نمو الجنين في بطن الأم

كيف ينمو الجنين في بطن أمه؟

تعد فترة الحمل من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان، فهي فترة معقدة ومثيرة حيث يتم فيها تكوين حياة جديدة. إن نمو الجنين في بطن أمه هو عملية دقيقة ومعقدة تبدأ منذ لحظة التخصيب وتستمر لمدة تسعة أشهر. خلال هذه الأشهر، يمر الجنين بتطورات جسدية وعصبية هائلة، وهو ما سنقوم بشرحه بالتفصيل في هذا المقال.

1. المرحلة الأولى: التخصيب والانقسام الخلوي

يبدأ النمو الجنيني في لحظة حدوث التخصيب، حيث يلتقي الحيوان المنوي مع البويضة في قناة فالوب. يتم تشكيل خلية واحدة تسمى “الزيجوت”، التي تحتوي على مجموعة كاملة من 46 كروموسومًا (23 من الأب و23 من الأم). هذه الخلية تبدأ في الانقسام بسرعة، لتشكل مجموعة من الخلايا التي تتكاثر بشكل متسارع.

في الأيام الأولى بعد التخصيب، يبدأ الزيجوت في الانتقال من قناة فالوب إلى الرحم. عند الوصول إلى الرحم، يتكون ما يسمى بـ “الكرة المكدسة” أو “التوتة” وهي عبارة عن مجموعة من الخلايا التي تبدأ في الانقسام والتمييز. وبعد ذلك، تبدأ هذه الكتلة من الخلايا في التعلق بجدار الرحم حيث يتم تكوين المشيمة.

2. المرحلة الثانية: تكون الأعضاء الأساسية

في الأسبوع الثالث من الحمل، تبدأ التغيرات الكبيرة في تشكيل الأنسجة والأعضاء الأساسية. هذا يحدث خلال فترة تُسمى “التنمية الجنينية”. في هذه المرحلة، تتشكل ثلاثة طبقات رئيسية من الأنسجة التي ستتطور لاحقًا لتصبح الأعضاء المختلفة في الجسم:

• الطبقة الخارجية (الطبقة الخارجية الجنينية): ستصبح الجلد والجهاز العصبي بما في ذلك الدماغ والحبل الشوكي.

• الطبقة الوسطى (الطبقة الوسطى الجنينية): ستصبح العظام والعضلات والجهاز القلبي الوعائي.

• الطبقة الداخلية (الطبقة الداخلية الجنينية): ستصبح الأعضاء الداخلية مثل الرئتين والجهاز الهضمي.

في هذه المرحلة، يبدأ القلب في التكوين ويبدأ في الخفقان. قد لا يكون هذا الخفقان محسوسًا بعد، لكنه يمثل بداية تطور جهاز الدورة الدموية. بعد الأسابيع الثلاثة، يكون الجنين قد بدأ في الحصول على شكل يشبه الشكل البشري، بالرغم من أنه لا يزال صغيرًا جدًا.

3. المرحلة الثالثة: تطور الأعضاء الخارجية وتشكيل الهيكل العظمي

بحلول نهاية الشهر الأول، يكون الجنين قد تطور بشكل ملحوظ. في هذه المرحلة، تكون الأعضاء الرئيسية قد بدأت في الظهور، بما في ذلك الأذنين والعينين والمرفقين والكاحلين. في هذا الوقت أيضًا، يظهر الجهاز العصبي بشكل أساسي، وتبدأ الأطراف في التكون مع ظهور أصابع اليدين والقدمين.

من الأسابيع 5 إلى 8، تبدأ العظام في التكوين وتحل محل الغضاريف في مناطق مختلفة من الجنين. هذه المرحلة تعد حاسمة في تشكيل الهيكل العظمي حيث تتكون عظام الفخذ والذراع واليدين. على الرغم من أن الجنين يكون لا يزال صغير الحجم (حوالي 2-3 سم)، فإنه يمتلك بالفعل ملامح بشريّة واضحة.

خلال هذه الفترة، يبدأ الجهاز العصبي في تطوير وظائفه، وتبدأ العيون في التكوين، على الرغم من أنها تكون غير قادرة على الرؤية في هذه المرحلة. أما الأذنان، فيبدأان في التشكيل في مكانهما الصحيح على جانبي الرأس، وتبدأ حركة الأطراف في التزايد تدريجيًا.

4. المرحلة الرابعة: النمو السريع وتشكيل الأنسجة

من الشهر الثالث إلى الشهر السادس، ينمو الجنين بسرعة، ويبدأ في اكتساب حجم أكبر. تبدأ الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى في العمل بشكل فعال. في هذه المرحلة، يبدأ الجنين في تحريك أطرافه بشكل أكبر ويمكن للأم أن تشعر بتلك الحركات في وقت لاحق من هذه المرحلة. تطور الجهاز العصبي يعزز من قدرة الجنين على التفاعل مع المحيط، ولكن حركاته لا تكون إرادية بعد.

بحلول الشهر الرابع، تصبح الأعضاء التناسلية مميزة بما يكفي لتحديد جنس الجنين. في هذه الفترة أيضًا، يبدأ الشعر في النمو على الجنين، ويبدأ الجلد في تشكيل طبقات متعددة. في هذا الوقت، تتطور الرئتين أيضًا، على الرغم من أنها لا تزال غير قادرة على العمل بشكل كامل.

5. المرحلة الخامسة: اكتمال الأعضاء الداخلية

في الشهر السادس، تكون معظم الأعضاء الحيوية قد اكتملت، ولكنها لا تزال في مرحلة التطور والتعديل. يستطيع الجنين الآن تحريك رأسه وأطرافه بشكل أكثر تنسيقًا. يبدأ الجنين في فتح فمه وتحريكه، وفي بعض الحالات، يمكن للأم أن تشعر بحركة الجنين بشكل أكثر وضوحًا.

أحد التطورات الهامة في هذه المرحلة هو قدرة الجنين على السمع، حيث تبدأ الأذن في العمل بشكل فعّال. يمكن للجنين أن يسمع الأصوات من البيئة الخارجية مثل صوت الأم وأصوات الأجهزة داخل الرحم. تتطور أيضًا ملامح الوجه بشكل أكبر، مثل الحاجبين والرموش.

6. المرحلة السادسة: تحسن وظائف الأعضاء

بحلول الشهر السابع، يبدأ الجنين في اكتساب المزيد من الوزن والدهون التي تساعده على النمو بشكل أسرع. تكمل الأعضاء الداخلية تطورها، ولكن لا يزال الجنين يحتاج إلى المزيد من الوقت حتى يصبح قادرًا على الحياة خارج الرحم. في هذه المرحلة، تكون الرئتين غير مكتملتين تمامًا، مما يجعل التنفس بعد الولادة أمرًا صعبًا بالنسبة للجنين إذا وُلد مبكرًا.

يبدأ الجنين في التفاعل بشكل أكبر مع البيئة الداخلية للرحم، من خلال تحريك يديه وقدميه والاستجابة للأصوات والضوء. تستمر حركاته في النمو، ويمكن للأم أن تشعر بها بوضوح أكبر.

7. المرحلة السابعة: استعدادات للولادة

مع اقتراب نهاية الحمل، يكون الجنين قد نضج بالكامل تقريبًا. في الشهر الثامن، يبدأ الجنين في التحضير للولادة، حيث ينمو بشكل أكبر ويكتسب وزنًا إضافيًا. بحلول الشهر التاسع، يتكون الجنين بشكل كامل، ويكون جاهزًا تقريبًا للولادة. يكتسب الجنين المزيد من الدهون التي تساعده في تنظيم درجة حرارته بعد الولادة.

في الأسابيع الأخيرة، يبدأ الجنين في النزول إلى أسفل الرحم استعدادًا للولادة. في هذه الفترة، يكتمل نمو الأظافر والشعر ويكون الجنين في شكل كامل مع جميع الأعضاء الحيوية التي تعمل بشكل جيد.

خاتمة

يمثل نمو الجنين في بطن أمه عملية معقدة ومتسارعة، تتضمن تطورًا مستمرًا للأعضاء الداخلية والخارجية والجهاز العصبي. هذا التطور يشمل مراحل متعددة من التكوين والتعديل حتى يكتمل في النهاية ليصبح جنينًا مكتمل النمو وقادرًا على الحياة في العالم الخارجي.