كيف تواسي شخصاً ما بطريقة صحيحة؟
تعدُّ المواساة من أسمى الأعمال الإنسانية التي تعكس مدى التعاطف والرحمة التي يحملها الإنسان تجاه الآخرين. فهي تمثل أحد أبعاد العلاقات الإنسانية التي تقوم على الفهم العميق لمشاعر الآخرين، وعلى القدرة على تقديم الدعم النفسي والتشجيع في أوقات المحن والآلام. ولكن المواساة ليست مجرد كلمات تقال، بل هي مشاعر حقيقية يجب أن يتم التعبير عنها بأسلوب يخفف من وطأة الحزن ويوفر الراحة للقلب. لذا، من المهم معرفة كيفية المواساة بطريقة صحيحة، لأن هذا التصرف يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياة الشخص الذي يعاني.
1. التفهّم العميق لمشاعر الشخص الآخر
أول خطوة في المواساة الصحيحة هي التفهّم الكامل للمشاعر التي يمر بها الشخص الآخر. قد يعاني الشخص من الحزن نتيجة فقدان شخص عزيز، أو من القلق بسبب مرض، أو من الضغط النفسي بسبب تحديات الحياة. يجب أن تدرك أن كل شخص يتعامل مع الألم بطريقة مختلفة، لذلك من المهم أن تكون لديك القدرة على الاستماع والتفاعل بشكل يتناسب مع مشاعره. لا بد من أن تكون مستمعًا جيدًا، وأن تمنح الشخص الوقت الكافي للتعبير عن نفسه دون مقاطعة.
2. الاستماع بانتباه وإظهار الاهتمام
يعتبر الاستماع من أهم أدوات المواساة الفعالة. في كثير من الأحيان، لا يحتاج الشخص الذي يعاني إلى النصائح أو الحلول، بقدر ما يحتاج إلى شخص يستمع إليه بعناية واهتمام. عندما يتحدث الشخص عن مشاعره، يكون من الضروري أن تكون موجودًا بتركيز تام، وأن تبدي تفهمك لما يمر به من خلال تعبيرات الوجه أو الكلمات المشجعة مثل “أنا هنا من أجلك” أو “أفهم تمامًا كيف تشعر”. هذه العبارات تعطي الشخص الآخر شعورًا بالأمان وتخفف من معاناته.
3. تجنب النصائح الفورية أو الحكم على المواقف
عند محاولة مواساة شخص ما، من الضروري تجنب تقديم نصائح سريعة أو إصدار أحكام حول الموقف. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يمر بمحنة نفسية، فإن قولك “الوقت كفيل بالشفاء” أو “يجب أن تواصل حياتك” قد يُشعره بأنك لا تتفهم تمامًا مدى ما يمر به. بدلاً من ذلك، ينبغي التركيز على مشاعر الشخص واحتياجاته في تلك اللحظة، وعدم محاولة فرض حلول قبل أن يُتاح له وقت للتعبير عن نفسه.
4. استخدام لغة الجسد بشكل مناسب
تلعب لغة الجسد دورًا محوريًا في التعبير عن المواساة. قد لا تكون الكلمات دائمًا كافية، خاصة عندما يكون الشخص في حالة حزن شديد. من خلال تواصل العينين، والجلوس بالقرب منه، وإيماءات اليد اللطيفة مثل وضع اليد على الكتف أو احتضان الشخص إذا كان ذلك مناسبًا، يمكن أن تشعره بوجودك ودعمك له. في بعض الحالات، يكون الصمت هو أبلغ شكل من أشكال المواساة. إذا لم يكن الشخص مستعدًا للكلام، يمكن أن تكون مجرد وجودك بجانبه كفيلة بأن تعطيه الأمل والراحة.
5. احترام المسافة الشخصية
من المهم أيضًا احترام المساحة الشخصية للشخص في أثناء عملية المواساة. في بعض الأحيان قد يشعر الشخص بالحاجة إلى العزلة أو الانعزال عن الآخرين، ولذلك من الضروري أن تعطيه وقتًا وخصوصية ليحزن بطريقته الخاصة. إذا شعر الشخص أنه تحت ضغط للمشاركة في حديث ما أو إذا كان يفضل الصمت، يجب عليك أن تكون حساسًا لهذا الموقف وأن لا تفرض عليه التحدث إذا لم يكن جاهزًا لذلك.
6. استخدام كلمات مناسبة وداعمة
تُعتبر الكلمات من أدوات المواساة القوية إذا تم اختيارها بعناية. لكن يجب أن تكون هذه الكلمات مدروسة، وتجنب أن تكون قاصرة أو مكررة بشكل مفرط. كلمات مثل “أنت لست وحدك” أو “أنا هنا لدعمك” تبعث شعورًا بالراحة. كما يُفضل تجنب العبارات التي قد تتسبب في الشعور بالذنب أو الإحراج، مثل “يجب أن تتجاوز هذا الأمر بسرعة” أو “الأمور ليست بهذا السوء”. فمثل هذه العبارات قد تجعل الشخص يشعر بأن مشاعره غير مُعترف بها.
7. التواجد بشكل مستمر وداعم
المواساة لا تقتصر على لحظات معينة فقط. يجب أن يكون الدعم مستمرًا. في بعض الأحيان، يتطلب الأمر تقديم الدعم في فترات مختلفة، فالألم لا ينحسر في لحظة واحدة، بل قد يمتد لفترة طويلة. تذكر أن الرسائل القصيرة أو الزيارات المستمرة تُظهر للشخص أن هناك من يهتم به ويراعي مشاعره. حتى لو كانت الوسيلة هي إرسال رسالة نصية تحمل كلمات من التشجيع، فإن ذلك يبقى ذو تأثير إيجابي.
8. مراعاة الفروق الثقافية والدينية
إن التفاعل مع الأشخاص الذين يمرون بتجارب صعبة قد يتطلب أيضًا مراعاة الفروق الثقافية والدينية. تختلف طريقة التعبير عن الحزن والمواساة من ثقافة إلى أخرى. لذا، يجب أن تكون حريصًا في فهم خلفية الشخص الثقافية والدينية قبل تقديم أي نوع من الدعم. قد تفضل بعض الثقافات التعبير عن الحزن بشكل علني، بينما يفضل آخرون إظهار الحزن في الخفاء. فإظهار الاحترام لثقافة الشخص قد يكون أحد أعمق أشكال المواساة.
9. دعم الشخص في اتخاذ خطوات عملية إذا كان ذلك مناسبًا
أحيانًا يمكن أن يكون الدعم عملاً ملموسًا يساعد الشخص في تجاوز محنته. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يعاني من فقدان شخص عزيز، يمكن أن تقدم المساعدة في تنظيم بعض الأمور اليومية مثل الأعمال المنزلية أو الترتيبات. ولكن يجب أن يتم هذا الدعم بحذر وبدون فرض، لضمان أن الشخص لا يشعر بأنك تتدخل في خصوصياته.
10. كن صبورًا ومتفهمًا
الصبر هو مفتاح أساسي عند المواساة. عندما يكون الشخص في حالة من الحزن الشديد، قد يحتاج إلى وقت طويل للتعافي والتأقلم مع الوضع. فلا تتوقع أن تنتهي الحزن بسرعة أو أن يتغلب الشخص على محنته في وقت قصير. من خلال الصبر، يمكن أن تخلق بيئة تتيح له أن يشعر بالراحة والتشجيع للشفاء.
11. التأكيد على الأمل دون إغفال الألم
من المهم أيضًا أن توازن بين التأكيد على الأمل والاعتراف بالألم. في حين أن الأمل ضروري للمضي قدمًا، فإن تجاهل المعاناة الحالية قد يكون ضارًا. يجب أن تُظهر للشخص أنه يمكنه العيش مع ألم مع مرور الوقت، وأنه يوجد دائمًا أمل في المستقبل. لذلك، من الأفضل التعبير عن جمل تحفزه، ولكن دون التقليل من حجم الألم الذي يمر به.
12. التعبير عن المساندة الجسدية والنفسية بشكل متوازن
إن تقديم الدعم الجسدي والنفسي بشكل متوازن هو ما يجعل المواساة أكثر فعالية. ففي بعض الأحيان، يمكن للتواصل الجسدي، مثل العناق أو مسك اليد، أن يبعث في الشخص شعورًا بالراحة والطمأنينة. بينما قد يتطلب الآخرون نوعًا من الدعم النفسي، مثل الكلمات المشجعة أو مساعدتهم في كيفية تنظيم أفكارهم.
13. التحلي بالتواضع والتقبل
من أكثر الأمور التي تجعل المواساة فعالة هو التحلي بالتواضع والتقبل. لا ينبغي أن تشعر الشخص بأنك في وضع أعلى منه، أو أن تجربتك الخاصة هي الحل الأمثل لمشاكله. بل يجب أن تتعامل مع الشخص كمتساوٍ، وتقبله كما هو دون محاولة تغيير طريقة تفكيره أو مشاعره.
في النهاية، المواساة ليست مجرد كلمات أو أفعال سطحية، بل هي تعبير صادق عن مشاعر الاهتمام والرغبة في تقديم الدعم. إنها عملية إنسانية تتطلب التفاهم والاحترام لمشاعر الآخر، وتقديم الدعم بطريقة تراعي الخصوصية وتناسب الظروف. ومن خلال إتقان هذه المهارات، يمكن أن تساهم في تخفيف الألم النفسي لشخص آخر وتمنحه القوة للتعامل مع تحديات الحياة.
