واجبنا تجاه الأم

الأم وواجبنا نحوها: حب لا يُقاس بتقديم الخدمات فقط

الأم، تلك الكائن الرقيق الذي تحتفظ بين يديها بنسيم الحياة، وتفتح للإنسان أبواب السعادة في مختلف مراحل عمره. مكانتها في الإسلام والمجتمعات الإنسانية قوبلت بأعلى درجات التقدير والاحترام، وأصبح الحديث عن حقوقها وواجباتنا نحوها من المواضيع التي تلامس القلوب وتثير مشاعر الشكر والامتنان. فالأم هي التي منحتنا الحياة، وعلمتنا كيف نمشي في دروبها بأمان، وحملت في قلبها حبًا لا ينضب وأملًا لا ينتهي. إن الحديث عن الأم ليس فقط حديثًا عن واجب، بل هو تعبير عن تقدير لا يحده زمان ولا مكان.

مكانة الأم في الإسلام

الأم في الإسلام تحتل مكانة عظيمة، وقد أتى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالعديد من الآيات والأحاديث التي تعبر عن عظمة دور الأم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23).

هذه الآية الكريمة توضح واجب الأبناء تجاه والديهم، وخصوصًا الأمهات. فقد جاء ذكر الأم مع الإشارة إلى الجهد الكبير الذي بذلته في تربيتنا وحملنا، كما جاء في قول الله تعالى: “وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا”(الأحقاف: 15). ومن خلال هذا النص، يبرز الجهد الشاق الذي مرّت به الأم خلال فترة الحمل والولادة، الذي يتطلب منا كل تقدير واحترام.

التضحية التي لا تنتهي

منذ لحظة الحمل، تحمل الأم بين جنبيها همومًا وآلامًا لا تُحصى، تبدأ من الحمل وتستمر حتى تسير في رعاية أبنائها. تتنقل الأم بين متطلبات الحياة اليومية وتستمر في تقديم العناية اللازمة لأطفالها دون أن تنتظر مقابلًا أو جزاءً. التضحية التي تقدمها الأم لا تقتصر على مراحل الطفولة فقط، بل تتسع لتشمل الحياة كلها، بما في ذلك التوجيه والنصح والعناية في مراحل متقدمة من حياة الأبناء.

قد يكون من الصعب للغاية وصف مدى تأثير الأم على حياة أبنائها، فالأم لا تقتصر في تقديم الطعام والملبس، بل تقدم الحب والدعم النفسي وتكون الملاذ الذي يلجأ إليه الأبناء في أصعب المواقف. إن التضحية التي تقدمها الأم تضمن استقرار الأسرة ورعاية كل فرد فيها، وهي منبع كل الحنان والمشاعر النبيلة التي نعيشها.

واجبنا نحو الأم: شكر واعتراف

إن رد الجميل للأم ليس أمرًا سهلاً. لا يمكن لمجموعة من الكلمات أو الأفعال أن تعبر عن مقدار الحب والتقدير الذي تستحقه. ومع ذلك، فإن واجبنا نحو الأم يتطلب منا الالتزام بعدد من المبادئ التي تعكس تقديرنا وحبنا لها.

الإحسان والاحترام

أهم واجب في حق الأم هو الإحسان إليها، والاحترام المتبادل بين الأبناء والأم. لا يكفي أن نعبر عن محبتنا بالكلمات فقط، بل يجب أن نترجمها بأفعال ملموسة في حياتنا اليومية. هذه الأفعال تشمل الاستماع إلى نصائحها، العناية بها في شيخوختها، والدعاء لها في حياتها وبعد وفاتها. كما يجب أن نُظهر الاحترام لها في تصرفاتنا، وأن نُقدر الجهود التي بذلتها.

الاعتراف بتضحياتها

من واجبنا أن نُظهر دائمًا الاعتراف بتضحيات الأم. فكل تضحية تقدمها من أجلنا يجب أن تجد صدى في قلوبنا وأفعالنا. لا يكفي أن نذكّرها أحيانًا بفضلها، بل يجب أن نُعبر عن تقديرنا لها على الدوام. سواء كان ذلك في المناسبات الخاصة أو في لحظات الحياة العادية، يجب أن نشعرها بأنها لا تزال محط تقدير.

الرعاية في الكبر

من أهم صور الوفاء للأم هي العناية بها في شيخوختها. فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة.” (رواه مسلم). هذا الحديث يشير إلى أهمية الاعتناء بالوالدين في شيخوختهم، وأن ذلك يعد من أعظم الأعمال التي تقربنا إلى الجنة. العناية تشمل توفير احتياجاتها، رعاية صحتها، الاستماع إليها، وتقديم الدعم النفسي والوجداني.

الدعاء لها دائمًا

أحد واجباتنا تجاه الأم هو الدعاء لها بالرحمة، الصحة، والبركة. يجب أن نتذكر دائمًا الأم في صلواتنا، خاصةً في الأوقات التي نطلب فيها من الله تعالى البركة والسعادة.

أشكال الاعتراف بالجميل للأم

الاعتراف بالجميل للأم لا يتطلب بالضرورة هدايا أو أموالًا، بل يمكن أن يكون في مواقف بسيطة تحمل في طياتها الكثير من العاطفة والصدق.

• الاهتمام اليومي: إظهار الاهتمام بالأم في الحياة اليومية يمكن أن يكون من خلال إتمام بعض المهام التي تقوم بها، مثل مساعدتها في الأعمال المنزلية أو حتى في تدبير بعض الأمور الحياتية.

• الاستماع إليها: قد تحتاج الأم إلى التحدث ومشاركة ما يدور في خاطرها. الاستماع إليها والتفاعل معها يجعلها تشعر بالحب والاحترام.

• إظهار الفخر بها: عندما يتحدث الأبناء عن أمهاتهم أمام الآخرين، ويُظهرون لهم فخرهم واحترامهم، فإن ذلك يكون بمثابة شهادة حية على مدى تقديرهم للأم.

دور المجتمع في دعم الأم

دور المجتمع في دعم الأم يتجاوز الأفراد ليشمل المحيط الأكبر. على المجتمع أن يوفر البيئة التي تسهم في تقدير حقوق الأم، وتوفير فرص التعليم والتدريب لها. فالمجتمع الذي يقدر الأم يساهم في تحسين جودة حياة الأبناء والأسرة بشكل عام.

على الحكومة أيضًا توفير الخدمات الصحية والتعليمية للأمهات، وتوفير البيئة المناسبة لعملهن إذا كانت الأم بحاجة لذلك، كي تكون قادرة على أداء دورها في التربية والمشاركة الفعالة في المجتمع.

خلاصة

إن دور الأم في حياتنا لا يُمكن تجاهله أو نسيانه، فهي لا تقتصر على كونها مصدرًا للحياة والحب، بل هي المثال الحقيقي للتضحية والعطاء. وما دام الإنسان على قيد الحياة، يبقى واجبنا نحو الأم مستمرًا، وهو واجب لا يمكن التنازل عنه مهما كانت الظروف. احترامها، إكرامها، العناية بها، والدعاء لها هو الطريق الوحيد الذي يعكس وفاءنا لهذا الكائن الذي لا يمكن وصفه بالكلمات.