نقص فيتامين د عند الرجال

نقص فيتامين د عند الرجال

يُعد فيتامين د أحد العناصر الحيوية الضرورية لصحة الإنسان، حيث يؤدي دورًا محوريًا في تنظيم امتصاص الكالسيوم والفوسفور، ودعم الجهاز المناعي، والحفاظ على صحة العظام والعضلات. وعلى الرغم من أن نقص هذا الفيتامين يعد مشكلة صحية عالمية تؤثر على كلا الجنسين، فإن تأثيراته لدى الرجال تتخذ أبعادًا فسيولوجية ونفسية مميزة، نظرًا لتركيبة أجسامهم، واحتياجاتهم البيولوجية، وأنماط حياتهم المختلفة.

فيتامين د هو فيتامين قابل للذوبان في الدهون، ويُنتج بشكل رئيسي في الجلد عند التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية من النوع B، كما يمكن الحصول عليه من خلال بعض الأطعمة أو المكملات الغذائية. لكن مع انتشار نمط الحياة الحضرية، وزيادة فترات البقاء في الأماكن المغلقة، وتطبيق كريمات الوقاية من الشمس، انخفض التعرض الفعلي لأشعة الشمس، مما أدى إلى تفشي نقص هذا الفيتامين.

أهمية فيتامين د لصحة الرجال

يؤثر فيتامين د في عدد من الجوانب الأساسية لصحة الرجال، ومن أبرزها:

1. صحة العظام والعضلات

يلعب فيتامين د دورًا جوهريًا في الحفاظ على توازن الكالسيوم داخل الجسم، مما يقي من الإصابة بمرض هشاشة العظام، الذي وإن كان أكثر شيوعًا بين النساء، إلا أن له تأثيرات خطيرة على الرجال خصوصًا بعد سن الخمسين. كما يُساهم فيتامين د في دعم الأداء العضلي، وتقليل فرص السقوط والكسور.

2. تعزيز مستويات التستوستيرون

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن لفيتامين د دورًا في تنظيم الهرمونات الذكرية، وأهمها هرمون التستوستيرون. انخفاض مستويات هذا الهرمون يؤدي إلى انخفاض في الرغبة الجنسية، وضعف الانتصاب، وفقدان الكتلة العضلية، وزيادة الدهون في الجسم، وضعف الطاقة العامة.

3. دعم المناعة

يساهم فيتامين د في تحفيز الجهاز المناعي الذاتي، ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض الالتهابية والمناعية، مثل التهابات الجهاز التنفسي العلوي، وأمراض القلب، وبعض أنواع السرطان.

4. التأثير النفسي والمزاجي

نقص فيتامين د يرتبط بظهور أعراض الاكتئاب، والتقلبات المزاجية، وانخفاض الشعور بالطاقة والتركيز. وقد بينت الدراسات وجود علاقة وثيقة بين انخفاض هذا الفيتامين وازدياد نسب الاكتئاب لدى الرجال، خاصة في الفصول الباردة.

أسباب نقص فيتامين د عند الرجال

1. قلة التعرض للشمس

السبب الأكثر شيوعًا هو عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس. الرجال الذين يقضون أغلب أوقاتهم داخل المكاتب أو البيئات المغلقة، أو الذين يرتدون ملابس تغطي معظم أجسادهم، يكونون أكثر عرضة لنقص الفيتامين.

2. لون البشرة الداكن

الأفراد ذوو البشرة الداكنة لديهم نسبة أعلى من صبغة الميلانين، التي تعمل كحاجز طبيعي ضد الأشعة فوق البنفسجية، مما يقلل من قدرة الجسم على تصنيع فيتامين د.

3. النظام الغذائي الفقير

قلة تناول الأطعمة الغنية بفيتامين د مثل الأسماك الدهنية، والكبد، وصفار البيض، والأطعمة المدعّمة، يؤدي إلى انخفاض مستوياته في الجسم.

4. السمنة

يُخزن فيتامين د في الدهون، ما يجعل الأشخاص ذوي الوزن الزائد أكثر عرضة لنقصه، لأن الفيتامين يصبح محجوزًا داخل الأنسجة الدهنية ويصعب استخدامه.

5. أمراض الجهاز الهضمي

مثل مرض كرون، أو حساسية القمح، أو متلازمة الأمعاء القصيرة، حيث تقل قدرة الجسم على امتصاص الدهون والفيتامينات القابلة للذوبان فيها، ومنها فيتامين د.

6. التقدم في السن

مع التقدم في العمر، تقل قدرة الجلد على تصنيع فيتامين د، ويزداد الاعتماد على مصادر أخرى مثل النظام الغذائي والمكملات.

أعراض نقص فيتامين د عند الرجال

نقص فيتامين د لا يظهر دائمًا بأعراض واضحة في مراحله الأولى، لكنه قد يتطور مع الوقت مسببًا علامات سريرية تشمل:

• آلام مزمنة في العظام والعضلات

• ضعف العضلات وتشنجاتها

• الشعور الدائم بالإرهاق

• انخفاض القدرة الجنسية

• تقلبات مزاجية واكتئاب

• بطء التئام الجروح

• ضعف المناعة وتكرار الإصابة بالعدوى

• مشاكل في التركيز والانتباه

• زيادة الوزن وصعوبة فقدانه

• تدهور الأداء الرياضي والبدني

تشخيص نقص فيتامين د

يعتمد تشخيص نقص فيتامين د على قياس تركيزه في الدم، ويُقاس عادة بمستوى “25-هيدروكسي فيتامين D”. وتُصنَّف النتائج كما يلي:

مضاعفات نقص فيتامين د عند الرجال

في حال استمر نقص فيتامين د لفترة طويلة دون علاج، فقد تظهر مضاعفات صحية خطيرة تؤثر على نوعية الحياة، ومنها:

• هشاشة العظام والكسور المتكررة

• لين العظام (osteomalacia)

• ضعف الأداء الجنسي وتراجع الخصوبة

• مشاكل في القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم

• اضطرابات مناعية مزمنة

• تدهور الصحة النفسية وزيادة خطر الاكتئاب والقلق

• الإصابة ببعض أنواع السرطان، خاصة سرطان البروستاتا

علاج نقص فيتامين د عند الرجال

يتضمن علاج نقص فيتامين د خطة متعددة الجوانب، تبدأ بالتشخيص الصحيح وتنتهي بالوقاية المستمرة:

1. التعرض للشمس

ينصح بالتعرض لأشعة الشمس المباشرة لمدة تتراوح بين 15 إلى 30 دقيقة يوميًا، مع تعريض أكبر مساحة ممكنة من الجلد، ويفضل في ساعات الصباح أو قبل الغروب لتقليل خطر الإصابة بحروق الشمس.

2. تحسين النظام الغذائي

ينبغي التركيز على الأطعمة الغنية بفيتامين د، مثل:

• سمك السلمون والسردين والتونة

• الكبد البقري

• صفار البيض

• منتجات الألبان المدعّمة

• عصير البرتقال المدعّم

• الفطر (خاصة الأنواع التي تتعرض للأشعة فوق البنفسجية)

3. تناول المكملات الغذائية

تُستخدم المكملات بشكل شائع لعلاج الحالات المتوسطة والشديدة، وقد تكون على شكل كبسولات، أو نقاط، أو حقن. وتُحدَّد الجرعة حسب شدة النقص والعمر والوزن، وغالبًا ما تتراوح الجرعات العلاجية بين 1000 إلى 5000 وحدة دولية يوميًا، أو جرعات أسبوعية كبيرة تصل إلى 50,000 وحدة دولية.

4. متابعة مستويات فيتامين د

يجب إعادة التحليل بعد مرور 8 إلى 12 أسبوعًا من بدء العلاج لتقييم فعالية الخطة العلاجية وتجنب الجرعة الزائدة.

5. علاج الأسباب الثانوية

ينبغي أيضًا معالجة الأسباب المرضية التي قد تعيق امتصاص الفيتامين، مثل أمراض الكبد، أو الكلى، أو الأمعاء.

الوقاية من نقص فيتامين د

تُعد الوقاية أكثر فعالية وأمانًا من العلاج، ويمكن تحقيقها من خلال اتباع النصائح التالية:

• تنظيم التعرض للشمس يوميًا

• ممارسة الرياضة في الهواء الطلق

• تناول أطعمة طبيعية مدعّمة بفيتامين د

• فحص دوري لمستويات فيتامين د خاصة في فصل الشتاء أو عند ظهور الأعراض

• الانتباه إلى الصحة العامة ومؤشرات نقص الفيتامينات

• تجنب الحميات الغذائية القاسية أو غير المتوازنة

الفئات الأكثر عرضة لنقص فيتامين د من الرجال

• العاملون في المكاتب والمصانع المغلقة

• الرياضيون الذين يتبعون أنظمة غذائية قاسية

• الرجال فوق سن الخمسين

• المصابون بالسمنة أو أمراض الجهاز الهضمي

• أصحاب البشرة الداكنة في البيئات قليلة الشمس

• المصابون بأمراض الكبد أو الكلى المزمنة

علاقة نقص فيتامين د بالصحة الجنسية لدى الرجال

أظهرت دراسات متعددة وجود علاقة واضحة بين نقص فيتامين د واضطرابات الانتصاب، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية، وضعف الرغبة الجنسية. ويُعتقد أن ذلك يعود إلى تأثير الفيتامين على مستوى التستوستيرون، وعلى الأوعية الدموية التي تغذي الأعضاء التناسلية، وعلى الصحة النفسية العامة.

خاتمة علمية

نقص فيتامين د يُعد من الاضطرابات الشائعة التي لا تُمنح ما يكفي من الاهتمام، رغم تداعياتها الخطيرة على صحة الرجال الجسدية والنفسية والهرمونية. ولأن الفيتامين لا يُخزّن بكميات كبيرة في الجسم، فإن الاعتماد على الوقاية والكشف المبكر والتدخل الغذائي والدوائي المناسب يشكل الركيزة الأساسية للحفاظ على توازنه.

المعرفة بمستوى فيتامين د في الجسم يجب أن تكون من أولويات الرعاية الصحية للرجال، لا سيما أولئك المعرضين للعوامل المؤدية لنقصه، لما له من تأثير شمولي على الحياة اليومية والأداء البدني والعقلي والجنسي.

المصادر العلمية:

1. Holick, M. F. (2007). Vitamin D deficiency. New England Journal of Medicine, 357(3), 266–281.

2. Pilz, S., März, W., & Tomaschitz, A. (2011). Vitamin D, testosterone and male fertility. Asian Journal of Andrology, 13(5), 731–732.