سبع نظريات قيلت في المرأة وردّ عليها القرآن الكريم
مقدمة
لطالما كانت المرأة محورًا للنقاشات الفكرية والفلسفية والدينية عبر العصور، حيث طرحت نظريات متعددة عن طبيعتها، عقلها، مكانتها، دورها في الحياة والمجتمع، بل وحتى عن أصل خلقها. وقد نُسجت حولها تصورات متباينة، تراوحت بين التبجيل المطلق والانتقاص الشديد. وفي خضمّ هذه التصورات، جاء الإسلام، مُمثلًا في قرآنه الكريم، بمنظور مختلف قلب الموازين الفكرية التي كانت سائدة في عصره، وردّ بآياته المحكمة على تلك النظريات، ليرسم للمرأة صورة متوازنة، عادلة، وشاملة.
هذا المقال يتناول سبعًا من أبرز النظريات أو التصورات التاريخية التي قيلت في المرأة، ويرصد كيف ردّ القرآن الكريم عليها بمواقف واضحة، مبددًا الغموض، ورافضًا الانتقاص، ومؤسسًا لكرامة المرأة على أسس ربانية خالدة.
النظرية الأولى: المرأة مخلوقة من ضلع أعوج
خلفية النظرية
يُنسب إلى التراث الديني اليهودي والمسيحي ما يُعرف بنظرية “الضلع الأعوج”، والتي تفيد بأن المرأة خُلقت من ضلع الرجل، وتحديدًا من أحد أضلاعه “الأعوج”، ما يحمل إيحاءات ضمنية بنقصها، واعوجاج طبيعتها، وعدم اكتمال عقلها أو فطرتها مقارنة بالرجل.
الردّ القرآني
القرآن الكريم لم يتبنَّ هذا التصور مطلقًا، بل خالفه صراحة. ففي آياته لم يرد أي دليل على أن المرأة خُلقت من ضلع أعوج، بل جاءت الآيات بأسلوب لا يحمل انتقاصًا أو تلميحًا للاعوجاج أو النقص، كما في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1].
هذه الآية تُقرّ بأن المرأة والرجل مخلوقان من نفس واحدة، أي من طبيعة واحدة، دون تفريق بينهما في جوهر الخلق. عبارة “وخلق منها زوجها” لا تشير إلى النقص أو التبعية، بل إلى التكامل، كما تذهب إليها كتب التفسير، كالطبري والقرطبي.
النظرية الثانية: المرأة سبب الخطيئة الأولى
خلفية النظرية
تشيع في المرويات الدينية الغربية فكرة أن حواء هي من أغوت آدم وأوقعته في المعصية، وبالتالي فهي أصل الشر والخطيئة في البشرية. وتترتب على هذه النظرية صورة نمطية سلبية عن المرأة بوصفها ذات فطرة خادعة وقابلة للانقياد نحو الخطيئة.
الردّ القرآني
القرآن الكريم يرفض هذه الفرضية، ويحمّل آدم وحواء معًا مسؤولية الأكل من الشجرة، دون تخصيص اللوم للمرأة:
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا، فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ [البقرة: 36].
وفي موضع آخر:
﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ [طه: 120].
النصّ القرآني يعفي حواء من التهمة التاريخية، ويجعل الخطأ مشتركًا بين الطرفين، كما يُبرز أن الشيطان هو من تسبب في الإغواء، لا فطرة أحد الجنسين.
النظرية الثالثة: المرأة ناقصة عقل ودين
خلفية النظرية
من أكثر النظريات التي أسيء استخدامها وانتشرت في البيئات التقليدية هي أن المرأة “ناقصة عقل ودين”، وتم ربط هذه العبارة مباشرة بنقص القدرة العقلية، مما استُخدم لتبرير حرمانها من بعض الحقوق، أو التشكيك في قدراتها.
الردّ القرآني
القرآن لم يصف المرأة أبدًا بنقصان العقل، بل أثبت لها العقل والتمييز والمسؤولية الكاملة، كما في قوله تعالى:
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ… أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
الآية تؤكد المساواة الكاملة في التكليف والجزاء بين الجنسين، وهو دليل عقلي على المساواة في القدرة والفهم. أما الحديث الوارد بشأن نقصان العقل والدين، فقد شرحه العلماء ضمن سياق قانوني وظرفي، لا على أنه وصف عام.
النظرية الرابعة: المرأة فتنة وعورة
خلفية النظرية
تنتشر في الثقافات القديمة والوسيطة نظريات ترى في المرأة “فتنة دائمة”، وأنها “عورة يجب سترها”، مما جعلها محطّ تجنٍ ومبالغة في الحذر والتقييد، حتى خارج النصوص الدينية.
الردّ القرآني
القرآن لم يربط المرأة بالفتنة كجوهر ثابت، بل ذكر أن الدنيا بكاملها فتنة، للرجال والنساء على السواء. بل ذكر النساء في سياقات التكريم، كما في قوله:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [النور: 23].
وهي آية تدلّ على حماية سمعة المرأة ومكانتها، وتكريمها كعنصر مؤمن وعفيف، لا ككائن فتان.
النظرية الخامسة: المرأة لا تصلح للقيادة أو الشهادة
خلفية النظرية
استندت بعض التقاليد إلى فهم قاصر لآية الشهادة، معتبرة أن شهادة المرأة بنصف قيمة شهادة الرجل، وامتد هذا إلى القول بأنها لا تصلح للقضاء أو القيادة أو الإدارة.
الردّ القرآني
الآية الكاملة تبيّن أن هذا الحكم جاء في سياق المعاملات المالية المعقدة، وليس كقانون عام:
﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: 282].
وقد فسر العلماء ذلك بأنه لحماية الشهادة من النسيان أو الخطأ، لا لانتقاص من عقل المرأة. كما أن القرآن لم يمنع المرأة من أداء المهام القيادية أو العلمية، بل ضرب مثلاً بالملكة بلقيس، التي كانت حكيمة ومتعقلة:
﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: 29].
النظرية السادسة: المرأة مجرد أداة للإنجاب والمتعة
خلفية النظرية
سادت في بعض الثقافات القديمة نظرة ترى المرأة كأداة للإنجاب، وعاء للتكاثر، وخادمة للمتعة الجنسية، بلا روح أو قيمة ذاتية.
الردّ القرآني
القرآن جعل من المرأة شريكة في المودة والرحمة، وبيّن أن الهدف من الزواج هو السكينة النفسية المتبادلة:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا، لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
وهذا التصور يرفع المرأة إلى منزلة الشريك الكامل، لا كائن وظيفي. وقد ضرب القرآن أيضًا المثل في النساء الصالحات والعالمات، مثل مريم ابنة عمران وآسية زوجة فرعون.
النظرية السابعة: المرأة لا ترث ولا تملك
خلفية النظرية
في المجتمعات الجاهلية والقديمة، كانت المرأة تُحرم من الميراث والملكية، وكان يُنظر إليها كجزء من التركة لا كمستحقة لها.
الردّ القرآني
جاء القرآن بإصلاح جذري لهذا الوضع، ومنح المرأة حقها في الميراث صراحة، كما في قوله تعالى:
﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ، نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ [النساء: 7].
هذا النصّ الواضح كان صدمة للمجتمعات الأبوية في زمنه، وأعاد الاعتبار الاقتصادي والقانوني للمرأة، بما يضمن استقلالها وكرامتها.
جدول ملخص النظريات والردود القرآنية
| النظرية | مصدرها التاريخي | الموقف القرآني | الآية المرجعية |
|---|---|---|---|
| خُلقت من ضلع أعوج | التراث اليهودي والمسيحي | خُلقت من نفس واحدة | النساء: 1 |
| سبب الخطيئة الأولى | الروايات الدينية الغربية | آدم وحواء اشتركا في الذنب | البقرة: 36 / طه: 120 |
| ناقصة عقل ودين | تأويلات بعض الأحاديث | مساواة في التكليف والجزاء | الأحزاب: 35 |
| فتنة وعورة | تراث اجتماعي متوارث | تكريم المرأة وعقوبة من يقذفها | النور: 23 |
| لا تصلح للشهادة أو القيادة | فهم قاصر لبعض النصوص | لكل مقام حكمه، وشهادة المرأة معتبرة | البقرة: 282 / النمل: 29 |
| أداة إنجاب ومتعة فقط | الفكر الذكوري القديم | شريكة في المودة والسكينة | الروم: 21 |
| لا ترث ولا تملك | الجاهلية العربية وغيرها | فرض لها نصيبًا معلومًا في الميراث | النساء: 7 |
خاتمة
تكشف هذه المقارنة بين النظريات المتداولة في حق المرأة، والموقف القرآني منها، أن القرآن لم يأتِ ليكرس مفاهيم النقص أو التبعية، بل جاء ليصحح المسار الإنساني، وينصف المرأة بوصفها إنسانًا كامل الأهلية، تتساوى مع الرجل في الإنسانية، وتتفرد في الوظيفة والأدوار دون تفضيل جوهري. إن إنصاف المرأة في القرآن ليس شعارًا، بل تشريعًا متينًا يتغلغل في كل مناحي الأحكام، والقصص، والمواقف التربوية.
المصادر والمراجع:
-
تفسير الطبري – جامع البيان عن تأويل آي القرآن.
-
تفسير القرطبي – الجامع لأحكام القرآن.
