“نقد العقل العلماني: دراسة مقارنة لفكر زيغمونت باومان وعبد الوهاب المسيري” هو عمل فلسفي ممتاز يستحق الاهتمام، يقدمه الكاتب حجّاج أبو جبر، الذي قدّم فيه تحليلاً مقارناً دقيقاً بين منهجيتين فلسفيتين بارزتين في الفهم والتقدير لمفهوم العقل العلماني. ترتكز الدراسة على مقارنة بين عبد الوهاب المسيري، الفيلسوف المغربي البارز الذي اشتهر بنقده للعقل العلماني وأسسه المعرفية في السياق الثقافي الغربي، وزيغمونت باومان، أحد أبرز علماء الاجتماع والفلاسفة في العصر الحديث.
تتجلى قيمة هذا العمل في استعراضه المتأني للآراء والفلسفات المختلفة لكل من المسيري وباومان، حيث يركز الكاتب على فهم عميق للمفاهيم التي يطرحها كلا الفيلسوفين وتحليل مضامين أفكارهما بدقة. بالإضافة إلى ذلك، يتجلى التميز في هذا الكتاب في قدرته على استحضار النقاط المشتركة والاختلافات بين منهجيتي المسيري وباومان، وتسليط الضوء على الأبعاد الفلسفية والثقافية لكل منهما.
علاوة على ذلك، يبرز الكتاب في تقديمه لمنهجية البحث التفصيلية والشاملة التي اعتمدها الكاتب في استعراض الأفكار والمفاهيم المتعلقة بالعقل العلماني، مما يسهم في إثراء النقاش الفلسفي والثقافي حول هذا الموضوع المعقد. ولا يقتصر دور هذا الكتاب على توفير تحليل نقدي للفكر العلماني، بل يسعى أيضًا إلى تقديم رؤية متوازنة وشاملة تلقي الضوء على تفاعل الفلسفة الغربية مع الفكر الإسلامي والثقافة العربية بصفة عامة.
من جانب البنية والتقديم، يتمتع الكتاب بتنظيم متقن وسلس في عرض المعلومات والأفكار، ويتضمن مجموعة من الأمثلة والاستنتاجات التي تسهم في توضيح وتوثيق الفكر المطروح. ومع وجود تركيز واضح على الأبعاد الفلسفية، يتيح الكتاب أيضًا للقارئ فهم أعمق للتحولات الفكرية والثقافية التي شهدها العالم العربي والغربي في مفهوم العقل ومكانته في المجتمع المعاصر.
بشكل عام، يعد “نقد العقل العلماني: دراسة مقارنة لفكر زيغمونت باومان وعبد الوهاب المسيري” إسهامًا قيمًا ومتميزًا في البحث الفلسفي، ويمثل مرجعاً هاماً للدارسين والمهتمين بالفلسفة الغربية والفكر الإسلامي، وكذلك لكل من يسعى إلى فهم أعمق لمفهوم العقل وتطوره في العصر الحديث.