حرب اليونيكورن Unicorn Wars الدموية

حرب اليونيكورن: ملحمة دموية في ثوب كرتوني

في عام 2022، شهد عالم السينما المستقلة ظهور عمل غير اعتيادي جمع بين الجنون الفني، والسخرية السوداء، والعنف الرمزي المكثف في فيلم “Unicorn Wars” (حرب اليونيكورن)، من إنتاج مشترك بين عدة شركات أوروبية منها UniKo وAutour de Minuit وSchmuby Productions، بإخراج وتأليف الرسام والمخرج الإسباني ألبرتو فاثكيث. هذا الفيلم الرسومي الصادم، الذي تدور أحداثه في عالم خيالي تهيمن عليه الدببة ويونيكورنات الأسطورية، ليس مجرد رسوم متحركة للفكاهة أو الأطفال، بل هو هجاء شرس للحروب، الأدلجة، والدين، وصراع الأخوة، مدمج بأسلوب بصري يتناقض بشكل ساخر مع فحواه الدموي.

معالجة هجائية لحرب خيالية

في جوهره، يصور الفيلم صراعاً دموياً بين دببة صغيرة، تشبه كثيراً شخصيات الرسوم المتحركة المحببة للأطفال، وجيش من اليونيكورنات الغامضة التي تعيش في ما يسمى بـ “الغابة السحرية”. تحت هذا السطح الطفولي تختبئ طبقات متعددة من الرمزية، أبرزها تصوير الحرب كأداة تستخدمها الأنظمة السلطوية لصنع الأعداء وتحويل الكائنات البريئة إلى آلات قتل، من خلال الأدلجة والقمع والتدريب العسكري القاسي.

الفيلم ينطلق من ثنائية بسيطة: الخير مقابل الشر، لكن سرعان ما يزعزع استقرار هذه الثنائية عبر تقديم شخصيات معقدة تعيش في ظلال الحقد، الغيرة، والانهيار النفسي. الدببة، بدلاً من أن تكون ضحايا أو رموز للبراءة، تتحول إلى رموز للفاشية المصغرة. يتم تلقينهم منذ الصغر أن اليونيكورنات تمثل الشر المطلق، وأن القضاء عليها هو السبيل الوحيد للسلام.

قصة الأخوين: بلويت وتابي

يُركز السرد على أخوين من الدببة: بلويت وتابي، اللذين يشكلان نموذجاً مأساوياً للصراع العائلي العميق المتجذر في التفكك، الحقد، والحب المشوه. بلويت هو الجندي المتحمس، المدفوع بإحساس مبالغ بالبطولة والطموح العسكري، في حين أن تابي يعاني من ضعف نفسي واضح، ويتوق للقبول والحب وسط عالم لا يعرف الرحمة.

علاقة الأخوين تتطور على امتداد الفيلم نحو الانفجار الحتمي، ممثلة التصدع الداخلي الذي يمكن أن يحدث في المجتمعات تحت ضغط العقائد المتطرفة. عبر بلويت، يصور فاثكيث كيف يمكن للأدلجة أن تحول شخصاً عادياً إلى قائد مجنون، يبرر القتل والدمار من منطلقات دينية أو وطنية. أما تابي، فيجسد المأساة الإنسانية لمن يسحقه النظام دون أن يكون مؤهلاً للمقاومة أو الخضوع.

بين السخرية والعنف: الرسوم المتحركة كأداة احتجاج

أحد أبرز جوانب الفيلم هو أسلوبه البصري المتناقض مع محتواه. يستخدم “Unicorn Wars” رسوماً بسيطة وملونة، تذكّر بأفلام الأطفال، لكن سرعان ما تتحول هذه البساطة إلى أداة تهكم، حيث تُعرض مشاهد عنف مروعة، وانفجارات دامية، وقطع رؤوس، ودماء تغرق الشاشة، بأسلوب يشبه أفلام الحرب الواقعية، لكن باستخدام دمى متحركة تشبه ألعاب الطفولة.

هذا التباين بين الشكل والمضمون ليس عشوائياً، بل هو جزء من استراتيجية سردية ذكية تُرغم المشاهد على مواجهة الواقع المخيف للحرب، ليس فقط كحدث مادي، بل كمنظومة فكرية قائمة على التلقين والكراهية الجماعية. السخرية السوداء في الفيلم لا تُستخدم للضحك، بل لفضح الواقع بحدة.

الحرب والدين: نقد رمزي للمؤسسة الدينية

لا يكتفي الفيلم بنقد العسكرة، بل يذهب أبعد من ذلك إلى تناول العلاقة المعقدة بين الدين والسلطة. تُعرض مشاهد يظهر فيها “الكتاب المقدس للدببة”، الذي يتضمن نبوءة عن معركة نهائية بين الخير (الدببة) والشر (اليونيكورنات)، في محاكاة مباشرة لفكرة الجهاد الديني أو الحروب الصليبية. يُستخدم هذا “الكتاب” في تلقين الجنود وتبرير الحرب والقتل، ما يطرح تساؤلات جوهرية عن كيفية استغلال الخطاب الديني في تجنيد العنف.

هذا التناول العميق يُشير إلى الأوجه المتعددة للصراع: ليس فقط مع العدو الخارجي، بل أيضاً مع الذات، والهوية، والشر الكامن في القلب البشري.

الغابة السحرية: رمز للطبيعة المسلوبة

الغابة التي يحاول الدببة “تحريرها” من اليونيكورنات هي أيضاً كيان رمزي بالغ الدلالة. فهي تمثل الطبيعة، البراءة، وربما حتى السلام الداخلي الذي يتعرض للتدمير باسم “التحرير”. كلما تقدم الجيش في الغابة، تزداد مشاهد التدمير وتقل ملامح الحياة، في إشارة إلى أن الحروب، مهما كانت أهدافها المعلنة، تدمر دائماً البيئة والبراءة.

الرسالة البيئية هنا قوية، حيث يُظهر الفيلم أن الحيوانات التي تتقاتل من أجل السيطرة على “الغابة السحرية” تنتهي بتدميرها بالكامل، كما تفعل البشرية مع كوكب الأرض.

مقارنة بين الفانتازيا العسكرية والفانتازيا الروحية

الفيلم لا يكتفي بصنع عالمين متقابلين (الدببة مقابل اليونيكورنات)، بل يقيم توازناً بين نوعين من الفانتازيا: الفانتازيا العسكرية التي تعيشها الدببة تحت تأثير الخطب الوطنية والتدريبات العنيفة، والفانتازيا الروحية التي تمثلها اليونيكورنات. هذه الأخيرة لا تُعرض كثيراً، لكنها تحتفظ بهالة من القداسة والغموض، ويظهر تواصلها مع الطبيعة والروح كمصدر قوة، ما يجعلها تمثل قيماً معاكسة تماماً لما يحمله جيش الدببة.

الجدول التالي يوضح رمزية بعض العناصر الأساسية في الفيلم:

الإنتاج والاستقبال

رغم ميزانية محدودة، لم يُعلن عنها رسمياً، حقق الفيلم بصمته القوية على صعيد المهرجانات السينمائية، لكنه لم يحقق نجاحاً تجارياً كبيراً، حيث لم يتجاوز إيراده 27,833 دولارًا، مما يعكس طبيعة الفيلم كعمل فني مستقل أكثر منه موجّه للجماهير الواسعة. وقد نال إشادة واسعة من النقاد في مهرجانات مثل Annecy Festival وSitges Film Festival، بسبب جرأته البصرية والرمزية والفكرية، واعتُبر امتداداً لتجربة فاثكيث السابقة في فيلمه “Psiconautas”.

التأثير الثقافي والفكري

يشكل “Unicorn Wars” نموذجاً فريداً في تاريخ السينما الرسومية الإسبانية، بل وربما العالمية، حيث استطاع الجمع بين عناصر فانتازية، سريالية، وسياسية ضمن سرد متكامل ومشحون بالعاطفة والدماء والمعاني. إنه فيلم يجبر المشاهد على مراجعة مفاهيم الطفولة، والبراءة، والعنف، والسلطة، والدين، بطريقة غير مباشرة لكن فعّالة.

خاتمة نقدية

فيلم “Unicorn Wars” ليس تجربة رسومية معتادة، بل هو صرخة ضد الحروب والعقائد القاتلة التي تُزرع في عقول الأجيال باسم الوطنية أو الدين. من خلال الدمج بين العنف والبراءة الشكلية، ينجح في خلخلة التوقعات وزعزعة الطمأنينة البصرية، ويقدم رؤية فكرية سوداء عن مستقبل البشرية إن استمرت في تقديس الحروب وتدمير الآخر.

المراجع:

• Alberto Vázquez Official Website – https://www.albertovazquez.net

• Sitges Film Festival – Unicorn Wars Review 2022 – https://sitgesfilmfestival.com