هل نصنع حظنا؟

الحظ: صدفة أم نحن من نصنعه؟

يعتبر الحظ من المواضيع التي طالما أثارت الجدل، فهناك من يراه مجرد صدفة أو أمر عابر يعتمد على الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها أو التحكم فيها، بينما يرى آخرون أنه شيء يمكن صنعه من خلال التصرفات والخيارات التي نتخذها في حياتنا. إذًا، هل الحظ فعلاً مجرد صدفة، أم أننا من نصنعه؟ في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا السؤال، محاولين استكشاف العلاقة بين الحظ والجهود الشخصية، وكيف يمكن للأفراد أن يتحكموا في حظهم.

الحظ كصدفة: قوى خارجة عن إرادتنا

من المفهوم أن العديد من الأشخاص يرون الحظ كعامل يعتمد على الظروف التي تخرج عن سيطرتهم. في هذا السياق، الحظ هو تلك اللحظات التي تصادفنا فجأة، مثل أن نجد مبلغًا من المال في الشارع أو أن نلتقي بشخص مؤثر في حياتنا صدفة. يمكن القول بأن الحظ في هذه الحالات هو مجرد مصادفة أو فرصة تتاح دون تخطيط مسبق.

يرتكز هذا المفهوم من الحظ على مبدأ “الفرص العشوائية”، وهي الأحداث التي تحدث بشكل غير متوقع وبعيدة عن أي نوع من التحضير أو التنسيق. في هذه الرؤية، لا يوجد أي تدخل مباشر من الإنسان في تشكيل الأحداث، وبالتالي فإن الحظ هنا يصبح مجرد سلسلة من الأحداث التي تحدث بغض النظر عن رغبتنا أو إرادتنا.

ولكن حتى في هذا السياق، يمكن القول إن الحظ ليس فقط عشوائيًا تمامًا. في الكثير من الأحيان، يمكن للبيئة التي نعيش فيها أو الظروف المحيطة بنا أن تزيد من احتمالات حدوث هذه “الصدف السعيدة”. وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الحظ قد يكون مجرد جزء من مجموعة أكبر من العوامل التي تؤثر في حياتنا.

الحظ كشيء نصنعه: الجهود والإرادة تلعب دورًا كبيرًا

على النقيض من الرؤية الأولى، هناك من يعتقد أن الحظ ليس مجرد صدفة، بل هو شيء يمكن أن نصنعه بأنفسنا من خلال اختياراتنا وأفعالنا. في هذه الرؤية، نحن لا ننتظر أن تطرق الفرص بابنا، بل نذهب إليها بأنفسنا. الفكرة الأساسية هنا هي أن التزامنا بالعمل الجاد، والمثابرة، والتعلم من الأخطاء، واتباع الطريق الصحيح في حياتنا هو الذي يصنع الحظ.

إن الأشخاص الذين يؤمنون بأن الحظ هو نتاج لأفعالهم يتبنون فكرة أن “الفرص تصنع” وليس “تحدث بالصدفة”. فمثلًا، عندما يبذل الشخص جهدًا لتعلم مهارة جديدة أو للتعرف على أشخاص جدد في مجال عمله، فإنه يزيد من فرصته في مواجهة فرص لم يكن ليحصل عليها لولا هذه الجهود. في هذا السياق، يمكن القول بأن الحظ ليس مجرد مصادفة بل هو نتيجة لمجموعة من الإجراءات الموجهة التي اتخذناها والتي أثمرت في النهاية عن “فرص” جديدة.

الفرص والعقلية المفتوحة: كيف نصنع الحظ؟

أحد أهم العوامل التي تلعب دورًا في صناعة الحظ هو “العقلية المفتوحة”. عندما تكون لدينا عقلية تؤمن بأن الفرص موجودة في كل مكان وأننا قادرون على الاستفادة منها، فإننا غالبًا ما نجد أنفسنا في مكان يمكن أن نحقق فيه النجاح، حتى وإن كانت هذه الفرص تبدو صغيرة أو عشوائية في البداية. الأشخاص الذين يتمتعون بعقلية إيجابية وحريصون على بناء علاقات جديدة، يبذلون جهدًا أكبر في سعيهم نحو النجاح ويكونون أكثر استعدادًا للاحتفاظ بفرص الحظ.

على سبيل المثال، يمكن أن يكون الشخص الذي يبحث دائمًا عن تعلم أشياء جديدة، سواء عبر القراءة أو حضور ورش عمل أو التواصل مع أشخاص في مجاله، أكثر استعدادًا للحصول على فرصة عمل أو عرض مهني، وهو ما قد يراه الآخرون حظًا. لكن في الحقيقة، هو نتاج سنوات من العمل والاستعداد.

الصدفة والحظ: هل هناك ارتباط بينهما؟

من جهة أخرى، لا يمكننا إنكار أن هناك مواقف تحدث في حياتنا بشكل عفوي، ولا يستطيع أحد التنبؤ بها. فمثلًا، قد يتعرض شخص ما لفرصة لم يكن يتوقعها على الإطلاق، مثل أن يتم اختياره للعمل في وظيفة مرموقة نتيجة لمقابلة عشوائية أو توصية من شخص غير متوقع. في هذه الحالة، لا يمكننا القول إن الشخص قد صنع “حظه”، بل إن هذه كانت مجرد مصادفة. لكن ربما لا يكون الحظ هنا مجرد صدفة بحتة، بل هو نتيجة للاتصال بين الشخص وبيئته في لحظة معينة. قد يكون هذا الشخص قد جهز نفسه في مكان ما وفي وقت ما للاستفادة من هذه الفرصة، وهو ما يجعل الحظ يبدو “مفتوحًا” في ذلك الوقت.

التأثيرات النفسية والبيئية على الحظ

الأبحاث العلمية تشير إلى أن الطريقة التي نرى بها أنفسنا وكيف نرى العالم حولنا يمكن أن تؤثر في تجربتنا للحظ. الأفراد الذين يشعرون بأنهم في وضع سيطرة على حياتهم هم أكثر عرضة لرؤية الفرص والاعتراف بها. في المقابل، أولئك الذين يشعرون بالعجز أو العدمية قد يفوتون فرصًا قد تكون أمامهم بسبب نظرتهم السلبية.

في هذه الحالة، يمكن القول إن الحظ ليس فقط نتاجًا للصدف العشوائية أو أفعالنا الموجهة فقط، بل هو نتيجة للتفاعل بين استعدادنا العقلي وظروف البيئة المحيطة بنا. الأشخاص الذين يعانون من مشاعر القلق أو الخوف من الفشل قد يغلقون الأبواب التي قد توفر لهم الفرص، بينما الأفراد الذين يمتلكون ثقة في أنفسهم وعقلية إيجابية يكونون في وضع أفضل للاستفادة من الفرص التي قد يراها الآخرون مجرد حظ عابر.

خاتمة: هل نحن نصنع حظنا؟

من خلال ما تم استعراضه من آراء وأفكار، يتضح أن الحظ ليس مجرد عامل عشوائي أو صدفة محضة، بل هو مزيج من الفرص العشوائية والجهود الشخصية التي نبذلها. يمكن القول إن الحظ ليس شيئًا ثابتًا، بل هو فكرة تتطور باستمرار وتؤثر بها اختياراتنا الشخصية، وفي بعض الأحيان قد يكون مجرد لحظة عابرة من الفُرَص التي نتمكن من الاستفادة منها بسبب استعدادنا الدائم للتعلم والنمو.

إذا كان الحظ يزور البعض فجأة، فقد يكون ذلك لأنهم كانوا مستعدين لاحتضانه عند وصوله. لذا، في النهاية، يمكننا القول إن الحظ ليس محض صدفة، بل هو نتيجة لتضافر العوامل الخارجية مع الإرادة الشخصية، والاستعداد الدائم لملاقاة الفرص التي قد تصادفنا.