كيف مات أدولف هتلر: الساعات الأخيرة من حياة الزعيم النازي

في نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع سقوط برلين واقتراب القوات السوفيتية من العاصمة الألمانية، وصل الزعيم النازي أدولف هتلر إلى نهاية رحلته السياسية والحياتية. النهاية كانت درامية بقدر ما كانت متوقعة، إذ اختار هتلر أن ينهي حياته بيده، رافضًا أن يُقبض عليه أو يُحاكم أو يُذل كما حدث للعديد من الزعماء المنهزمين. لكن تفاصيل وفاته بقيت، ولسنوات، محاطة بالأساطير والجدل والشائعات. في هذا المقال المطول، سنستعرض كيف مات هتلر بالتفصيل، بدءًا من الأيام الأخيرة له في مخبئه المحصن ببرلين، مرورًا بالظروف النفسية والعسكرية التي أحاطت به، وصولًا إلى شهادات شهود العيان، والجدل الذي دار بعد الحرب حول مصيره.

الخلفية العسكرية والسياسية قبل الوفاة

بحلول أوائل عام 1945، كانت ألمانيا النازية تعاني من هزائم متتالية على الجبهات كافة. القوات السوفيتية كانت تتقدم من الشرق بسرعة هائلة، بينما كانت قوات الحلفاء تضغط من الغرب. القصف الجوي دمر معظم المدن الكبرى، والجيش الألماني كان يعاني من نقص في الموارد والعتاد والبشر.

في ظل هذه الظروف، انسحب هتلر إلى مخبئه تحت الأرض المعروف باسم “الفوهرربونكر” في برلين، وكان ذلك في 16 يناير 1945. المخبأ كان يقع على عمق 8.2 مترًا تحت سطح الأرض، وتم تحصينه بشكل بالغ ليكون ملاذًا له ولأقرب مساعديه. ومع تدهور الأوضاع، بات واضحًا أن سقوط برلين مسألة وقت، لكن هتلر رفض مغادرة المدينة، مصرًا على أن مصيره يجب أن يُحسم في العاصمة الألمانية.

الظروف النفسية لهتلر في أيامه الأخيرة

شهدت الأيام الأخيرة لهتلر تدهورًا كبيرًا في حالته النفسية والجسدية. كان يعاني من رعشة مستمرة في يده اليسرى، واضطراب في المشي، ما يرجح إصابته بمرض باركنسون في مراحله المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، كانت تقارير المخابرات التي تصله تعزز من يأسه، خاصة بعد خيانة بعض الجنرالات وهزائم وحداته العسكرية.

في هذه المرحلة، أصبح سلوكه أكثر تقلبًا وعنفًا، وكثرت نوبات الغضب والانفعال، حتى على أقرب مساعديه. في نفس الوقت، كان يتردد الحديث في أوساط المقربين منه عن نيته الانتحار، خاصة بعد أن عبر عن رفضه المطلق لفكرة الوقوع في الأسر أو رؤية ألمانيا في حالة انهيار شامل.

زواجه من إيفا براون

في 29 أبريل 1945، أي قبل وفاته بيوم واحد، تزوج هتلر من عشيقته القديمة إيفا براون في مراسم مدنية داخل المخبأ، بحضور عدد قليل من الشهود من بينهم وزير الدعاية جوزيف غوبلز ومارتن بورمان. كانت هذه الخطوة بمثابة إعلان رمزي لنهاية حياته، إذ تزامن الزواج مع صياغة وصيته الشخصية والسياسية، والتي طلب فيها أن يُحرق جسده بعد موته حتى لا يقع في أيدي أعدائه.

الانتحار: التفاصيل الدقيقة

في صباح يوم 30 أبريل 1945، كانت القوات السوفيتية على بعد أقل من 500 متر من المخبأ. في حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، انسحب هتلر إلى غرفته الخاصة مع إيفا براون، بعد أن ودع مساعديه وطلب منهم مغادرة المكان. بعد حوالي ساعة، سمع المتواجدون في المخبأ صوت طلقة نارية واحدة.

عندما دخل مساعدوه الغرفة، وجدوا هتلر ميتًا جالسًا على الأريكة، وقد أطلق النار على نفسه باستخدام مسدسه الشخصي (والتر PPK 7.65mm) داخل فمه أو رأسه، وهناك من يقول على صدغه الأيمن. أما إيفا براون، فقد تناولت كبسولة من السيانيد وماتت إلى جانبه.

تم تنفيذ وصية هتلر فورًا، حيث قام مساعدوه بنقل الجثتين إلى فناء المخبأ، وسكبوا عليهما البنزين وأشعلوا فيهما النار، في محاولة لإخفاء هويتهما ومنع وقوع الجثتين في أيدي القوات السوفيتية.

جدول: التسلسل الزمني لأحداث يوم الوفاة

الروايات والشهادات حول الوفاة

هناك عدد من الشهادات من أشخاص كانوا حاضرين في المخبأ تؤكد الرواية الرسمية. من أبرز هؤلاء:

• أوتو غونشه، مساعد هتلر، الذي أكد أنه رأى الجثتين وساعد في عملية الحرق.

• هاينز لينغه، خادم هتلر الشخصي، والذي أفاد أنه دخل الغرفة ورأى هتلر ميتًا ورأسه مائل إلى الجانب.

• روتشوس ميش، أحد الحراس، الذي صرّح بعد الحرب أن آخر ما رآه كان هتلر يدخل الغرفة مع براون.

تطابقت هذه الشهادات مع تقارير الاستخبارات البريطانية والأمريكية، مما عزز من مصداقية الرواية.

ردود الفعل على الوفاة

عند إعلان وفاته في اليوم التالي، عبر إذاعة هامبورغ، أعلن كارل دونيتس، قائد البحرية، أنه تم تعيينه خلفًا لهتلر بموجب وصيته. سرعان ما أعلن استسلام ألمانيا في 7 مايو 1945، لينتهي عهد الرايخ الثالث رسميًا.

على الرغم من أن الكثيرين رأوا في انتحار هتلر “هروبًا من العدالة”، فإن موته شكل نقطة تحول محورية في التاريخ الحديث، وساهم في تسريع انتهاء الحرب وبدء محاكمة مجرمي الحرب النازيين في نورمبرغ.

الشكوك والنظريات المؤامراتية حول مصيره

رغم تأكيد الرواية الرسمية، انتشرت بعد الحرب العديد من الشائعات والنظريات التي ادعت أن هتلر لم يمت في برلين، بل فر إلى أمريكا الجنوبية عبر شبكات نازية سرية. عزز هذه الروايات عدم وجود صور علنية للجثة، وتأخر السوفييت في الإعلان عن نتائج تشريح الجثة، إضافة إلى التضارب في تقاريرهم حول طريقة الوفاة.

في عام 2000، فحص باحثون من جامعة كونيتيكت قطعة جمجمة محفوظة في أرشيف المخابرات السوفيتية، والتي زُعم أنها لهتلر، لكن نتائج الحمض النووي أثبتت أنها تعود لامرأة، مما أعاد إشعال الجدل. إلا أن دراسة سوفيتية سابقة عام 1968 على أسنان محفوظة أثبتت عبر مطابقتها مع سجلات طبية أن الأسنان تعود لهتلر، مما يعزز صحة الرواية الأصلية.

المصادر والمراجع

1. Joachimsthaler, Anton. The Last Days of Hitler: The Legends, the Evidence, the Truth. Brockhaus, 1999.

2. Beevor, Antony. Berlin: The Downfall 1945. Viking Penguin, 2002.