نقص فيتامين د وتساقط الشعر

تأثير نقص فيتامين د على الشعر

يُعد فيتامين د أحد العناصر الغذائية الأساسية التي تؤدي أدوارًا متعددة داخل الجسم، ويتجاوز تأثيره مجرد دعم صحة العظام. ففي السنوات الأخيرة، اتجهت الأبحاث العلمية إلى كشف العلاقة بين هذا الفيتامين وحالة الشعر، خاصة تساقطه وجودته. إن نقص فيتامين د لم يعد مشكلة مقتصرة على صحة العظام أو المناعة، بل أصبح مرتبطًا بشكل وثيق بصحة الجلد وفروة الرأس ونمو الشعر. وفي هذا السياق، فإن تناول موضوع تأثير نقص فيتامين د على الشعر يستوجب دراسة علمية موسعة وشاملة توضح الآليات البيولوجية، الأعراض المرتبطة بالنقص، الفئات الأكثر عرضة، وأساليب الوقاية والعلاج.

أهمية فيتامين د في الجسم

فيتامين د هو هرمون ستيرويدي يتم إنتاجه في الجلد عند التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية من النوع B (UVB). كما يمكن الحصول عليه من خلال الأغذية الغنية به مثل الأسماك الدهنية ومنتجات الألبان المدعمة والمكملات الغذائية. ويؤدي هذا الفيتامين أدوارًا مهمة منها:

• تنظيم امتصاص الكالسيوم والفوسفور مما يعزز صحة العظام والأسنان.

• تعزيز وظائف الجهاز المناعي والوقاية من الالتهابات.

• المشاركة في تنظيم النمو الخلوي والتمايز.

• التأثير على الغدد الصماء والمزاج العصبي.

وقد أظهرت الدراسات أن خلايا الشعر وفروة الرأس تحتوي على مستقبلات خاصة بفيتامين د، مما يربط هذا الفيتامين بشكل مباشر بصحة الشعر.

الشعر ودورة النمو الطبيعية

يمر الشعر بثلاث مراحل رئيسية في دورة حياته:

1. مرحلة النمو (Anagen): وهي المرحلة الأطول حيث ينمو الشعر بنشاط.

2. مرحلة التراجع (Catagen): مرحلة قصيرة يحدث فيها توقف لنمو الشعر.

3. مرحلة الراحة (Telogen): يتساقط فيها الشعر استعدادًا لدورة جديدة.

أي خلل في التوازن الهرموني أو نقص في العناصر الغذائية مثل فيتامين د قد يؤدي إلى دخول عدد أكبر من الشعيرات في مرحلة التراجع أو الراحة، مما يؤدي إلى تساقط الشعر وزيادة الفراغات في فروة الرأس.

الآليات البيولوجية التي تربط نقص فيتامين د بتساقط الشعر

تُظهر الأبحاث أن نقص فيتامين د يؤثر في مراحل نمو الشعر من خلال عدة آليات، أهمها:

• التأثير على بصيلات الشعر: حيث توجد مستقبلات لفيتامين د في بصيلات الشعر، وهي ضرورية لتفعيل عملية النمو. عند نقص الفيتامين، تُصاب البصيلات بالخمول أو تتوقف عن إنتاج الشعر.

• زيادة الالتهابات في فروة الرأس: يلعب فيتامين د دورًا مضادًا للالتهاب، ونقصه قد يعزز من استجابات التهابية في فروة الرأس تؤثر سلبًا على صحة البصيلات.

• الإجهاد التأكسدي: يرتبط انخفاض فيتامين د بارتفاع مستويات الجذور الحرة، التي تسبب تلف الخلايا بما فيها خلايا الجلد وفروة الرأس.

• الخلل المناعي: يؤدي نقص فيتامين د إلى ضعف الجهاز المناعي الذاتي، وهو عامل مرتبط بأمراض مثل الثعلبة البقعية (Alopecia Areata)، والتي تسبب تساقط الشعر على شكل بقع دائرية.

أنواع تساقط الشعر المرتبطة بنقص فيتامين د

1. الثعلبة البقعية
   
   تُعتبر من أبرز أنواع تساقط الشعر المرتبطة مباشرة بنقص فيتامين د. في هذه الحالة، يهاجم الجهاز المناعي بصيلات الشعر مسببًا تساقطًا في بقع صغيرة ومستديرة. وقد أظهرت الدراسات أن مرضى الثعلبة غالبًا ما يكون لديهم مستويات منخفضة من فيتامين د مقارنة بالأشخاص الأصحاء.

2. تساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium)
   
   وهي حالة مؤقتة يكون فيها الشعر في مرحلة الراحة بصورة جماعية، ويحدث التساقط بكثافة. هذه الحالة قد تُثار بسبب التوتر النفسي، الحمل، العمليات الجراحية، أو نقص فيتامينات مثل فيتامين د.

3. ضعف جودة الشعر
   
   لا يتجلى تأثير نقص فيتامين د فقط في تساقط الشعر، بل أيضًا في تغير ملمسه ومظهره. يصبح الشعر ضعيفًا، هشًا، وأكثر عرضة للتقصف والتكسر، مما يعطي مظهرًا عامًا غير صحي.

الفئات الأكثر عرضة لنقص فيتامين د وتساقط الشعر

تشخيص نقص فيتامين د

يتم التشخيص من خلال فحص دم لقياس مستوى 25-هيدروكسي فيتامين د، وتُصنَّف النتائج كما يلي:

• أقل من 20 نانوغرام/مل: نقص شديد.

• من 20–30 نانوغرام/مل: نقص معتدل.

• أكثر من 30 نانوغرام/مل: طبيعي.

• أكثر من 100 نانوغرام/مل: قد يكون سامًا.

ويُنصح بإجراء الفحص خصوصًا لدى من يعانون من تساقط شعر مزمن أو مفاجئ غير مفسر.

علاج تساقط الشعر الناتج عن نقص فيتامين د

1. المكملات الغذائية

• يُعتبر العلاج الأساسي هو تعويض النقص عن طريق تناول مكملات فيتامين د3 (Cholecalciferol) بجرعات يحددها الطبيب.

• في حالات النقص الشديد، قد تصل الجرعة إلى 50,000 وحدة دولية أسبوعيًا لمدة 6–8 أسابيع، ثم جرعة صيانة بمعدل 1000–2000 وحدة يوميًا.

2. التعرض للشمس

• يُنصح بالتعرض المباشر لأشعة الشمس من 10 إلى 30 دقيقة مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا، خاصة في ساعات الصباح الباكر أو بعد العصر.

3. نظام غذائي متوازن

• إدخال أطعمة غنية بفيتامين د مثل السلمون، التونة، صفار البيض، والكبد، بالإضافة إلى الحليب المدعّم.

4. العناية الموضعية بفروة الرأس

• استخدام منتجات تحتوي على فيتامين د أو مركبات داعمة لنمو الشعر كالمينوكسيديل.

• تدليك فروة الرأس لتحفيز الدورة الدموية.

الوقاية والاستدامة في الحفاظ على صحة الشعر

• الاستمرار في فحص مستويات الفيتامين كل 6 أشهر لدى الفئات الأكثر عرضة.

• المحافظة على نمط حياة متوازن يتضمن الراحة النفسية والنوم الجيد والتغذية السليمة.

• الابتعاد عن المنتجات الكيميائية القاسية على فروة الرأس، والتي قد تفاقم حالة التساقط الناتجة عن النقص الغذائي.

دراسات علمية حديثة تدعم الارتباط

• أشارت دراسة نُشرت في Dermatology and Therapy عام 2019 إلى أن الأشخاص المصابين بالثعلبة البقعية يعانون في الغالب من مستويات منخفضة من فيتامين د، مما يُعزز فرضية أن هذا النقص ليس عرضًا مرافقًا بل عاملًا محفزًا لتساقط الشعر.

• دراسة أخرى نُشرت في Skin Pharmacology and Physiology أظهرت أن فيتامين د يعمل كعامل منظم لمرحلة النمو في دورة حياة الشعر من خلال تأثيره على مستقبلات معينة في بصيلات الشعر.

الجدول: مصادر فيتامين د الطبيعية

الخلاصة

يتجاوز دور فيتامين د في الجسم كونه عنصرًا داعمًا للعظام والمناعة، ليمتد تأثيره إلى فروة الرأس وصحة الشعر بشكل دقيق ومعقد. وقد أظهرت الأدلة العلمية أن نقص هذا الفيتامين يؤدي إلى أنواع مختلفة من تساقط الشعر، بالإضافة إلى ضعف ملمسه وجودته. تكمن الخطوة الأساسية في مواجهة هذه المشكلة في التشخيص المبكر والعلاج المناسب، سواء من خلال المكملات أو التعديلات الغذائية ونمط الحياة. إن الفهم الشامل لعلاقة فيتامين د بالشعر من شأنه أن يحسّن فرص الوقاية والعلاج بشكل مستدام.

المراجع

1. Holick, M. F. (2007). Vitamin D Deficiency. New England Journal of Medicine, 357(3), 266–281.

2. Rasheed, H., Mahgoub, D., Hegazy, R., El-Komy, M., Abdel Hay, R., Hamid, M. A., & Abdel H