فيلم The Exorcist: Believer – عودة الرعب الإيماني في مواجهة الشر المطلق

يعود فيلم The Exorcist: Believer لسلسلة أفلام الرعب الكلاسيكية من بوابة جديدة تتنفس عمقًا من الميثولوجيا الدينية والقلق الإنساني، وتعيد تشكيل مشهد الرعب الإيماني الذي صاغته السينما منذ سبعينيات القرن العشرين. الفيلم الذي أُصدر في أكتوبر 2023، يُعد تتمة روحية للفيلم الأصلي الصادر عام 1973، لكنه يتجاوز كونه مجرّد إعادة إنتاج أو جزءًا ثانيًا، ليقدم قراءة معاصرة لثنائية الإيمان والشر، والخوف والتوبة، من خلال قصة تسبر أغوار الأبوة، الصدمة، والإيمان المتزعزع.

إنتاج ضخم وعقول وراء الكواليس

أُنتج الفيلم بميزانية بلغت 30 مليون دولار، من قبل شركات إنتاج ذات باع طويل في أفلام الرعب مثل Blumhouse Productions وMorgan Creek، بالشراكة مع Rough House Pictures وتوزيع Universal Pictures. وأشرف على الإخراج ديفيد غوردون غرين، الذي سبق أن أعاد إحياء سلسلة Halloween بنجاح، وهو مخرج يعرف تمامًا كيف يعيد دمج الكلاسيكيات مع حساسيات العصر الحديث.

القصة: عندما يتلبّس الشر الأمل الوحيد

تدور أحداث الفيلم حول “فيكتور فيلدينغ”، رجل فقد زوجته قبل سنوات في زلزال مروع أثناء وجودهما في هايتي. نراه الآن أبًا وحيدًا لابنته “أنجيلا”، يعيش حياة هادئة في أحد الأحياء الأمريكية. تنقلب حياته رأسًا على عقب عندما تختفي أنجيلا مع صديقتها “كاثرين” في الغابة لعدة ساعات، لتعودا بعد ذلك وهما تظهران علامات واضحة على مس شيطاني.

الفيلم لا يضيّع الوقت في إدخالك في حالة من الرعب النفسي المتصاعد، إذ يبدأ العرض الحقيقي عندما تبدأ الفتاتان بإظهار سلوكيات خارقة، مرعبة وغير طبيعية، تتحدى الفهم البشري والمنطق العلمي. ومع ازدياد حدة الأحداث، يجد الأب نفسه مضطرًا للبحث عن إجابات، فيلجأ إلى “كريس ماكنيل”، الشخصية الأيقونية التي لعبت دورًا محوريًا في الفيلم الأصلي قبل خمسين عامًا، والتي لا تزال تحمل ندوب التجربة السابقة مع ابنتها “ريغان”.

الطابع الدرامي والمعالجة النفسية

يتميّز الفيلم بمعالجة درامية مختلفة عن المعتاد في أفلام الرعب. إذ لا يعتمد على الصدمات البصرية والمشاهد الدموية فحسب، بل يغوص في أعماق الشخصيات ليطرح أسئلة فلسفية حول الإيمان، والحب الأبوي، والخوف من فقدان السيطرة. شخصية “فيكتور” الممزقة بين فقدان الزوجة وخوفه من فقدان الابنة تجعله رمزًا إنسانيًا للبحث عن الخلاص في عالم غارق في المجهول.

كما أن الشخصيات الأخرى، مثل “كاثرين” ووالديها المتدينين، تضيف بعدًا ثقافيًا للصراع، حيث تطرح المقارنة بين العقائد الدينية المختلفة وأساليب التعامل مع الماورائيات.

عودة الأسطورة: كريس ماكنيل

عودة إلين بورستين بدور “كريس ماكنيل” هي إحدى أبرز محاور الفيلم. تقدم الشخصية بشكل امرأة عجوز، منهكة من تجربة شبابها، لكنها لا تزال تحمل شعلة الوعي لمواجهة الشر. وجودها لا يأتي كحيلة عاطفية أو تكريمية فقط، بل يحمل دورًا سرديًا فعّالًا يُذكّر الجمهور بجذور السلسلة، ويؤسس لصلة مباشرة بين الماضي والحاضر.

التمثيل: أداء يُجسّد الألم والخوف

يؤدي ليزلي أودوم جونيور دور “فيكتور” بأداء متماسك وعميق، يلتقط التوتر والانكسار والعزيمة في آنٍ واحد. أما الطفلتان ليديا جوويت وأوليفيا ماركوم، فقد قدمتا أداءً مذهلاً يُحسب لهما، خاصة في مشاهد التلبس التي تتطلب توازنًا دقيقًا بين البراءة والرعب المطلق. وبدورها، عادت ليندا بلير للظهور بدور صغير ولكن رمزي كابنتها السابقة “ريغان”، في إشارة ذكية تربط الأجيال وتؤكد استمرار اللعنة عبر الزمن.

البنية البصرية والصوتية

البُعد البصري في الفيلم يرتكز على الإضاءة الخافتة، والألوان الباردة، واللقطات القريبة التي تُبرز ملامح الرعب في وجوه الشخصيات. الكاميرا تتحرك بحذر، وكأنها هي الأخرى تخاف مما ستكتشفه في عمق المشهد.

أما الجانب الصوتي، فتمّ استغلاله بشكل بارع. الأصوات الهمسية، صرخات الألم، والموسيقى التصاعدية الخانقة، كلها عناصر تعزز من الحالة الشعورية وتغرق المُشاهد في جو خانق يتصاعد مع كل مشهد.

الأبعاد الرمزية واللاهوتية

الفيلم لا يعرض قصة تلبس شيطاني تقليدية، بل يذهب أبعد من ذلك لطرح قضايا أكبر: هل الإيمان كافٍ لمواجهة قوى خارقة للطبيعة؟ كيف تتعامل المجتمعات الحديثة، التي أصبحت أكثر علمانية، مع قضايا تمس الروح والعقيدة؟ هل الطقوس الكاثوليكية لا تزال تملك القوة ذاتها أمام الشر المعاصر؟ هذه الأسئلة تظهر من خلال التفاعلات بين الشخصيات، واختلاف أساليبهم في البحث عن الخلاص: من طقوس تقليدية إلى استشارات طبية، ومن الصلاة إلى اللجوء للموروث الثقافي الأفريقي في التعامل مع الأرواح.

الجدول: مقارنة بين فيلم The Exorcist (1973) و The Exorcist: Believer (2023)

الموروث الثقافي وتأثير الفيلم

لا يُمكن إنكار أن The Exorcist: Believer يستمد قوته من الموروث الثقافي والديني الذي أسسته السلسلة الأصلية. إلا أن النسخة الجديدة تضيف لمساتها الخاصة، وتفتح أبوابًا جديدة لرؤية الصراع الروحي من منظور أكثر شمولية وإنسانية. الرعب هنا ليس في الوحش أو الكائن الماورائي فقط، بل في فقدان السيطرة، في الخوف من فقدان الأبناء، وفي هشاشة اليقين الإنساني.

الفيلم يشكل جسرًا بين القديم والجديد، وبين الرعب الكلاسيكي والطرح السينمائي الحديث، مما يجعله لا يُقدَّم فقط كعمل ترفيهي، بل كوثيقة نفسية وروحية يمكن دراستها ضمن سياقات أعمق تتناول الإيمان والخوف والهوية.

خاتمة تحليلية

نجح The Exorcist: Believer في إعادة إحياء الروح الأصلية للسلسلة من دون السقوط في فخ التقليد المبتذل، وقدم تجربة سينمائية ذات طابع إنساني وروحي معاصر. ورغم أن الفيلم لم يصل إلى نفس التأثير الثوري للجزء الأول، إلا أنه وضع حجر أساس جديد لتوسيع هذا العالم السينمائي. وبهذا، لا يُعد الفيلم مجرد جزء إضافي، بل عمل مستقل يحمل وزنه الرمزي والفني، ويستحق مكانه في تاريخ أفلام الرعب الحديثة.

المصادر:

1. Box Office Mojo – The Exorcist: Believer

2. IMDb – The Exorcist: Believer