كيفية التشهد والتسليم في الصلاة

التشهد والتسليم من الركنين الأساسيين في الصلاة، ويُعدان خاتمة الصلاة التي بدونها لا تُعتبر الصلاة صحيحة ومقبولة. يكتسب التشهد والتسليم أهمية بالغة في أداء الصلاة على الوجه الذي شرعه الله تعالى، حيث أن التشهد هو الركن الذي يتلوه المصلي في الجلوس بين السجدتين وبعد الركعة الثانية وفي الصلاة الرباعية في التشهد الأخير، أما التسليم فهو خاتمة الصلاة التي ينهي بها المصلي صلاته.

يتناول هذا المقال دراسة شاملة ومفصلة عن كيفية التشهد والتسليم، مع شرح معانيهما وأحكامهما، وأوقاتهما، وأدلة شرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى شرح طرق أدائهما المختلفة عند مذاهب العلماء، مع التأكيد على أهمية الالتزام بهما لدقة الصلاة وصحتها.

مفهوم التشهد في الصلاة

التشهد لغةً يعني الشهادة والإقرار، أما اصطلاحاً في الصلاة فهو الجلوس بين السجدتين أو في التشهد الأخير، والتلفظ بكلمات الشهادة التي تبدأ بـ “التحيات لله والصلوات والطيبات…”. وهو الركن الذي به يعترف العبد بوحدانية الله ويشهد بأن محمدًا رسول الله، ويطلب من الله الرحمة والبركة عليه.

وقت التشهد في الصلاة

• التشهد الأول: يكون بعد السجدة الثانية في الركعة الثانية من الصلاة التي تزيد على ركعتين مثل صلاة الظهر والعصر والعشاء.

• التشهد الأخير: يكون في الركعة الأخيرة من الصلاة، سواء كانت ركعتين أو أربعاً أو أكثر، حيث يجلس المصلي للتشهد ثم يختتم صلاته بالتسليم.

صيغة التشهد وأهميتها

صيغة التشهد التي وردت في الحديث النبوي هي التي يُسن للمصلي أن يرددها، وتتضمن أسماء الله الحسنى، الشهادة بالتوحيد، الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وطلب المغفرة والرحمة. وتختلف الصيغ قليلاً بين المذاهب الأربعة، ولكنها تشترك في الجوهر والمعنى.

نص التشهد المشهور في المذاهب:

“التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.”

ويلي هذا التشهد في المذاهب المختلفة إضافة الصلوات على النبي مثل:

• في المذهب الحنفي: يُكثر من الصلاة على النبي بعد التشهد.

• في المذهب المالكي: يردد الدعاء بإجمال، ويركز على سلامه النبي.

كيفية الجلوس للتشهد

يتوجب على المصلي أن يجلس جلسة التشهد بطريقة محددة صحيحة، ويختلف هذا الجلوس قليلاً حسب المذهب:

• الحنفية: جلسة القعدة اليسيرة، حيث يجلس على الأرض ويرفع القدم اليسرى ويجلس على مقعدتها، ويضع القدم اليمنى منتصبة.

• الشافعية والحنابلة: الجلوس على الأرض مع وضع القدم اليمنى تحت الجسم والقدم اليسرى مستقيمة.

• المالكية: يشبه جلوس الشافعية مع بعض التفاصيل الخاصة بوضع الأصابع.

يجب أن يكون الجلوس هادئاً ومناسباً حتى يستطيع المصلي التلفظ بالتشهد بوضوح وطمأنينة.

التسليم في الصلاة

التسليم هو الخاتمة التي يتم بها إنهاء الصلاة، ويكون بالتوجه نحو القبلة والتسليم بقول:

“السلام عليكم ورحمة الله”

ويكررها مرة أو مرتين بحسب المذهب، وهو ركن لازم في الصلاة لأنه يُخرج المصلي منها.

حكم التسليم

• التسليم من أركان الصلاة التي إذا تركها لم تصح الصلاة.

• يُسن للمصلي أن يسلم بوجهه إلى القبلة.

• التسليم يكون بالتحية والسلام على الملائكة، وهذا مستفاد من الحديث النبوي الشريف.

أوقات التسليم وكيفيته

التسليم يكون بعد الانتهاء من التشهد الأخير، إذ لا يجوز أن يسلم المصلي إلا بعد أن يشرع في التشهد الأخير ويكمله، فلا يُسلم في التشهد الأول.

كيف يُسلم المصلي؟

• يُسلم من جهة اليمين أولاً قائلاً: “السلام عليكم ورحمة الله”.

• ثم يُسلم من جهة اليسار قائلاً: “السلام عليكم ورحمة الله”.

وفي بعض المذاهب كالحنفية وبعض أهل الحديث، يُسلم المصلي مرة واحدة فقط من جهة اليمين.

التفصيل في أحكام التشهد والتسليم

1. التشهد ركن أساسي في الصلاة

ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“لا صلاة لمن لم يقرأ بالتشهد الأخير.”

أي أن التشهد شرط لصحة الصلاة.

2. التسليم ركن لازم

فقد ورد في الحديث:

“الصلاةُ قُرْآنٌ، فإذا قُرِئَتْ فَصلُّوا على النبي، ثم اجلسوا للتشهد، ثم سلِّموا.”

أي أن التسليم لا يتم إلا بعد التشهد.

3. حكم التكرار في التسليم

بين العلماء اختلاف في عدد مرات التسليم؛ فالأحاديث وردت بأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم مرتين، مرة إلى اليمين ومرة إلى اليسار، وهذا هو المأثور عند الشافعية والحنابلة والمالكية. أما الحنفية فيجوز التسليم مرة واحدة فقط، وهذا ما ورد عن بعض الصحابة.

4. الترتيب في التشهد والتسليم

لا يصح التسليم قبل التشهد، ولا يجوز للمصلي أن يترك التشهد لأنه يفوت ركنًا من أركان الصلاة.

جدول يوضح الفرق بين مواقف المذاهب في التشهد والتسليم

شرح معاني كلمات التشهد

• التحيات لله: تعني كل التحيات والطاعات والعبادات لله وحده لا شريك له.

• الصلوات والطيبات: تشمل كل أنواع الصلاة والطاعات والعبادات الطيبة التي يتقرب بها العبد إلى ربه.

• السلام عليك أيها النبي: تحية خاصة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

• رحمة الله وبركاته: طلب الرحمة والبركة من الله عليه.

• السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين: تحية عامة على جميع المؤمنين الصالحين.

• أشهد أن لا إله إلا الله: إعلان التوحيد والشهادة بأن لا معبود بحق إلا الله.

• وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: إعلان شهادة بأن محمدًا هو عبد الله ورسوله.

أهم النصوص الشرعية الداعمة لأداء التشهد والتسليم

• قال الله تعالى في سورة النساء:

“فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ…” (الآية 103)

• حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

“لا صلاة لمن لم يقرأ بالتشهد الأخير” (رواه البخاري ومسلم).

• حديث آخر يوضح التسليم:

“إذا سلم الإمام فليقل مثلما قال” (رواه مسلم).

أهمية الالتزام بالتشهد والتسليم في الصلاة

يعد التشهد والتسليم من أعظم الأركان التي تُعبر عن الإيمان والاعتراف بوحدانية الله ورسالة النبي محمد، كما أنهما طمأنينة للمصلي وخاتمة للصلاة تجعله يتوجه إلى الله بخشوع وتسليم.

عدم الالتزام بهما يؤثر على صحة الصلاة ويرجع المصلي إلى أداء صلاته من جديد، لأن الصلاة بلا تشهد وتسليم لا تُعتبر صحيحة شرعاً.

خلاصة

التشهد والتسليم يمثلان الركنين الختاميين في الصلاة، وهما الركنان اللذان يُبرزان الإقرار بوحدانية الله، والتسليم لله وللملائكة، وانتهاء الصلاة بما أمر الله ورسوله. لا يمكن إتمام الصلاة دون أدائهما بصورة صحيحة، ولهذا فقد حرص العلماء على تعليم كيفية أدائهما تفصيلياً وبيان اختلافات المذاهب في ذلك، مع التأكيد على جوهر المعنى ومقاصد الشريعة.

إن الالتزام بآداب التشهد والتسليم يعزز من خشوع المصلي، ويجعل صلاته كاملةً صحيحةً، وتحظى بقبول الله تعالى ورضاه.

المراجع

1. صحيح البخاري ومسلم، كتب الأذكار والصلوات.

2. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر.