لا يمكن الحكم على جميع الشيعة بأنهم كفار، لأن الإيمان والكفر يعتمدان على المعتقدات والأعمال التي تُؤخذ على فردٍ فردٍ. وبالتالي، يمكن القول بوجود بعض الشيعة الذين قد يرتكبون أفعالاً أو يحملون معتقدات تجعلهم خارجين عن دائرة الإسلام، ولكن هذا لا يمكن تعميمه على جميع الشيعة. والأهم هو الاحترام والتعايش السلمي بين جميع المسلمين بغض النظر عن اختلاف الفقه والمذاهب.
مقدمة
تُعد مسألة تكفير الشيعة من القضايا الجدلية في الفكر الإسلامي، حيث تثير نقاشات واسعة بين العلماء المسلمين على مر العصور. يعكس هذا الجدل خلافات فكرية وعقدية وفقهية بين أهل السنة والجماعة من جهة، وأتباع المذهب الشيعي من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن الحكم بالكفر ليس أمراً بسيطاً، بل يخضع لمعايير شرعية محددة، تتطلب فهماً دقيقاً للمعتقدات الشيعية وللضوابط الشرعية التي وضعها العلماء في مسألة التكفير.
يتناول هذا المقال الطويل مسألة تكفير الشيعة من منظور علمي شرعي، من خلال تحليل العقائد الأساسية للشيعة، وموقف علماء الإسلام من هذه المسألة، واستعراض الأدلة الشرعية التي يستند إليها كل طرف في هذا النقاش. كما يناقش المقال مواقف العلماء التاريخيين والمعاصرين حول هذه القضية، بهدف تقديم رؤية متكاملة ومتوازنة.
الفصل الأول: تعريف الشيعة ونشأتهم التاريخية
1.1 تعريف الشيعة
الشيعة هم طائفة من المسلمين يعتقدون أن الخلافة بعد النبي محمد ﷺ يجب أن تكون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وذريته، ويستندون في ذلك إلى بعض النصوص والروايات التي يرون أنها تدعم هذا الموقف.
1.2 نشأة التشيع
يرجع أصل التشيع إلى الخلاف السياسي الذي نشأ بعد وفاة النبي ﷺ حول أحقية الخلافة. ومع مرور الزمن، تطور التشيع ليصبح مذهبًا دينيًا قائمًا بذاته، يتضمن عقائد وممارسات تميزه عن أهل السنة والجماعة.
1.3 الفرق الشيعية
يتفرع المذهب الشيعي إلى عدة فرق رئيسية، تختلف فيما بينها في بعض المعتقدات والتفاصيل الفقهية، ومن أبرز هذه الفرق:
- الشيعة الاثنا عشرية (الإمامية) وهم الأكثر انتشارًا.
- الزيدية وهم أقرب إلى أهل السنة في بعض المسائل.
- الإسماعيلية ولهم معتقدات خاصة بهم تختلف عن باقي الفرق الشيعية.
الفصل الثاني: عقائد الشيعة ومدى مطابقتها للإسلام
لكي نحدد هل الشيعة كفار أم لا، لا بد من دراسة عقائدهم، ومقارنتها بما يعتبره أهل السنة والجماعة من أصول الإسلام.
2.1 التوحيد عند الشيعة
يؤمن الشيعة بالله عز وجل، ولكن بعض العلماء يعترضون على بعض الممارسات التي يقوم بها بعض الشيعة، مثل طلب الشفاعة من الأئمة، والتي قد يُنظر إليها على أنها نوع من الغلو.
2.2 الإمامة وعصمة الأئمة
يعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الأئمة معصومون من الخطأ، وهذا يخالف عقيدة أهل السنة، الذين يرون أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء.
2.3 الموقف من الصحابة
توجد آراء متباينة داخل المذهب الشيعي تجاه الصحابة، حيث تميل بعض الطوائف الشيعية إلى الطعن في بعض الصحابة، بينما تعترف طوائف أخرى بفضلهم. وهذا من أكثر القضايا إثارة للجدل بين السنة والشيعة.
2.4 القرآن عند الشيعة
يؤمن معظم الشيعة بأن القرآن محفوظ ولم يُحرّف، لكن توجد روايات ضعيفة عند بعض العلماء تشير إلى التحريف، وهي محل رفض من جمهور علماء الشيعة والسنة.
الفصل الثالث: موقف علماء السنة من الشيعة
تعددت آراء العلماء السنة عبر التاريخ حول الشيعة، ومن أبرز هذه الآراء:
- التفريق بين الشيعة البسطاء وعلمائهم
- يرى بعض العلماء أن عامة الشيعة لا يقع عليهم حكم الكفر، بينما بعض عقائد علمائهم قد تصل إلى الكفر.
- الفرق بين الزيدية والاثنا عشرية والإسماعيلية
- كثير من علماء السنة يعتبرون الزيدية أقرب إلى السنة، بينما يتشددون في الحكم على الإسماعيلية.
- الإجماع على تكفير بعض الفرق الغالية
- مثل غلاة الشيعة الذين يؤلهون عليًا أو يدعون علم الغيب للأئمة.
الفصل الرابع: قواعد وضوابط التكفير في الإسلام
4.1 تعريف الكفر في الإسلام
يعرف الكفر بأنه إنكار أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكن هذا التعريف ليس كافيًا للحكم على طائفة بأكملها.
4.2 شروط التكفير
يضع العلماء عدة شروط للتكفير، مثل:
- العلم: أن يكون الشخص على علم بالحكم الشرعي.
- النية والقصد: أن يكون الكفر عن قصد، وليس خطأ أو جهلاً.
- الإعذار بالجهل: البعض يرى أن بعض العوام قد يُعذرون بجهلهم.
الفصل الخامس: الموقف المعاصر من تكفير الشيعة
مع تطور العصر الحديث، اختلفت مواقف العلماء تجاه الشيعة، حيث رأى بعضهم ضرورة التركيز على الوحدة الإسلامية، بينما استمر آخرون في التشديد على الاختلافات العقائدية.
- المنادون بالتقارب بين السنة والشيعة:
- يركزون على المشتركات مثل الإيمان بالله ونبوة محمد ﷺ.
- يدعون إلى الحوار ونبذ التكفير.
- الرافضون للتقارب:
- يستندون إلى الاختلافات العقائدية العميقة بين الطرفين.
- يرفضون الممارسات التي يعتبرونها بدعًا أو شركيات.
الخاتمة
تُعتبر مسألة تكفير الشيعة من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى دراسة متأنية وفقًا للضوابط الشرعية. فليس كل الشيعة كفارًا بإطلاق، كما أن هناك فرقًا بين عوامهم وعلمائهم، وبين فرقهم المختلفة. ومن المهم النظر إلى هذه القضية بعين العدل والإنصاف، والابتعاد عن التعصب والتسرع في الأحكام، مع التركيز على دعوة الجميع إلى الإسلام الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة.
المصادر والمراجع
- ابن تيمية، “منهاج السنة النبوية”.
- الذهبي، “سير أعلام النبلاء”.
- القاضي عياض، “الشفا بتعريف حقوق المصطفى”.
