هل حقنة العضل تفطر؟
في إطار الشريعة الإسلامية، يعدّ الصيام أحد العبادات الكبرى التي يحظى بها المسلمون في شهر رمضان، ويشمل الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. ويظهر سؤال أساسي بالنسبة للمسلمين: هل يمكن أن تفسد هذه العبادة بمجرد تناول أدوية عبر طرق معينة، مثل الحقن العضلية؟ للإجابة على هذا التساؤل، يجب علينا أولاً أن نبحث في التفاصيل الشرعية المتعلقة بما يفطر الصائم وما لا يفطره.
مفهوم الفطر في الإسلام
الفطر في الإسلام هو كل ما يؤدي إلى إفطار الشخص خلال يوم الصيام. وهناك عدة مفطرات قد تم ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وأجمع العلماء على أن هناك أمورًا تفسد الصيام بشكل قطعي وأمور أخرى تحتاج إلى تفصيل ودراسة موسعة. من أهم المفطرات التي وردت في الشريعة الإسلامية الطعام والشراب والجماع، وكل هذه الأمور تفطر الصائم بصورة مباشرة.
ومع تقدم العلوم الطبية واستخدام الأدوية الحديثة في علاج الأمراض، ظهرت عدة تساؤلات حول تأثير بعض العلاجات على الصيام. من بين هذه التساؤلات، جاء السؤال الأبرز حول تأثير الحقن التي يتم إعطاؤها للمريض عبر الحقن العضلية أو الوريدية على صحة الصيام.
الحقن العضلية وتأثيرها على الصيام
الحقن العضلية هي الحقن التي يتم إدخالها إلى عضلات الجسم بواسطة إبرة خاصة، وتعدّ هذه الطريقة واحدة من أكثر طرق إعطاء الأدوية استخدامًا في المجال الطبي. والحقن العضلية تستخدم عادة لتوصيل الأدوية التي لا يمكن أخذها عن طريق الفم، أو عندما تكون الحاجة إلى علاج فوري وفعّال.
توجد أنواع عدة من الحقن العضلية، مثل:
-
الحقن المسكنة للألم: التي تحتوي على مسكنات أو مضادات التهاب.
-
الحقن المضادة للبكتيريا أو الفيروسات: التي تستخدم لعلاج العدوى.
-
الحقن الهرمونية: مثل حقن الأنسولين أو الهرمونات الأخرى.
-
الحقن المغذية: التي تحتوي على الفيتامينات أو المعادن.
مذهب أهل العلم في حكم حقنة العضل
بينما لا توجد إجابة قاطعة على هذا السؤال في القرآن أو السنة، إلا أن علماء المسلمين تناولوا قضية تأثير الحقن العضلية على الصيام استنادًا إلى فهمهم لمفاهيم الصيام في الشريعة الإسلامية.
1. مذهب الحنفية
في مذهب الإمام أبو حنيفة، يعدّ الصيام فاسدًا إذا تم إدخال أي مادة عبر الجسم بشكل يختلف عن الطعام أو الشراب. لكن الحقن العضلية لا تدخل ضمن الطعام أو الشراب، لذلك غالبًا ما يفتون بأنها لا تفطر الصائم إذا كانت ليست مغذية. يعني أن الحقن التي تحتوي على مواد غير غذائية، مثل الأدوية العلاجية، لا تفسد الصيام. وبالتالي، تعتبر الحقنة العضلية في هذا المذهب غير مفطرة إذا كانت لأغراض علاجية.
2. مذهب المالكية
أما في مذهب الإمام مالك، فإن الحقن العضلية تدخل ضمن المفطرات إذا كانت تحتوي على مواد غذائية، ولكن إذا كانت تحتوي على مواد علاجية فقط، فإنها لا تفطر. في هذا المذهب، يكون التمييز بين الحقن المغذية وغير المغذية أمرًا مهمًا جدًا. على سبيل المثال، إذا كان الحقن يحتوي على سوائل تغذي الجسم مثل الفيتامينات أو المحاليل الغذائية، فإنه يفطر. أما إذا كانت تحتوي على أدوية معالجة، مثل المسكنات أو المضادات الحيوية، فلا يُعتبر ذلك مفطرًا.
3. مذهب الشافعية
أما في مذهب الإمام الشافعي، فإن الحقن العضلية لا تفطر الصائم، طالما أنها لم تكن طعامًا أو شرابًا. في هذا المذهب، يُشترط أن تكون المادة التي يتم حقنها لا تدخل إلى الجوف بشكلٍ يشابه الطعام أو الشراب. وبالتالي، إذا كانت المادة الدوائية ليست مغذية وتُعطى عن طريق الحقن العضلي، فإنها لا تُفسد الصيام.
4. مذهب الحنابلة
في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فإن الحقن العضلية التي تحتوي على مواد علاجية لا تُفطر الصائم. وبناءً على ذلك، في حال كانت الحقنة تحتوي على أدوية مسكنة أو مضادة للبكتيريا، فلا يُعتبر ذلك مفطرًا. أما إذا كانت الحقنة تحتوي على مواد مغذية أو سوائل تحاكي الطعام والشراب، فهي تعتبر مفطرة.
متى تكون الحقنة العضلية مفطرة؟
الحقن العضلية قد تكون مفطرة إذا احتوت على مواد مغذية تؤدي إلى تغذية الجسم بما يعادل الطعام أو الشراب. في هذه الحالة، تصبح الحقنة بمثابة تناول طعام أو شراب عن طريق غير الجوف. يمكن أن تشمل الحقن المغذية محاليل تحتوي على الجلوكوز أو الفيتامينات التي يتم امتصاصها مباشرة من خلال العضلات أو الدورة الدموية.
إذا كانت المادة التي تحتوي عليها الحقنة المغذية تدعم نشاط الجسم وتغذي الأنسجة بنفس الطريقة التي يفعلها الطعام، فإنها تُعتبر مفطرة. وعليه، يفضل أن يستشير الشخص المختص في حال كان مضطرًا للحقن أثناء صيامه في رمضان.
الحقن غير المغذية
إذا كانت الحقنة تحتوي على أدوية غير مغذية، مثل المسكنات أو المضادات الحيوية، فلا تعتبر مفطرة. هذا يشمل الحقن التي يتم استخدامها لعلاج الأمراض أو التخفيف من الألم، مثل حقن الأنسولين لمرضى السكري أو حقن المصل لعلاج التسمم. في هذه الحالات، لا تُعتبر الحقنة العضلية مفطرة لأن المادة المحقونة لا تغذي الجسم بشكل مباشر، ولا تعتبر بمثابة الطعام أو الشراب.
حكم الحقن الوريدية مقارنة بالحقن العضلية
الحقن الوريدية، والتي يتم من خلالها إدخال الأدوية مباشرة في الوريد، تثير أيضًا تساؤلات مشابهة للحقن العضلية. على الرغم من أنه يتم إدخال الأدوية بطريقة مختلفة، فإن الجواب بالنسبة لمعظم العلماء سيكون مشابهًا. إذا كانت الحقن تحتوي على مواد مغذية، فهي تفطر، ولكن إذا كانت تحتوي على أدوية علاجية، فهي لا تفطر. لذلك، الحكم الشرعي يعتمد بشكل كبير على محتوى الحقنة.
حكم حقن التغذية الوريدية في رمضان
تعتبر الحقن المغذية التي يتم إعطاؤها عن طريق الوريد (المعروفة بمصطلح التغذية الوريدية) أكثر إثارة للجدل في موضوع فطر الصيام. هذه الحقن تحتوي عادة على سوائل مغذية يتم امتصاصها مباشرة إلى الدم وتوفر العناصر الغذائية التي قد تكون مفقودة في الجسم، مثل الفيتامينات والمعادن والأملاح. إذا كانت هذه الحقن تستخدم كبديل للطعام والشراب، فهي تعتبر مفطرة وتفسد الصيام.
الخلاصة
في نهاية المطاف، يمكن القول أن حكم حقنة العضل في رمضان يعتمد بشكل أساسي على محتوى الحقنة نفسها. الحقن التي تحتوي على مواد مغذية (سواء كانت عبر العضل أو الوريد) هي مفطرة لأنها تُعتبر بمثابة الطعام والشراب. أما الحقن التي تحتوي على أدوية علاجية وغير مغذية، مثل المسكنات أو المضادات الحيوية، فلا تُفطر.
وعليه، ينبغي على المسلمين الذين يحتاجون إلى تناول الحقن العضلية أثناء فترة الصيام أن يستفسروا من العلماء المتخصصين في فقه الصيام، خاصة إذا كانت الحقن تحتوي على مواد مغذية.
