في العدد السادس لخريف عام 2011 من مجلة “نقد”، التي تمثل إحدى المنابر الأدبية الرائدة، تتجلى جهود مجموعة من الكتّاب والنقاد العرب الذين يسعون إلى تقديم تحليلات نقدية عميقة لتجارب شعرية محددة، بما يشكل إسهامًا مهمًا في مجال النقد الأدبي العربي المعاصر.
تعد مجلة “نقد” منبرًا ثقافيًا ناشئًا، حيث أثارت منذ بدايتها في عام 2007 العديد من الجدليات، ومن بينها جدل حول فكرة تخصيص كل عدد لتجربة شاعر واحد. وإن كانت هذه الفكرة قد واجهت اعتراضات بسبب طابعها الشبه أرشيفي، إلا أنها، مع كل عدد جديد، ازدادت توضح وتتبلور كمنبر لحوار نقدي يرافق تطور الشعر العربي الحديث.
بعد فترة توقف قسري دامت لأكثر من ثلاث سنوات، عادت مجلة “نقد” للصدور، إعادة الانخراط في حوارها مع الأدب العربي. تعتبر عودتها نتاجًا لفهم أعمق للدور الثقافي الذي ينبغي للمجلات الأدبية أداؤه، وتعبيرًا عن رؤية نضجت حول كيفية تسيير مثل هذه المجلات، بتواضع قد يكون غائبًا في بدايتها.
تتطرق المجلة في عددها السادس إلى مسألة أساسية، وهي المساهمة في تشكيل الحركة الحديثة للقصيدة العربية من خلال تنظيم الحراك النقدي في سياق تأريخي دقيق. يتجلى هذا في الاهتمام بمراجعة الدورة التاريخية للشعر العربي واستخلاص العبر منها.
وفي إطار النظرة الأمثل للمستقبل، يتعين أن ندرك أن المهمة التي تنتظر المجلة في الإنطلاقة الثانية هي أكثر صعوبة، نظرًا لعدم وجود حركة نقدية عربية تستوفي الشروط التاريخية لتحمل عبء الدور المركزي. ومن هنا يبرز أهمية وجود مجلة متخصصة تسهم في تراكم الخبرات، وتسهم في بناء قاعدة لحركة نقدية مستقبلية تدرك أن النقد ليس مجرد جزء من تاريخ الأدب، بل هو أحد صانعي هذا التاريخ.
إن الغلاف العادي الذي يُظهر للقارئ عنوان العدد والمعلومات الأساسية يعكس توجه المجلة نحو التواضع، رغم الرؤية النضجة التي تبنتها. ومع تصاعد الاهتمام بالنقد الحي والابتعاد عن الدراسات المدرسية الجامدة التي قد تكونت في بادئ الأمر، تظهر مجلة “نقد” وكأنها تسعى لتحقيق توازن بين التوجيهات النقدية والتواصل الحي مع الشعر العربي الحديث.
بهذا العدد الذي يضم 112 صفحة، يعكس الكتاب والنقاد المشاركون تنوعًا في الأساليب والأفكار، مما يجعلها قراءة مثيرة وفريدة تسهم في إثراء المشهد الأدبي العربي، وخاصة في ميدان النقد الأدبي الحديث.