وصف يأجوج ومأجوج في السنة

وصف يأجوج ومأجوج في السنة النبوية

تشكل قصة يأجوج ومأجوج إحدى أبرز القصص المرتبطة بأشراط الساعة الكبرى، وتحمل في طياتها من الغرابة والرهبة ما جعلها محور اهتمام المسلمين على مر العصور. وقد جاء ذكر هاتين الأمتين في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، حيث تم تسليط الضوء على صفاتهم، وأعمالهم، ومآلهم في آخر الزمان، وعلاقتهم بمصير البشرية جمعاء. ومن خلال هذا المقال المطوّل، سيتم تناول وصف يأجوج ومأجوج في ضوء الأحاديث النبوية الصحيحة، مع تحليل مفصل لأبرز ما ورد بشأنهم في كتب السنة وشروح العلماء.

أولًا: أصل يأجوج ومأجوج

يأجوج ومأجوج هما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: “إن يأجوج ومأجوج من بني آدم”. فهم ليسوا من الجن، ولا من المخلوقات الخرافية أو الأسطورية كما ظن بعض المتأخرين، بل هم بشر من سلالة آدم عليه السلام، ولهم صفات بدنية واجتماعية تميزهم عن غيرهم من الأمم.

وقد دلّت الأحاديث النبوية على أنهم كثيرو العدد، حتى قال النبي ﷺ: “يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف، تسعمائة وتسعة وتسعون. فعند ذلك يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها…” [رواه البخاري ومسلم]. وفي نهاية الحديث، يطمئن النبي ﷺ المؤمنين بقوله: “ومنكم واحد، ومن يأجوج ومأجوج ألف”، مما يدل على ضخامة عددهم وكثافتهم البشرية الهائلة.

ثانيًا: صفاتهم الخَلقية في السنة

رغم قلة التفاصيل الظاهرة عن صفاتهم الخلقية في الأحاديث الصحيحة، إلا أن بعض الروايات تبين ملامح خاصة بهم. فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي ﷺ أنه قال: “إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا. فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله، فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه، فيحفرونه، ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء”.

ومن خلال بعض الروايات التي وردت عن الصحابة والتابعين في كتب التفسير والحديث، نجد إشارات إلى أن بني يأجوج ومأجوج أقوياء البنية، عراض الوجوه، صغار الأعين، يشبهون أهل الشرق الأقصى في السمات، كما ورد في بعض الآثار عن كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. غير أن هذه الأوصاف لا تعتبر جميعها من الحديث النبوي المباشر، لكنها استخدمت لبيان غرابتهم عن سائر الأمم.

ثالثًا: حالهم قبل الخروج

تعيش أمم يأجوج ومأجوج خلف السد الذي بناه ذو القرنين كما جاء في القرآن الكريم، في قوله تعالى:

﴿قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا﴾ [الكهف: 98].

وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره، أن النبي ﷺ قال: “ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها”، وفي رواية أخرى: “إنهم يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرجون منه قالوا: نعود إليه غدًا، فيعيده الله كما كان، حتى إذا بلغوا أجلهم قالوا: نعود إليه إن شاء الله، فيجدونه كما تركوه، فيخرجون على الناس”.

يتبين من ذلك أن يأجوج ومأجوج يسعون يوميًا لكسر السد، لكن قدرة الله تعيد بناءه كل مرة حتى يأذن الله بخروجهم كعلامة من علامات الساعة الكبرى. وهذا يعكس شدة بأسهم وتكرار محاولاتهم للانفلات نحو الأرض.

رابعًا: زمن خروجهم

خروج يأجوج ومأجوج مرتبط بعلامات الساعة الكبرى، ويأتي بعد نزول عيسى بن مريم عليه السلام، وبعد أن يقتل المسيح الدجال. ففي حديث النواس بن سمعان الطويل، يقول النبي ﷺ:

“فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون…” [رواه مسلم].

ويكون خروجهم من كل جهة بشكل سريع وكثيف، حتى يعموا الأرض فسادًا، ويعيثوا في البلاد ظلمًا ودمارًا، ولا يستطيع أحد مقاومتهم، لا ملوك ولا جيوش، فيفر المؤمنون إلى الجبال والأماكن المحصنة، ويعيشون حالة من الحصار الشديد.

خامسًا: فسادهم في الأرض

جاء في وصف النبي ﷺ لما يفعله يأجوج ومأجوج بعد خروجهم أنهم يعيثون في الأرض فسادًا، ويستنزفون مواردها، ويفسدون ما يقابلونه من عمران وبيئة. ففي حديث رواه الإمام مسلم وغيره، أن النبي ﷺ وصف أنهم “يمرون على بحيرة طبرية فيشربون ماءها”، فيأتي آخرهم فيجدها جافة فيقول: “قد كان بهذه مرة ماء!”، مما يدل على ضراوة استهلاكهم للموارد، وعدم وجود أي وازع أخلاقي يردعهم.

ويتابع النبي ﷺ وصف هذا الطوفان البشري الكاسح، بأنهم يظنون أنهم قد قضوا على أهل الأرض وبلغوا أهل السماء، فيرشقون سهامهم نحو السماء، فيعيدها الله عليهم مخضبة بالدماء ابتلاءً وفتنة.

سادسًا: هلاكهم

بعد أن يبلغ الفساد مداه، يتضرع نبي الله عيسى بن مريم والمؤمنون بالدعاء إلى الله، فيستجيب الله لهم، ويرسل على يأجوج ومأجوج دودة تسمى “النغف” تقع في رقابهم، فيموتون موتًا جماعيًا في لحظات معدودة.

وقد ورد هذا في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم:

“فيرسل الله عليهم نغفًا في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، فيهبط نبي الله عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا وقد ملأه زهمهم ونتنهم، فيدعو عيسى وأصحابه الله، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله”.

ثم يغسل الله الأرض من نتنهم وأجسادهم المتحللة بمطر عظيم، فتعود الأرض بعدها خصبة ونقية، ويعيش المؤمنون بعدهم فترة من السلام والرخاء.

سابعًا: دلالات الحديث على مقاصد العقيدة

الأحاديث التي تناولت قصة يأجوج ومأجوج تحمل دلالات عقدية مهمة، منها:

1. الإيمان بالغيب: حيث إن تفاصيل خروجهم، وفسادهم، وهلاكهم، لم يشهدها البشر بعد، وهي جزء من الإيمان بما أخبر به النبي ﷺ من الأمور الغيبية.

2. عظمة قدرة الله: في حفظ السد، وفي خلق مخلوقات بهذه الصفات والأعداد، وفي القضاء عليهم بلحظة واحدة.

3. اتساق السنن الكونية م