اضطراب توهّم المرض: الأسباب والعلاج

اضطراب توهُّم المرض: أسبابه وكيفية التعامل معه

مقدمة

يعد اضطراب توهُّم المرض (Hypochondriasis) من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على حياة الأفراد بشكل كبير. يعرف هذا الاضطراب بأنه حالة تتسم بالقلق المفرط والمستمر بشأن الصحة الجسدية، بحيث يصبح الشخص مهووسًا بتصور وجود مرض خطير رغم عدم وجود أي دليل طبي على ذلك. في هذا المقال، سنتناول أسباب هذا الاضطراب، الأعراض المصاحبة له، تأثيره على حياة الأفراد، والطرق المتبعة للتعامل معه وعلاجه.

تعريف اضطراب توهُّم المرض

يُعرّف اضطراب توهُّم المرض على أنه حالة نفسية تتسم بالخوف المفرط من الإصابة بأمراض جسدية خطيرة، وغالبًا ما يصاحب هذا الشعور قلق دائم بشأن الحالة الصحية للجسم. يعاني المصابون بهذا الاضطراب من اعتقاد راسخ بأن لديهم مرضًا خطيرًا مثل السرطان أو أمراض القلب، حتى إذا كانت الفحوصات الطبية تظهر عدم وجود أي مشاكل صحية. يعتبر هذا الاضطراب من أنواع القلق الصحي، وهو يرتبط بشكل وثيق باضطرابات القلق العام واضطرابات الوسواس القهري (OCD).

الأسباب المحتملة لاضطراب توهُّم المرض

يعتبر اضطراب توهُّم المرض من الاضطرابات المعقدة التي تتداخل فيها العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية. تختلف الأسباب الدقيقة من شخص لآخر، ولكن هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في تطور هذا الاضطراب.

1. العوامل البيولوجية
   تشير الأبحاث إلى أن هناك ارتباطًا بين اضطراب توهُّم المرض وعوامل وراثية قد تكون متورطة في زيادة القابلية للإصابة بالاضطراب. من المحتمل أن تلعب التغيرات في كيمياء الدماغ، خاصة تلك المتعلقة بالتوازن الكيميائي للناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، دورًا في زيادة القلق المفرط. قد يعاني بعض الأشخاص من اضطراب توهُّم المرض نتيجة لحالة نفسية أو بيولوجية تؤثر على تصوراتهم للواقع.

2. العوامل النفسية
   يعاني العديد من الأشخاص الذين يصابون بهذا الاضطراب من مشاكل نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو القلق. وقد يكون لديهم تاريخ من تجارب مؤلمة تتعلق بالصحة، مثل مرض مزمن أو إصابة مرضية كبيرة، ما يجعلهم يشعرون بقلق شديد من الإصابة بمرض آخر. بعض الأشخاص قد يطورون هذا الاضطراب نتيجة لتعرضهم لتجارب مبكرة مثل فقدان شخص عزيز بسبب مرض مزمن، ما يجعلهم أكثر عرضة لتصور الأمراض.

3. العوامل الاجتماعية والبيئية
   يمكن أن تلعب العوامل الاجتماعية مثل القلق المفرط في المجتمع، الضغط العصبي أو التوتر الناتج عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية دورًا في تفاقم توهُّم المرض. التفاعل المستمر مع أشخاص في بيئة مشحونة بالتوتر قد يزيد من احتمال ظهور أعراض هذا الاضطراب.

4. التاريخ الطبي والتعرض للمعلومات الصحية
   الأشخاص الذين يتعرضون بشكل مستمر للمعلومات الصحية، سواء كانت دقيقة أو غير دقيقة، سواء عبر الإنترنت أو من خلال الإعلام، قد يطورون فكرة أن لديهم أعراض مرضية قد تكون خطيرة. هذه المعلومات قد تؤدي إلى تشخيص ذاتي خاطئ وقلق مفرط بشأن صحتهم.

الأعراض الرئيسية لاضطراب توهُّم المرض

يشمل اضطراب توهُّم المرض مجموعة من الأعراض التي قد تتفاوت في شدتها. الأعراض الرئيسية لهذا الاضطراب تشمل:

1. القلق المستمر بشأن الصحة: يشعر الشخص المصاب بتوهم المرض بقلق دائم حول صحته الجسدية، مما يدفعه للبحث المستمر عن أعراض الأمراض الخطيرة.

2. الافتراضات غير المنطقية حول المرض: يقوم المريض بتفسير أعراض خفيفة أو طبيعية مثل صداع خفيف أو ألم في المعدة على أنها علامات لأمراض خطيرة، مثل السرطان أو أمراض القلب.

3. الذهاب للطبيب بشكل متكرر: يزور الشخص الأطباء بشكل مستمر، رغم عدم وجود أي دليل طبي على إصابته بمرض. في بعض الأحيان، قد يطلب فحوصات طبية مفرطة للبحث عن أمراض لم تثبت أي علامات لها.

4. التحقق المستمر من الصحة: قد يميل الشخص إلى التحقق بشكل مفرط من حالته الصحية من خلال الإنترنت أو من خلال استخدام أجهزة قياس مثل ميزان الحرارة أو ضغط الدم.

5. التأثيرات النفسية: قد يعاني الشخص المصاب من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، مما يؤثر على جودة حياته بشكل عام. يمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى مشاعر من العزلة الاجتماعية والتوتر المستمر.

التأثيرات النفسية والاجتماعية لاضطراب توهُّم المرض

يؤثر اضطراب توهُّم المرض على العديد من جوانب حياة الشخص المصاب، مما قد يؤدي إلى تأثيرات نفسية واجتماعية خطيرة.

1. القلق والاكتئاب: يعاني الأفراد المصابون بهذا الاضطراب من مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب بسبب الخوف المستمر من الأمراض. كما قد يشعرون بالعجز بسبب عدم قدرتهم على السيطرة على هذه المخاوف.

2. العزلة الاجتماعية: يمكن أن يؤدي اضطراب توهُّم المرض إلى انسحاب الشخص من الأنشطة الاجتماعية بسبب خوفه المستمر من أن يكون مريضًا. قد يؤدي هذا إلى انخفاض في التفاعل مع الأصدقاء والعائلة.

3. التأثير على العلاقات الشخصية: يمكن أن تضعف العلاقات الأسرية والعاطفية بسبب التصرفات المفرطة في القلق التي يقوم بها الشخص المصاب، مثل طلب التشخيص المستمر أو التقيد بسلوكيات قد تكون مرهقة للشريك أو أفراد الأسرة.

4. المشاكل المهنية: قد يتسبب هذا الاضطراب في تراجع الأداء المهني. قد يتجنب الشخص الذهاب إلى العمل بسبب خوفه من التعرض لأمراض، أو قد يضيع وقتًا كبيرًا في متابعة حالته الصحية، مما يؤثر على كفاءته المهنية.

كيفية التعامل مع اضطراب توهُّم المرض

إدارة اضطراب توهُّم المرض تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يجمع بين العلاج النفسي والعلاج الطبي. تتضمن بعض استراتيجيات التعامل مع هذا الاضطراب ما يلي:

1. العلاج النفسي (العلاج المعرفي السلوكي): يعتبر العلاج المعرفي السلوكي من أكثر العلاجات فعالية في معالجة اضطراب توهُّم المرض. يركز هذا النوع من العلاج على تغيير الأفكار السلبية وغير المنطقية التي يعتقد الشخص المصاب أنها حقيقة. يساعد المريض على تعلم كيفية إدارة القلق وتفادي السلوكيات التي تزيد من توهمه بوجود مرض.

2. العلاج الدوائي: قد يحتاج بعض الأشخاص إلى الأدوية المضادة للقلق أو الاكتئاب، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، للمساعدة في تخفيف الأعراض النفسية المصاحبة للاضطراب. يُستخدم العلاج الدوائي بشكل مكمل للعلاج النفسي.

3. التعليم والتوعية: من الضروري توعية المريض بأعراض اضطراب توهُّم المرض وكيفية التمييز بين القلق الصحي والعوامل الحقيقية التي تستدعي زيارة الطبيب. يُساعد توفير الدعم الاجتماعي وتثقيف المريض حول الحالة الصحية على تقليل المخاوف الزائدة.

4. تغيير نمط الحياة: تشجيع المريض على تبني نمط حياة صحي يمكن أن يساعد في تقليل القلق. يشمل ذلك ممارسة الرياضة بانتظام، اتباع نظام غذائي متوازن، والحصول على قسط كافٍ من النوم. يمكن أن تساهم هذه التغييرات في تحسين الصحة العقلية والمزاج العام.

5. دعم الأسرة: يلعب الدعم العائلي دورًا أساسيًا في علاج اضطراب توهُّم المرض. يحتاج المصاب إلى بيئة داعمة لا تشجعه على تصديق الأفكار المبالغ فيها، بل تشجعه على التوجه إلى العلاج المهني. يجب على الأسرة أن تكون متفهمة وأن تقدم الدعم العاطفي بطريقة تساعد على تقليل القلق.

الخاتمة

يعتبر اضطراب توهُّم المرض من الاضطرابات النفسية التي تحتاج إلى علاج دقيق وشامل. يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب على جودة حياة الشخص بشكل كبير، مما يتطلب الدعم النفسي والعلاج الدوائي لتحسين حالته. من خلال العلاج المعرفي السلوكي، الدعم الاجتماعي، والتوعية المناسبة، يمكن للأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب التكيف والتعايش مع حياتهم بشكل أكثر صحة وسعادة.