يوم النصر: قراءة في كتاب ‘D-Day’ لمارتن جيلبرت

يوم النصر: الغزو الأعظم في تاريخ الحرب العالمية الثانية

يعد يوم النصر، أو “D-Day”، من أبرز الأحداث الحاسمة التي غيرت مسار الحرب العالمية الثانية بشكل جذري. كتب المؤرخ البارز مارتن جيلبرت في كتابه “D-Day” ضمن سلسلة “Turning Points in History” الذي نشرته دار “Wiley” في أبريل 2004، عن هذا الحدث التاريخي الذي شكّل نقطة تحول حاسمة في الصراع العالمي.

خلفية تاريخية

في صباح يوم 6 يونيو 1944، نفذت قوات الحلفاء واحدة من أعظم وأخطر العمليات العسكرية في تاريخ الحرب. عملية “أوفرلورد” كما سميت، بدأت بهجوم برمائي ضخم على سواحل نورماندي الفرنسية، وهو ما أصبح يعرف بعملية “D-Day”. كان هدف هذا الهجوم هو إنشاء رأس جسر في أوروبا الغربية وتخفيف الضغط عن الجبهة الشرقية حيث كانت القوات السوفيتية تخوض معارك مريرة ضد الجيش النازي.

لكن هذا الهجوم لم يكن مجرد مغامرة عسكرية عادية؛ فقد كان هناك تهديد حقيقي بالفشل. في كتابه، يصف جيلبرت كيف كانت الشكوك والقلق يحيطان بالعملية منذ بدايتها. كان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل يتوقع أن يستيقظ ليجد تقارير عن أعداد ضخمة من القتلى بين قوات الحلفاء، بينما كان الجنرال دوايت أيزنهاور، قائد الحملة، قد أعد بالفعل خطاباً يعلن فيه فشل العملية.

المخاطر والتحديات

كانت المخاطر المرتبطة بالهجوم على نورماندي هائلة. في حالة فشل الهجوم، كان من المحتمل أن تتعزز قوة النظام النازي في أوروبا. كما كان لدى الألمان مجموعة من الأسلحة المتطورة في مراحل متقدمة من التطوير، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى وغواصات جديدة. وكانت هناك أيضاً تهديدات مباشرة لليهود المتبقين في أوروبا، حيث كان هناك قوائم لإرسالهم إلى معسكرات الإبادة.

في حال وقوع الفشل، كان من الممكن أن يعيد ذلك للنازيين الهيمنة على غرب أوروبا، خاصةً إذا قررت الولايات المتحدة بعد الهزيمة أن تركز كل طاقاتها على المحيط الهادئ وتترك أوروبا لمصيرها. كان من شأن هذا السيناريو أن يغير مسار التاريخ بشكل كبير.

نتائج الحملة وأثرها

على الرغم من المخاطر والتهديدات، نجحت عملية “D-Day” في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. فقد تمكنت قوات الحلفاء من إنشاء رأس جسر في نورماندي، مما سمح لهم ببدء تقدمهم إلى الداخل الفرنسي. هذا النجاح لم يكن مجرد نصر عسكري بل كان له تأثيرات بعيدة المدى على الحرب وعلى التوازن السياسي في أوروبا.

نجاح الغزو أضعف القدرة العسكرية للنازيين وأدى إلى بداية انهيار نظامهم في الغرب. كما عزز من موقف الحلفاء في الحرب، مما ساعد في دفع عملية تحرير أوروبا من سيطرة النظام النازي. وكان لهذا النجاح أيضاً تأثير نفسي ومعنوي كبير على قوات الحلفاء والشعوب الخاضعة للاحتلال النازي.

تقييم العمل التاريخي

في كتابه “D-Day”، يقدم مارتن جيلبرت تحليلاً معمقاً للأحداث والقرارات التي شكلت عملية الغزو. يتناول جيلبرت كيف أن كل تفاصيل هذه العملية، من التخطيط إلى التنفيذ، كانت محاطة بشكوك وتحديات هائلة. وهو يبرز مدى أهمية التحضير الدقيق والتنسيق بين قوات الحلفاء لضمان نجاح العملية.

عبر سرد تفاصيل دقيقة وشهادات من أطراف مختلفة، يتيح الكتاب للقارئ فهماً أعمق للظروف التي أحاطت بعملية “D-Day” وللتأثيرات الطويلة الأمد التي ترتبت عليها. يعكس الكتاب أيضاً تقدير جيلبرت للمخاطر الكبيرة التي واجهها الجميع وللنجاح الذي تم تحقيقه تحت ظروف صعبة للغاية.

في النهاية، يعكس كتاب “D-Day” أهمية هذه اللحظة التاريخية في سياق الحرب العالمية الثانية. فهو ليس فقط تسليط الضوء على نجاح عسكري بارز، بل هو أيضاً تأمل في كيفية تأثير هذه اللحظة الحاسمة على مسار الحرب وعلى مستقبل أوروبا والعالم بأسره.