وحدة قياس الزلازل وتأثيرها في فهم النشاط الزلزالي

تُعد الزلازل من الظواهر الطبيعية الهامة التي تثير اهتمام العلماء والباحثين في علوم الأرض والجيولوجيا، نظراً لتأثيرها الكبير على البيئة والمجتمعات البشرية. ويكمن جوهر دراسة الزلازل في قياس شدة وقوة الهزات الأرضية وتحديد مدى تأثيرها، الأمر الذي يستلزم وجود وحدات قياس دقيقة ومنهجية لقياس الزلازل. في هذا المقال سيتم استعراض وحدة قياس الزلازل بالتفصيل، مبينين كيفية استخدامها وأهميتها في علم الزلازل، مع التطرق إلى أنظمة القياس المختلفة والتطورات التقنية في هذا المجال.

تعريف الزلزال وآلية حدوثه

الزلزال هو ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة لتحرك مفاجئ في طبقات الأرض أو في الصدوع الجيولوجية، مما يؤدي إلى إصدار موجات زلزالية تنتشر عبر الصخور وتصل إلى سطح الأرض مسببة اهتزازات أرضية. تتراوح أسباب الزلازل بين تحركات الصفائح التكتونية، نشاط البراكين، وحتى الأنشطة البشرية في بعض الحالات. تعتمد الدراسات الزلزالية على قياس هذه الاهتزازات لتقدير مدى قوتها وتأثيرها.

أهمية قياس الزلازل

القياس الدقيق للزلازل هو الأساس لفهم طبيعة الهزات الأرضية، تحديد مدى أضرارها المحتملة، ووضع الخطط الوقائية والهندسية المناسبة للحد من تأثيراتها على المنشآت والبنية التحتية. كما يسهم قياس الزلازل في تطوير نظم الإنذار المبكر وتحليل بيانات نشاط الأرض الزلزالي لتوقع مناطق الخطر.

وحدات قياس الزلازل

1. مقياس ريختر (Richter Scale)

يُعتبر مقياس ريختر من أشهر وحدات قياس شدة الزلازل، وهو مقياس لوغاريتمي طوره العالم تشارلز ريختر عام 1935. يقيس هذا المقياس كمية الطاقة المنبعثة أثناء الزلزال عن طريق تسجيل سعة الموجات الزلزالية على جهاز يُعرف بالسيزموجراف.

• طريقة القياس: يعتمد المقياس على تسجيل اهتزازات الأرض عند بعد معين من مركز الزلزال، حيث تُقاس سعة الموجات الزلزالية ويتم تحويلها إلى رقم يعبر عن شدة الزلزال.

• الخصائص: يتم التعبير عن مقياس ريختر برقم يتراوح عادة بين 0 و 10، حيث أن كل زيادة وحدة واحدة تعني زيادة في طاقة الزلزال بمقدار 31.6 مرة تقريباً.

• الاستخدام: مفيد بشكل خاص للزلازل الصغيرة والمتوسطة في المناطق القريبة من أجهزة القياس.

2. مقياس الشدة المعدل (Modified Mercalli Intensity Scale – MMI)

يختلف مقياس الشدة المعدل عن مقياس ريختر بأنه يقيس التأثيرات والآثار التي يتركها الزلزال على البشر والمباني بدلاً من قياس الطاقة المنبعثة.

• طريقة القياس: يعتمد على تقييم الأضرار المرصودة والاهتزازات التي يشعر بها الناس، حيث يُقسم المقياس إلى 12 درجة من الشدة تبدأ من “غير محسوس” وتنتهي بـ “تدمير كامل”.

• الخصائص: مقياس نوعي وليس كمي، ويُستخدم لتقييم تأثير الزلزال على مناطق مختلفة بدلاً من تحديد قوته العلمية.

• الاستخدام: مهم في الدراسات الإنسانية والهندسية لمعرفة مدى الضرر وتوزيعه الجغرافي.

3. مقياس العزم الزلزالي (Moment Magnitude Scale – Mw)

يُعتبر مقياس العزم الزلزالي بديلاً حديثاً لمقياس ريختر، ويستخدم حالياً على نطاق واسع لتحديد قوة الزلازل الكبيرة.

• طريقة القياس: يعتمد على حساب العزم الزلزالي الذي يمثل القوة المطبقة على الصدع الأرضي وطول منطقة الانزلاق والانسجام الصخري.

• الخصائص: مقياس لوغاريتمي يغطي نطاقاً أوسع من الطاقة الزلزالية، وهو أكثر دقة للزلازل الكبيرة جدًا التي لا يستطيع مقياس ريختر تقديرها بشكل صحيح.

• الاستخدام: يستخدمه مراكز الزلازل العالمية لتقييم الهزات الأرضية القوية والدقيقة.

4. مقياس الموجات السطحية والموجات الأولية

توجد مقياسات أخرى تستند إلى أنواع مختلفة من الموجات الزلزالية:

• مقياس الموجات السطحية (Surface Wave Magnitude, Ms): يعتمد على قياس الموجات السطحية التي تسبب معظم الأضرار، ويستخدم لتحديد قوة الزلازل على مسافات بعيدة.

• مقياس الموجات الأولية (Body Wave Magnitude, Mb): يقيس الموجات الزلزالية التي تنتقل عبر داخل الأرض، ويُستخدم للزلازل الصغيرة والمتوسطة.

الفرق بين مقياس الشدة ومقياس الحجم

من المهم التمييز بين مقياس الشدة (Intensity) الذي يصف آثار الزلزال على الناس والمنشآت، ومقياس الحجم (Magnitude) الذي يقيس الطاقة المنبعثة من مركز الزلزال.

أجهزة قياس الزلازل

تُستخدم أجهزة خاصة لالتقاط وتحليل الموجات الزلزالية تعرف بـ “السيزموجراف” أو “مقياس الزلازل”. تتكون هذه الأجهزة من أجزاء ميكانيكية وإلكترونية تسجل حركة الأرض بشكل دقيق في الزمن الحقيقي.

• السيزموجراف التقليدي: يحتوي على كتلة معلقة تُسجل حركتها على ورق أو على شريط إلكتروني عند اهتزاز الأرض.

• السيزموجراف الرقمي: يعتمد على مستشعرات إلكترونية دقيقة تقوم بتحويل الاهتزازات إلى إشارات رقمية تُحلل بواسطة الحواسيب لتوفير معلومات دقيقة عن الزلزال.

أهمية التقدم التقني في قياس الزلازل

مع التطور العلمي والتكنولوجي، أصبحت أدوات قياس الزلازل أكثر دقة وسرعة في تسجيل البيانات وتحليلها، مما ساعد في:

• تحسين نظم الإنذار المبكر: تمكن من إصدار تحذيرات فورية قبل وصول الهزات إلى المناطق المأهولة.

• تحليل بيانات النشاط الزلزالي بشكل دقيق: يساعد في دراسة التوزيع الجغرافي للزلازل وفهم أسبابها.

• تطوير الخرائط الزلزالية: التي توضح المناطق الأكثر تعرضاً للزلازل وتساعد في تخطيط العمران والبناء.

الخلاصة

تمثل وحدة قياس الزلازل أداة علمية حيوية لفهم الظواهر الزلزالية وتحديد تأثيراتها. وتتنوع هذه الوحدات بين مقاييس كمية مثل مقياس ريختر ومقياس العزم الزلزالي، ومقاييس نوعية مثل مقياس الشدة المعدل. ويكمن التحدي في اختيار المقياس المناسب لكل حالة وفقاً لنوع الزلزال ومدى قوته وتأثيره على المناطق المختلفة. مع التطور المستمر في التكنولوجيا، أصبح بالإمكان قياس الزلازل بدقة عالية مما يسهم في حماية الأرواح والممتلكات من مخاطر هذه الظاهرة الطبيعية.

المصادر والمراجع:

1. Stein, S., & Wysession, M. (2003). An Introduction to Seismology, Earthquakes, and Earth Structure. Wiley-Blackwell.

2. US Geological Survey (USGS). “Earthquake Magnitude, Intensity, and Effects”. https://earthquake.usgs.gov/learn/topics/mag_vs_int.php