وقت دفع كفارة الصيام للمريض

تُعدّ مسألة كفارة الصيام من المواضيع الدقيقة التي تمثل جانبًا مهمًا في التشريعات الإسلامية المتعلقة بالصيام، لا سيما حين يتعلق الأمر بالمريض الذي لا يستطيع أداء هذه الفريضة بالشكل المعتاد. فقد أولى الفقهاء عناية خاصة لتحديد الأحكام التفصيلية المتعلقة بمتى وكيف يُخرج المريض كفارة الصيام، سواء كان مرضه مؤقتًا أو دائمًا، وسواء كان يتوقع الشفاء أم لا. يتناول هذا المقال بالتفصيل الأحكام المتعلقة بوقت دفع كفارة الصيام للمريض، مع توضيح الأنواع المختلفة للكفارة وأحكامها، وأفضل توقيت لإخراجها وفقاً لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع علماء الأمة.

تعريف كفارة الصيام للمريض

كفارة الصيام هي التعويض المشروع الذي يقدمه المسلم في حال تعذر عليه الصيام بعذر شرعي مقبول، كالحالات المرضية التي تمنع من أداء الصيام سواء كان هذا المنع مؤقتًا أو دائمًا. تختلف الكفارة عن الفدية من حيث الأسباب والأحكام، لكنهما يلتقيان في كون كل منهما وسيلة للتكفير عن عدم أداء عبادة الصيام بالشكل الكامل.

فيما يخص المريض، فقد أجاز له الشرع الإفطار إذا كان الصيام يشق عليه أو يسبب له ضررًا بالغًا. ومن هنا يظهر وجوب التعويض عن الأيام التي أفطرها، إما بالقضاء عند الاستطاعة أو بدفع كفارة إذا كان المرض مزمناً.

الفرق بين القضاء والكفارة للمريض

من الضروري التفريق بين قضاء الصيام وكفارته، فالقضاء هو صيام الأيام التي أفطرها المسلم بعذر، ويكون واجبًا على المريض إذا كان يرجى شفاؤه. أما الكفارة فتكون في حالتين رئيسيتين:

• إذا كان المريض يعاني من مرض مزمن لا يُرجى برؤه.

• إذا لم يتمكن من قضاء الصيام بسبب استمرار العذر إلى أن دخل عليه رمضان آخر.

في هذه الحالة، يتحول الحكم من القضاء إلى الكفارة.

أنواع كفارة الصيام للمريض

يمكن تصنيف الكفارة المتعلقة بالمريض إلى قسمين رئيسيين:

1. الفدية: وهي إطعام مسكين عن كل يوم فطر فيه المريض.

2. الكفارة المغلظة: وهذه تكون في حالات الإفطار العمد بغير عذر شرعي، ولا تكون من مسؤولية المريض الذي يفطر لعذر مشروع.

لذا، المريض الذي يفطر بسبب مرضه لا يلزمه إلا إخراج الفدية.

توقيت دفع كفارة الصيام للمريض

1. المريض الذي يرجى شفاؤه

إذا أفطر المريض في رمضان وكان يتوقع أن يشفى بعد رمضان، فإن الواجب في حقه هو قضاء الأيام التي أفطرها عند زوال المرض وقدرته على الصيام. في هذه الحالة لا يجزئه دفع الكفارة إلا إذا استمر المرض حتى دخل عليه رمضان آخر، ففي هذه الحالة يتحول القضاء إلى فدية.

متى يدفع الكفارة في هذه الحالة؟

• إذا استمر المرض حتى دخول رمضان التالي ولم يتمكن من القضاء.

• يبدأ بدفع الكفارة عن كل يوم أفطره فوراً بعد دخول رمضان الجديد.

2. المريض الذي لا يرجى شفاؤه

في حالة المرض المزمن الذي لا يُرجى برؤه، يتوجب على المريض دفع فدية عن كل يوم أفطر فيه مباشرة دون انتظار الشفاء.

متى يبدأ دفع الكفارة؟

• يجوز للمريض دفع كفارة كل يوم في نفس يوم الإفطار.

• يجوز له أن يجمعها ويدفعها مجتمعة بعد انتهاء رمضان مباشرة.

من المستحب أن يتم الدفع خلال شهر رمضان أو مباشرة بعد انتهائه حتى لا يتأخر عن أداء حق الله.

3. المريض الذي توفي قبل التمكن من القضاء

إذا أفطر المريض في رمضان وتوفي قبل أن يتمكن من القضاء، فلا شيء عليه ولا على ورثته لأنه معذور. أما إذا كان قادراً على القضاء ولم يقضِ حتى توفي، فعندها يُخرج الورثة فدية عن كل يوم أفطره ولم يقضه.

تفصيل المسألة في جدول

كيفية دفع كفارة الصيام للمريض

كفارة الصيام للمريض تُدفع بإطعام مسكين عن كل يوم أفطره. وقد وضّح العلماء مقدار الإطعام وهو نصف صاع من طعام البلد، أي ما يعادل تقريبًا 1.5 كيلوغرام من الأرز أو القمح أو غيره من قوت أهل البلد.

صور أداء الكفارة:

1. إعطاء الطعام لمسكين لكل يوم: يمكن إعطاء كل مسكين ما يكفيه من الطعام عن يوم واحد.

2. توزيع الكفارة دفعة واحدة: يجوز جمع الكفارة لجميع الأيام وإطعام عدد من المساكين دفعة واحدة.

3. دفع قيمة الطعام نقدًا (عند الحاجة): رغم أن الأصل في الكفارة الإطعام، فقد أجاز بعض العلماء دفع القيمة النقدية إذا كان ذلك أنفع للفقير.

الأفضلية في الإخراج

• يفضل إخراج الكفارة في نفس وقت الإفطار خاصة في حالات المرض المزمن.

• يمكن تأجيلها حتى نهاية رمضان كحد أقصى بشرط أن يتم إخراجها بدون تأخير غير مبرر.

هل يجوز تقديم الكفارة قبل الإفطار؟

أجمع الفقهاء أن الكفارة المرتبطة بالفطر لا تُدفع إلا بعد حصول الفطر بالفعل، لأن الكفارة وجبت بسبب الإفطار. لذا لا يجوز تقديم الكفارة على وقتها قبل الفطر، بل يجب أن تكون بعد تحقق الإفطار في اليوم المعني.

في حال المرض المزمن المستمر، يمكن دفع الكفارة يومًا بيوم بعد الإفطار أو دفعها مجتمعة بعد نهاية الشهر.

رأي المذاهب الأربعة في كفارة المريض

• الحنفية: يرون أن المريض المزمن عليه الفدية عن كل يوم أفطره ولا قضاء عليه.

• المالكية: يؤكدون نفس الحكم ويجيزون دفع الفدية يومًا بيوم أو بعد نهاية رمضان.

• الشافعية: يرون وجوب الفدية على المريض المزمن وتكون مستحبة على الفور.

• الحنابلة: يوجبون الفدية على من أفطر لعذر دائم ويستحب إخراجها بعد الفطر مباشرة.

يتفق جمهور العلماء على أنه لا يجوز تأخير الكفارة بدون سبب مشروع.

من يُعطى كفارة الصيام؟

لا تُعطى الكفارة إلا للمساكين الذين لا يجدون كفايتهم اليومية. ولا تصرف للأغنياء أو لمن تجب نفقتهم على الشخص المكفّر كالأبناء والزوجة والأبوين. كما يجوز أن تعطى الكفارة لفرد واحد أو توزع على عدة أفراد.

تقديم الكفارة نقدًا أم طعامًا؟

• القول الراجح: الأصل هو الإطعام لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184].

• يجوز دفع القيمة النقدية إذا كان الفقير محتاجًا لها بشكل أكبر، وهو قول معتبر عند الحنفية وبعض العلماء المعاصرين.

الحكم في حال عدم وجود مساكين في المنطقة

إذا لم تتوفر المساكين في محيط المريض يمكن إرسال الكفارة إلى مناطق أخرى عبر مؤسسات موثوقة تقوم بإيصالها للفقراء والمحتاجين. وهذا يتفق مع مقاصد الشريعة في إيصال الحق إلى مستحقه.

أثر التأخير في إخراج الكفارة

إذا تأخر المريض عن دفع الكفارة دون عذر مشروع حتى دخل رمضان آخر فإنه يأثم بذلك لأنه أخّر أداء حق الله، لكن الكفارة تبقى في ذمته ويجب عليه إخراجها على الفور.

أما إذا كان التأخير بسبب الجهل بالحكم أو بسبب عدم القدرة المالية فالإثم يسقط ويبقى أداء الكفارة واجبًا عند التيسير.

مصدر التشريع في كفارة المريض

يستند حكم كفارة الصيام للمريض إلى قوله تعالى:

﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184].

كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية أن الشيخ الكبير والمريض الذي لا يستطيع الصيام عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا.

الخلاصة التفصيلية

• المريض الذي يرجى شفاؤه يجب عليه القضاء بعد الشفاء.

• المريض الذي لا يرجى شفاؤه عليه فدية طعام مسكين عن كل يوم.

• يجوز دفع الكفارة يوميًا أو مجتمعة بعد رمضان.

• لا يجوز تقديم الكفارة قبل الفطر.

• الأصل في الكفارة الإطعام ويجوز دفع القيمة نقدًا عند الحاجة.

• لا يجوز تأخير دفع الكفارة بلا عذر شرعي.

• لا تجزئ الكفارة إلا إذا أعطيت للمساكين المستحقين.

المصادر:

• تفسير ابن كثير، الجزء الأول.

• كتاب “الفقه الإسلامي وأدلته” للدكتور وهبة الزحيلي.