبرز

تدريب الجسم على التبرز في نفس الوقت يوميًا، خصوصًا بعد الإفطار، يساعد في تحفيز الاستجابة العصبية المعوية.

4. التدليك الموضعي للبطن

يمكن تدليك البطن بلطف بحركات دائرية في اتجاه عقارب الساعة لتشجيع حركة الأمعاء، بشرط عدم وجود مضاعفات مثل النزيف أو خطر الولادة المبكرة.

خامسًا: العلاجات الطبية المسموح بها تحت إشراف الطبيب

عند فشل الأساليب الطبيعية في التخفيف من الإمساك، يمكن اللجوء لبعض العلاجات الطبية الآمنة خلال الحمل، لكن يجب أن يكون ذلك بإشراف طبيب النساء والتوليد المختص. ومن أبرز الخيارات:

سادسًا: دور المكملات والبدائل الطبيعية

1. زيت الزيتون

تناول ملعقة صغيرة من زيت الزيتون صباحًا على الريق يمكن أن يساعد في تسهيل حركة الأمعاء.

2. بذور الكتان

تحتوي على ألياف وأحماض أوميغا 3، وتُستخدم بجرعات صغيرة تضاف إلى اللبن أو العصير.

3. مغلي الأعشاب

• الزنجبيل: يُحفز الهضم ويخفف من الغثيان والإمساك.

• البابونج: يهدئ الأمعاء ويخفف من الانتفاخ المصاحب للإمساك.

سابعًا: احتياطات مهمة عند التعامل مع الإمساك أثناء الحمل

• الامتناع عن استخدام أي دواء ملين دون استشارة الطبيب.

• الحذر من استخدام الأعشاب الملينة مثل “السنامكي” التي قد تسبب تقلصات رحمية.

• ضرورة مراقبة أعراض البراز الدموي أو الألم الشديد أثناء التبرز، والتي قد تكون علامات على مضاعفات خطيرة.

• تناول المكملات الغذائية في توقيت مناسب بعيد عن وجبات الطعام الثقيلة لتقليل تأثيرها المسبب للإمساك.

• الحفاظ على الوضعية الصحيحة أثناء الجلوس في المرحاض عبر رفع القدمين قليلًا باستخدام مسند، مما يسهل عملية التبرز.

ثامنًا: توصيات غذائية عملية للحامل المصابة بالإمساك

المصادر العلمية والمراجع

1. Wald, A. (2017). Constipation in pregnancy. Gastroenterology Clinics of North America, 46(1), 215-224. https://doi.org/10.1016/j.gtc.2016.09.012

2. McCallum, M. J., & Brown, M. C. (2020). Management of constipation during pregnancy. Journal of Obstetrics and Gynaecology, 40(3), 327-332. https://doi.org/10.1080/01443615.2019.1622587