الدوالي أثناء الحمل: الأسباب والعلاج

الدوالي أثناء الحمل: الأسباب والمخاطر والتعامل الطبي

تُعد فترة الحمل من أكثر المراحل التي يتعرض فيها جسم المرأة لتغيرات فسيولوجية وهيكلية كبيرة، تتأثر بها العديد من أجهزة الجسم، لا سيما الجهاز الدوري والأوعية الدموية. من بين أبرز الظواهر التي تطرأ خلال الحمل وتُلاحظ بشكل متكرر هي الدوالي أو ما يُعرف طبيًا باسم “توسع الأوردة” (Varicose veins)، وهي حالة تتسم بانتفاخ الأوردة وبروزها تحت الجلد، وغالبًا ما تظهر في الساقين، وقد تمتد إلى الفرج أو المستقيم. هذه الحالة ليست فقط مصدرًا للإزعاج الجمالي، بل قد تشير أيضًا إلى تغيرات عميقة في الدورة الدموية تستوجب الرصد والعناية الطبية.

التغيرات الوعائية خلال الحمل

خلال الحمل، يمر الجسم بسلسلة من التغيرات الهرمونية والميكانيكية التي تؤثر على الأوعية الدموية، وتُسهم بشكل مباشر في تطور الدوالي. من أبرز هذه التغيرات:

1. زيادة حجم الدم: يرتفع حجم الدم بنسبة قد تصل إلى 50%، ما يؤدي إلى ضغط أكبر على الأوردة.

2. الهرمونات: تزداد مستويات هرمون البروجستيرون الذي يسبب ارتخاء جدران الأوعية الدموية، مما يساهم في توسع الأوردة.

3. الضغط الرَحِمي: مع نمو الجنين، يزداد ضغط الرحم على الوريد الأجوف السفلي، وهو الوريد الرئيسي الذي يعيد الدم من الأطراف السفلى إلى القلب، ما يعيق تدفق الدم ويزيد من فرص ركوده في الأوردة السفلية.

عوامل الخطر المؤدية لدوالي الحمل

توجد مجموعة من العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الحامل بالدوالي، من أهمها:

المظاهر السريرية للدوالي أثناء الحمل

الدوالي قد تظهر بشكل بسيط لا يسبب أي إزعاج، وقد تتفاقم لتصبح مشكلة صحية تحتاج إلى تدخل. من أبرز العلامات:

• بروز أوردة زرقاء أو بنفسجية اللون تحت سطح الجلد.

• الشعور بثقل أو ألم في الساقين، خصوصًا بعد الوقوف لفترات طويلة.

• حكة أو إحساس بالحرقة حول الأوردة المتوسعة.

• تورم القدمين والكاحلين.

• في بعض الحالات، قد تظهر دوالي في منطقة الفرج (الدوالي الفرجية) مسببة انزعاجًا شديدًا.

الدوالي الفرجية والشرجية

من الحالات الخاصة التي تزداد شيوعًا خلال الحمل:

1. الدوالي الفرجية: تتوسع الأوردة حول منطقة الفرج نتيجة ضغط الرحم وزيادة تدفق الدم إلى الحوض. وتظهر ككتل لينة زرقاء أو بنفسجية مصحوبة بألم أو انزعاج، لا سيما أثناء الوقوف أو العلاقة الزوجية.

2. البواسير (دوالي المستقيم): هي شكل من أشكال الدوالي، تظهر نتيجة للضغط الزائد على الأوردة الشرجية، وتسبب ألمًا وحكة ونزيفًا خفيفًا أثناء التبرز.

المضاعفات المحتملة لدوالي الحمل

رغم أن معظم حالات الدوالي أثناء الحمل تعتبر غير خطيرة وتزول تدريجيًا بعد الولادة، إلا أن هناك مضاعفات محتملة ينبغي التنبه لها، مثل:

• الجلطات الوريدية السطحية: وهي حالة تصاب فيها الأوردة السطحية بتجلط دموي، وقد تؤدي إلى تورم شديد واحمرار موضعي وألم حاد.

• النزيف: في حالات نادرة، قد تتمزق الدوالي محدثة نزيفًا، لا سيما في الدوالي الفرجية.

• التحسس الجلدي والتقرحات: قد تؤدي الاحتكاكات المتكررة إلى التهابات جلدية.

التدابير الوقائية خلال الحمل

تُعتبر الوقاية أفضل وسيلة لتجنب تطور الدوالي أثناء الحمل، خصوصًا لدى النساء ذوات القابلية الوراثية. ومن أبرز الاستراتيجيات الوقائية:

• رفع الساقين: بانتظام، يُساعد على تقليل ضغط الدم العائد في الأوردة.

• ارتداء الجوارب الضاغطة الطبية: تُستخدم لتحسين تدفق الدم في الساقين وتخفيف الانتفاخ.

• تجنب الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة: يُفضل التحرك كل 30 دقيقة لتحفيز الدورة الدموية.

• النوم على الجانب الأيسر: يُقلل من ضغط الرحم على الوريد الأجوف السفلي.

• المحافظة على وزن صحي: تقليل الضغط الزائد على الأوردة.

• ممارسة التمارين الخفيفة: كالمشي والسباحة، لدعم الدورة الدموية.

العلاجات الطبية الممكنة

غالبًا ما يتم تأجيل أي تدخل علاجي إلى ما بعد الولادة ما لم تكن الدوالي شديدة أو مصحوبة بمضاعفات. ومع ذلك، يمكن للحامل أن تستفيد من بعض العلاجات المحافظة:

• الجوارب الضاغطة: كما ذكر، هي حجر الأساس في العلاج غير الدوائي.

• الكمادات الباردة: يمكن أن تساعد في تقليل التورم الموضعي، خاصة في الدوالي الفرجية.

• المسكنات الموضعية أو الجهازية: بإشراف طبي للتعامل مع الألم والانزعاج.

أما بعد الولادة، في حال استمرار الدوالي أو تسببها في مضاعفات، فقد يلجأ الطبيب إلى إجراءات علاجية متقدمة مثل:

• العلاج بالتصليب (Sclerotherapy)

• الليزر الداخلي (Endovenous Laser Treatment)

• الجراحة التقليدية أو القسطرة

ما بعد الولادة: هل تختفي الدوالي تلقائيًا؟

في كثير من الحالات، تبدأ الدوالي في الانكماش تدريجيًا بعد الولادة، خصوصًا إذا كان هذا هو الحمل الأول، وكانت الدوالي ناتجة فقط عن التغيرات الفسيولوجية المؤقتة. ومع ذلك، في حالات الحمل المتعدد أو وجود دوالي مزمنة سابقة، قد تستمر الأوردة المتوسعة وتزداد سوءًا مع الوقت. لهذا يُوصى بمتابعة طبية بعد الولادة لتقييم الحالة وتحديد ما إذا كان هناك حاجة لتدخل علاجي إضافي.

الاعتبارات الخاصة بالولادة

وجود الدوالي، خاصة في منطقة الفرج، لا يُعتبر مانعًا للولادة الطبيعية، إلا في حالات نادرة. يقوم الطبيب بتقييم وضع الدوالي الفرجية قبل الولادة لتحديد أفضل أسلوب للولادة يقلل من خطر النزيف أو تمزق الأوعية. في معظم الحالات، لا تحتاج المرأة لأي إجراء خاص إذا كانت الدوالي تحت السيطرة.

الخاتمة

الدوالي أثناء الحمل ظاهرة شائعة ناتجة عن مجموعة معقدة من العوامل الهرمونية والميكانيكية، وتُعد غالبًا جزءًا من التغيرات الطبيعية التي يمر بها الجسم خلال هذه المرحلة. ورغم أنها ليست خطيرة في معظم الحالات، إلا أن المراقبة الدقيقة والتدخلات الوقائية تلعب دورًا كبيرًا في تقليل الانزعاج والمضاعفات المحتملة. من المهم أن تحافظ الحامل على نشاطها البدني، وتتبع إرشادات طبية وقائية، وتُجري تقييمًا دوريًا للأوردة، خصوصًا في حال وجود تاريخ عائلي للدوالي أو ظهور أعراض حادة.

المراجع:

1. Royal College of Obstetricians and Gynaecologists (RCOG). Varicose veins and pregnancy. 2021.

2. Mayo Clinic. Varicose veins during pregnancy: What can you do?