هيئة الترفيه السعودية: تحول ثقافي

هيئة الترفيه السعودية: رافعة التحول الثقافي والاجتماعي في المملكة

منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، بدأت ملامح التغيير تتجلى في كل جوانب الحياة في المملكة، وكان من أبرز وجوه هذا التحول تأسيس “الهيئة العامة للترفيه”، التي وُلدت كمؤسسة حكومية تُعنى بتطوير وتنظيم قطاع الترفيه في السعودية، لتكون واحدة من أكثر المؤسسات ديناميكية في المشهد الوطني. لقد مثّل إنشاء الهيئة خطوة استراتيجية تمثّل الرغبة الحقيقية في تنويع مصادر الدخل وتحسين جودة الحياة وتعزيز الدور الثقافي والاجتماعي للترفيه في المملكة، بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط.

التأسيس والدور الاستراتيجي

تم تأسيس الهيئة العامة للترفيه بموجب الأمر الملكي الصادر في مايو 2016، كجزء من برنامج التحول الوطني الذي أطلقته الحكومة السعودية لتنفيذ رؤية 2030. ومنذ ذلك الوقت، بدأت الهيئة في رسم ملامح جديدة لمفهوم الترفيه في المجتمع السعودي، حيث تبنّت رؤية طموحة تهدف إلى خلق قطاع ترفيهي مزدهر يسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ويوفر خيارات ترفيهية متنوعة لجميع الفئات العمرية والاجتماعية.

تركّزت الأهداف الاستراتيجية للهيئة على ثلاثة محاور رئيسية:

1. تحفيز الاستثمار في قطاع الترفيه.

2. استقطاب الفعاليات العالمية والمحلية.

3. دعم وتمكين المواهب السعودية.

دور الهيئة في تحقيق رؤية 2030

تشكل الهيئة العامة للترفيه أحد الأذرع التنفيذية الحيوية لتحقيق رؤية المملكة 2030، خاصة في المحور المتعلق بـ “جودة الحياة”. ويُعد الترفيه أحد العناصر الأساسية في بناء مجتمع حيوي يتمتع أفراده بأسلوب حياة متوازن وصحي، ويعكس ثقافة الانفتاح والتطور.

من خلال مشاريعها ومبادراتها، أسهمت الهيئة في رفع مستوى المحتوى الثقافي والترفيهي، إلى جانب فتح آفاق جديدة للمواهب الشابة السعودية التي كانت تفتقر سابقًا إلى المنصات المناسبة للتعبير عن طاقاتها. كما نجحت الهيئة في تحويل مفهوم “الترفيه” من نشاط هامشي إلى ركيزة اقتصادية أساسية.

أبرز الفعاليات والمواسم

في السنوات الأخيرة، أصبحت المملكة محط أنظار العالم من خلال تنظيم مواسم ترفيهية كبرى مثل:

موسم الرياض

أحد أكبر المواسم الترفيهية في العالم، ويتضمن فعاليات متنوعة تشمل عروضًا مسرحية، حفلات موسيقية، معارض، فعاليات تفاعلية، واستعراضات عالمية. منذ انطلاقه عام 2019، حقق موسم الرياض أرقامًا قياسية في عدد الزوار والعائدات.

موسم جدة

يُعد منصة لتسليط الضوء على التاريخ البحري والحضاري لمدينة جدة، ويقدم تجربة ترفيهية وسياحية تجمع بين الفنون والتراث والأنشطة العائلية.

موسم الشرقية، وموسم حائل، وموسم العلا

تعمل هذه المواسم على إبراز تنوع المناطق السعودية وثرائها الثقافي، وتحفيز السياحة الداخلية والخارجية من خلال برامج ترفيهية متكاملة.

الإسهامات الاقتصادية

يمثل قطاع الترفيه قيمة اقتصادية عالية ضمن برامج التنويع الاقتصادي في المملكة. وتشير الأرقام إلى أن الهيئة ساهمت في:

• رفع مساهمة قطاع الترفيه في الناتج المحلي الإجمالي.

• توفير آلاف الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة للمواطنين.

• جذب استثمارات محلية وأجنبية في قطاع الفعاليات والعروض.

• تحفيز نمو قطاعات مكملة مثل السياحة، الضيافة، والخدمات اللوجستية.

فيما يلي جدول يوضح تطور مساهمة قطاع الترفيه في الناتج المحلي وبعض المؤشرات:

الاستقطاب العالمي والتبادل الثقافي

أثبتت الهيئة العامة للترفيه قدرتها على التحول إلى قوة جذب عالمية، من خلال توقيع شراكات استراتيجية مع شركات ترفيه دولية، واستضافة عروض فنية وفعاليات رياضية ذات طابع عالمي، من بينها:

• عروض WWE والمصارعة الحرة.

• حفلات لفنانين عالميين مثل BTS، جاستن بيبر، وأنريكي إغليسياس.

• سباقات الفورمولا إي وفورمولا 1.

• مهرجانات السينما والموسيقى العالمية.

كل هذه الفعاليات لم تعزز فقط صورة المملكة عالمياً، بل ساهمت في خلق حوار ثقافي مع شعوب العالم، يعكس الطموحات السعودية في أن تكون مركزاً إقليمياً ودولياً للترفيه.

الابتكار في الخدمات والمنصات الرقمية

تبنّت الهيئة منذ نشأتها التكنولوجيا كوسيلة لتسهيل الوصول إلى الفعاليات والخدمات. وقد أطلقت منصات إلكترونية متقدمة مثل:

• منصة “عيشها”: توفر معلومات تفصيلية عن الفعاليات الجارية، مع إمكانية الحجز والشراء الإلكتروني للتذاكر.

• بوابة الاستثمار: لتسهيل دخول المستثمرين المحليين والأجانب إلى السوق الترفيهي السعودي.

• مبادرة “تحديات الترفيه”: لتشجيع الأفكار الجديدة والابتكارات التقنية في تنظيم الفعاليات.

دعم وتمكين الشباب

واحدة من أبرز مهام الهيئة هي تمكين الشباب السعودي في مجالات الترفيه المختلفة، مثل تنظيم الفعاليات، الإنتاج الموسيقي، التقديم، التمثيل، تصميم الألعاب، والتقنيات الصوتية والمرئية. وتقدّم الهيئة منحًا وتدريبات بالشراكة مع مؤسسات تعليمية دولية ومحلية، بالإضافة إلى إنشاء أكاديميات مختصة لتنمية المواهب في القطاع.

التحديات والانتقادات

رغم الإنجازات الكبيرة، لم تكن مسيرة الهيئة خالية من التحديات، أبرزها:

• الملاءمة الثقافية: الحاجة إلى الموازنة بين الانفتاح والترفيه من جهة، والمحافظة على القيم والمبادئ الثقافية والدينية للمجتمع.

• إدارة الحشود: التحديات اللوجستية والتنظيمية في فعاليات تستقطب ملايين الزوار.

• توزيع الفعاليات جغرافيًا: التركيز المفرط في بعض المناطق مثل الرياض وجدة على حساب مدن أخرى بحاجة إلى مزيد من الفعاليات.

لكن الهيئة تعمل بشكل مستمر على تحسين منظومتها التشغيلية وتوسيع انتشارها الجغرافي، إضافة إلى مراجعة دورية لبرامجها بما يحقق التوازن بين الحداثة والثقافة المحلية.

آفاق المستقبل

تمضي الهيئة العامة للترفيه في طريقها لتصبح من أهم مؤسسات التحول الوطني، مع خطط توسعية كبيرة تشمل:

• إطلاق المزيد من المدن الترفيهية العملاقة مثل “القدية”.

• تطوير بنية تحتية ترفيهية ذكية في جميع أنحاء المملكة.

• رفع نسبة مساهمة القطاع الترفيهي في الناتج المحلي إلى أكثر من 4% بحلول عام 2030.

• تمكين 200 ألف وظيفة جديدة في القطاع.

• تعزيز مكانة المملكة كمركز ترفيهي وثقافي وسياحي عالمي.

الخاتمة

أثبتت الهيئة العامة للترفيه في السعودية أنها ليست مجرد مؤسسة حكومية تنظم الحفلات والمهرجانات، بل أداة تغيير اجتماعي واقتصادي وثقافي تقود المملكة نحو مستقبل أكثر حيوية وازدهاراً. وبفضل رؤيتها الاستراتيجية وإدارتها الديناميكية، أصبحت الهيئة رمزاً للانفتاح والتجدد في المملكة، وجسراً للتواصل بين المجتمع السعودي والعالم الخارجي.

المراجع:

1. رؤية السعودية 2030 – الموقع الرسمي: https://www.vision2030.gov.sa/

2. الهيئة العامة للترفيه – https://www.gea.gov.sa