وظائف جديدة بعد كورونا

كيف نُوجد وظائف يحتاجها الناس في ظل انتشار فيروس كورونا؟

شهد العالم منذ بداية عام 2020 تحولات غير مسبوقة نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، الذي أحدث تغيرات جذرية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. لم تكن أزمة صحية فحسب، بل شكلت تحديًا اقتصاديًا ضخمًا ألقى بظلاله على سوق العمل في جميع أنحاء العالم، حيث تراجع الطلب على العديد من الوظائف التقليدية، وظهرت حاجة ماسة لوظائف جديدة تتناسب مع الظروف المتغيرة. في هذا السياق، أصبح من الضروري التفكير بعمق في كيفية إيجاد وظائف جديدة تلبي احتياجات الناس وتتكيف مع واقع ما بعد كورونا. يستعرض هذا المقال مفصلاً استراتيجيات ووسائل إيجاد هذه الوظائف، مستندًا إلى فهم شامل للتحديات الحالية والمتطلبات المستقبلية لسوق العمل.

أثر فيروس كورونا على سوق العمل

أدى تفشي فيروس كورونا إلى تعطيل العديد من القطاعات الاقتصادية، مثل السياحة، الضيافة، التجزئة، والصناعات التحويلية، حيث شهدت تراجعًا كبيرًا في الوظائف المتاحة أو أغلقت العديد من الشركات أبوابها مؤقتًا أو دائمًا. في المقابل، ظهرت فرص عمل جديدة في قطاعات أخرى، لا سيما تلك التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية، الخدمات الصحية، والتجارة الإلكترونية.

أدت الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي إلى تسريع تبني التكنولوجيا في أماكن العمل، مما دفع إلى زيادة الاعتماد على العمل عن بُعد، الأتمتة، والحلول الرقمية. بالتالي، تغيرت مهارات الطلب في سوق العمل بشكل كبير، مع بروز وظائف تتطلب مهارات رقمية متقدمة، وقدرات على التعامل مع التقنيات الحديثة.

تحديات إيجاد وظائف جديدة في ظل كورونا

• تغير طبيعة الوظائف: ما كان مقبولًا من وظائف قبل الجائحة أصبح اليوم غير مناسب أو محدودًا.

• تسريع الرقمنة: الحاجة المتزايدة للمهارات التقنية العالية التي لا يمتلكها جميع العمال.

• عدم الاستقرار الاقتصادي: تقلص ميزانيات الشركات وتقليل فرص التوظيف التقليدية.

• الفوارق الجغرافية: تباين الفرص بين المناطق الحضرية والريفية، وكذلك بين الدول المتقدمة والنامية.

• احتياجات صحية وأمنية: ضرورة وجود وظائف تلتزم بالبروتوكولات الصحية وتدعم البيئة الآمنة.

استراتيجيات إيجاد وظائف تلبي حاجات الناس في ظل كورونا

1. التحول الرقمي والتوظيف في مجال التكنولوجيا

أصبحت الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية من أكثر المجالات طلبًا خلال الجائحة، فالإغلاق والحظر دفعا المؤسسات إلى تسريع عمليات التحول الرقمي، مما زاد الحاجة إلى متخصصين في:

• تطوير البرمجيات وتطبيقات الهواتف الذكية

• أمن المعلومات وحماية البيانات

• تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي

• الدعم الفني والتقني للعمل عن بُعد

• التسويق الرقمي وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي

يعتبر هذا المجال من أسرع القطاعات نموًا، ويمكن توفير برامج تدريب متخصصة للعمال الذين فقدوا وظائفهم التقليدية لتأهيلهم على مهارات التكنولوجيا، بما يضمن اندماجهم سريعًا في سوق العمل الجديد.

2. تعزيز قطاع الرعاية الصحية والخدمات الطبية

شكلت الرعاية الصحية نقطة محورية في مواجهة جائحة كورونا، مما خلق طلبًا كبيرًا على الكوادر الطبية والصحية، سواء في القطاع العام أو الخاص. الوظائف التي ازداد الطلب عليها تشمل:

• أطباء وممرضين

• فنيي مختبرات طبية

• خبراء الصحة العامة

• الدعم الإداري واللوجستي في المستشفيات

• متخصصي الرعاية النفسية والاجتماعية

من الضروري دعم التدريب والتوظيف في هذه المجالات لضمان توفر الكوادر المؤهلة، بالإضافة إلى الابتكار في تقديم خدمات الرعاية الصحية عن بُعد.

3. تطوير وظائف في قطاع التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية

أدى التوجه الكبير نحو التسوق الإلكتروني إلى ارتفاع كبير في الوظائف المتعلقة بسلسلة التوريد، التخزين، والتوزيع. تشمل هذه الوظائف:

• سائقي التوصيل

• موظفي المخازن

• منسقي اللوجستيات وسلسلة التوريد

• مختصي خدمة العملاء عبر الإنترنت

يتطلب هذا القطاع استثمارات في البنية التحتية وتدريب العاملين على نظم التشغيل الحديثة، مما يفتح فرص عمل واسعة تلبي حاجات المجتمع في ظل التغيرات السريعة.

4. توسيع نطاق العمل الحر والعمل عن بُعد

أصبح العمل عن بُعد نموذجًا اقتصاديًا مستدامًا ومطلوبًا في عصر كورونا، حيث يمكن للأفراد العمل من منازلهم في مجالات متعددة مثل:

• البرمجة وتطوير المواقع

• الترجمة والتحرير

• التصميم الجرافيكي

• التسويق الإلكتروني

• الاستشارات المهنية

يمكن دعم هذه الفئة بتوفير منصات رقمية تيسر التواصل بين أصحاب العمل والباحثين عن عمل، إلى جانب برامج تدريب لتعزيز المهارات الرقمية.

5. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs)

تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لاقتصادات كثيرة، وقد تأثرت بشدة من الأزمة، لكنها تظل مصدرًا رئيسيًا للوظائف. يمكن توفير وظائف عبر دعم هذه المشروعات من خلال:

• تمويل ميسّر وبرامج قروض منخفضة الفائدة

• استشارات إدارية وتسويقية

• تسهيل الإجراءات القانونية والإدارية

• تعزيز التجارة الإلكترونية للمشروعات الصغيرة

هذا الدعم يمكن أن يحفز نمو المشروعات ويوفر فرص عمل جديدة تتناسب مع احتياجات السوق.

6. إنشاء برامج تدريب مهني متخصصة

تغيرت طبيعة الوظائف ومتطلبات المهارات، لذلك أصبح التدريب المهني المستمر ضرورة حتمية. يمكن إنشاء برامج تدريب تشمل:

• المهارات التقنية والتكنولوجية

• مهارات الإدارة الرقمية

• مهارات التواصل والعمل الجماعي عن بُعد

• التعليم المستمر للكوادر الطبية والبحثية

توفر هذه البرامج جسرًا فعالاً للعمالة بين الوظائف التقليدية والجديدة.

7. التركيز على الاقتصاد الأخضر والوظائف المستدامة

رغم أن كورونا أثرت سلبًا على العديد من القطاعات، إلا أنها أطلقت موجة اهتمام متزايدة بالاقتصاد الأخضر والتقنيات المستدامة. وظائف مثل:

• تقنيي الطاقة المتجددة

• متخصصي إعادة التدوير والنفايات

• مهندسي البيئة والتخطيط العمراني المستدام

تمثل مجالات ناشئة تتيح فرصًا مستقبلية للباحثين عن وظائف تلبي الاحتياجات البيئية والاقتصادية على حد سواء.

دور الحكومات والمؤسسات في خلق الوظائف الجديدة

تحتاج جهود إيجاد الوظائف التي يحتاجها الناس في ظل كورونا إلى دعم مركزي من الحكومات والمؤسسات، من خلال:

• وضع سياسات داعمة للتحول الرقمي والتدريب المهني

• توفير حوافز مالية للشركات التي توظف في القطاعات الناشئة

• دعم الابتكار وريادة الأعمال لخلق فرص عمل جديدة

• تطوير البنية التحتية الرقمية وتحسين الاتصال بالإنترنت

• التعاون مع القطاع الخاص لتطوير برامج عمل مرنة تتناسب مع واقع الأزمة

تعاون هذه الأطراف يضمن بيئة عمل مستقرة ومحفزة للنمو والتوظيف المستدام.

أهم المهارات المطلوبة للوظائف الجديدة

تتطلب الوظائف الجديدة المهارات التالية لتلبية متطلبات سوق العمل الجديد:

هذه المهارات تمثل قاعدة أساسية للنجاح في سوق العمل بعد جائحة كورونا.

خلاصة

في ظل انتشار فيروس كورونا، أصبح إيجاد وظائف تلبي حاجات الناس ضرورة استراتيجية تستدعي تكامل الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والتدريبية. التطورات التكنولوجية المتسارعة، التغيرات في نمط العمل، والاحتياجات المتزايدة في مجالات الرعاية الصحية والخدمات اللوجستية، كلها عوامل أساسية لتحديد المجالات التي يجب أن تركز عليها جهود خلق الوظائف الجديدة. اعتماد استراتيجيات واضحة تشمل التحول الرقمي، التدريب المهني، دعم المشروعات الصغيرة، وتعزيز الاقتصاد الأخضر، يضمن توفير فرص عمل مستدامة ومتنوعة تلبي احتياجات الناس في المرحلة الحالية والمستقبلية.

المراجع:

1. تقرير منظمة العمل الدولية (ILO) عن آثار جائحة كورونا على سوق العمل، 2021

2. تقرير البنك الدولي حول التحول الرقمي وفرص العمل في ظل كورونا، 2022