سبب قيام الحرب العالمية الثانية
تُعد الحرب العالمية الثانية واحدة من أبرز الأحداث العسكرية والتاريخية التي أثرت بشكل كبير على مسار التاريخ البشري. بدأت في عام 1939 وانتهت في عام 1945، حيث شملت معظم دول العالم وشهدت نزاعات دامية، أدت إلى تغييرات جذرية في النظام الدولي. سبب قيام الحرب العالمية الثانية كان معقدًا ونتيجة لتفاعل عدة عوامل سياسية، اقتصادية، واجتماعية، وكان لها جذور تاريخية تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى. لفهم أسباب قيام هذه الحرب، لا بد من النظر إلى العوامل التي تفاعلت لتفجر الصراع على هذا النطاق الواسع.
1. التداعيات الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى
أحد الأسباب الرئيسية التي أسهمت في نشوب الحرب العالمية الثانية كان الأزمة الاقتصادية العالمية التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى. فبعد أن تسببت الحرب الكبرى في دمار واسع النطاق، عانت أوروبا بشكل خاص من آثارها، حيث كانت معظم الدول الأوروبية مثقلة بالديون. وكان الاقتصاد العالمي في حالة انهيار بسبب التكاليف الباهظة للحرب.
كانت ألمانيا واحدة من أكبر الضحايا لهذه الأزمة، حيث أُجبرت على دفع تعويضات حرب ضخمة بموجب معاهدة فرساي الموقعة في عام 1919. هذه المعاهدة فرضت على ألمانيا قيودًا صارمة على قوتها العسكرية، وأراضيها، واقتصادها. أدى ذلك إلى حالة من الاستياء الشديد في المجتمع الألماني، ما شكل بيئة خصبة لنشوء الحركات السياسية المتطرفة التي مثلها النازيون.
أما في الولايات المتحدة، فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية في عام 1929 في ما يُعرف بـ “الكساد الكبير”، وهو ما أثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. وتسبب هذا الركود في مشاعر الإحباط والتمرد في كثير من البلدان، ما أسهم في تعزيز الحركات السياسية التي تدعو إلى التغيير الثوري، مثل الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا.
2. صعود الأنظمة الاستبدادية والشمولية
في فترة ما بين الحربين، ظهرت العديد من الأنظمة السياسية الاستبدادية في مختلف أنحاء العالم. في إيطاليا، وصل الفاشيون بقيادة موسوليني إلى السلطة في عام 1922. في ألمانيا، صعد أدولف هتلر إلى السلطة في عام 1933، ليشكل بداية عهد من الحكم النازي الذي كان يروج للعرق الآري ويشدد على التوسع العسكري لتحقيق “الفضاء الحيوي” الذي كان يعتقد أن ألمانيا بحاجة إليه.
كان الدافع الأساسي وراء هذه الحركات هو الأزمة الاقتصادية والسياسية، إلى جانب المشاعر الوطنية المتطرفة والرغبة في استعادة القوة العسكرية والاقتصادية التي فقدتها دول مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. كان هتلر وموسوليني يحاولان استخدام القوة العسكرية والتوسع الجغرافي كوسيلة لاستعادة الهيبة الوطنية.
3. السياسات التوسعية لألمانيا وإيطاليا
أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية كان التوسع العسكري والسياسي الذي بدأته ألمانيا بقيادة هتلر. بعد صعوده إلى السلطة، بدأ هتلر في تنفيذ خطط توسعية لاستعادة الأراضي التي فقدتها ألمانيا بموجب معاهدة فرساي. في عام 1938، ضمت ألمانيا النمسا (الآنشلوس)، وهو ما أتاح لها التوسع الجغرافي بشكل غير قانوني. وفي العام نفسه، تم توقيع “اتفاقية ميونيخ” التي سمحت لألمانيا بضم منطقة السوديت في تشيكوسلوفاكيا، دون مواجهة مقاومة جادة من القوى الكبرى في أوروبا.
أما إيطاليا، فقد كان لديها طموحات توسعية مماثلة، فغزت إثيوبيا في عام 1935، وهو ما أثار قلقًا في المجتمع الدولي. وكان هذا التوسع من قبل الأنظمة الفاشية يشير إلى أن هناك إرادة لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.
4. السياسة الدولية والتساهل مع التوسع
على الرغم من التوسع العسكري الكبير الذي قامت به ألمانيا وإيطاليا، فإن القوى الكبرى في أوروبا، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، لم تتخذ خطوات جادة للحد من هذا التوسع. كان هناك ما يُعرف بـ “سياسة الاسترضاء” (Appeasement)، حيث فضلت الدول الغربية في البداية تجنب النزاع العسكري مع هتلر وموسوليني من خلال قبول توسعاتهم. وكانت الحكومة البريطانية تحت قيادة نيفيل تشامبرلين تؤمن بأن تقديم التنازلات لألمانيا قد يساعد في تجنب الحرب.
كانت هذه السياسة قد أسهمت في تشجيع هتلر على المضي قدمًا في طموحاته التوسعية، وفي النهاية كانت النتيجة أن أوروبا على شفير الانهيار بسبب تزايد التوترات. فالتساهل الدولي مع ألمانيا سمح للنازيين بتطوير قواتهم المسلحة وتوسيع نفوذهم بشكل متسارع.
5. التحالفات العسكرية والمنافسة على الهيمنة العالمية
في بداية الثلاثينيات، كانت القوى الكبرى في العالم قد انقسمت إلى تحالفات عسكرية، ما ساهم في تعميق التوترات العالمية. تحالفت ألمانيا مع إيطاليا، وأصبح اليابان في وقت لاحق جزءًا من هذا المحور. كانت هذه القوى تسعى إلى الحصول على مزيد من النفوذ والسيطرة في مناطق مختلفة من العالم.
على الجانب الآخر، كانت بريطانيا وفرنسا، إلى جانب الاتحاد السوفيتي، يعملون على حماية مصالحهم الاستراتيجية والسياسية في مختلف أنحاء العالم. ولكن هذه التحالفات لم تُمكن من وقف الطموحات التوسعية لدول المحور، مما أدى إلى تطور الصراع ليصبح عالميًا.
6. العدوان الياباني في آسيا
خارج نطاق أوروبا، كان هناك أيضًا عدوان عسكري مستمر من قبل اليابان. بدأت اليابان في عام 1937 بغزو الصين، مما أسفر عن نزاع طويل الأمد في منطقة الشرق الأقصى. كانت اليابان تسعى إلى إقامة “الشرق الآسيوي الجديد” من خلال احتلال مناطق في الصين وغيرها من الدول الآسيوية. وأدى هذا العدوان إلى تزايد التوترات بين اليابان والدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي كانت تملك مصالح تجارية واقتصادية كبيرة في المحيط الهادئ.
7. تفجر الحرب واحتلال بولندا
في 1 سبتمبر 1939، غزت ألمانيا بولندا، مما شكل بداية الحرب العالمية الثانية. جاء هذا الهجوم بعد توقيع ألمانيا والاتحاد السوفيتي في أغسطس 1939 معاهدة عدم الاعتداء (اتفاقية مولوتوف-ريبنتروب)، التي مكنت هتلر من شن الهجوم دون خشية من تدخل الاتحاد السوفيتي. في يوم 3 سبتمبر 1939، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا، وبذلك كانت بداية الحرب العالمية الثانية.
8. الخاتمة
كان قيام الحرب العالمية الثانية نتيجة لمجموعة معقدة من العوامل التاريخية، الاقتصادية، والسياسية. وبدءًا من التوترات التي خلفتها الحرب العالمية الأولى، مرورًا بالصعود السياسي للأنظمة الاستبدادية، وصولًا إلى التساهل الدولي مع التوسع العسكري، كانت جميع هذه العناصر قد تفاعلت لتؤدي في النهاية إلى صراع عالمي دام لعدة سنوات.
