ناصر الخليفي: رحلة إعلامية ورياضية نحو العالمية

عند مرورك بجانب أحد المقاهي المزدحمة بالشباب، الذين يستمتعون بمتابعة مباراة كرة القدم لفريقهم المحبوب، لا يمكن أن تفوتك الفهم العميق لما يجري داخل تلك الأروقة المليئة بالحماس والتشويق. يبرز في هذا السياق شخصٌ له الدور البارز في تحويل تجربة المشاهدة الرياضية إلى حدث اجتماعي يجمع بين العشق للرياضة وحب اللحظات المشتركة.

في قلب هذا الزخم الرياضي، نجد ناصر الخليفي، الرجل الذي بفضل قدرته على التأثير والعلاقات، استطاع أن يحول مجرد هواية شبابية إلى صناعة رياضية ذات أبعاد دولية. يرتبط اسمه بقصة قطر الرياضية، ولكن يبدو أنه أدرك أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل هي أداة للنفوذ والتأثير.

منذ صغره، عاش الخليفي في عائلة ترتبط بالصيد التقليدي لللؤلؤ منذ فترة مبكرة، وكان والده يحظى بصداقة العائلة الحاكمة في الدوحة. ترعرع الخليفي وسط حبه للرياضة، حيث كان لاعبًا ناجحًا في كرة المضرب والتنس، وتوج بتمثيل قطر في الألعاب الأولمبية. لكن المفاجأة لم تكن في تفوقه الرياضي فقط، بل في قراره دراسة الإعلام وتخرجه من جامعة قطر، مما أعطاه القاعدة اللازمة لاستكشاف مجال الإعلام الرياضي.

كانت الخطوة الكبيرة للخليفي في عالم الإعلام الرياضي هي توليه مسؤولية حقوق بث المباريات عبر “قناة الجزيرة”، حيث استطاع أن يحسن وضعها بشكل كبير. في العام 2003، حصلت الدوحة على احتكار حقوق بث المباريات، وكان الخليفي رائدًا في شراء حقوق بث دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني، مما جعله يلعب دورًا حاسمًا في تحولات عالم الرياضة والإعلام.

لكن الخليفي لم يكتف بذلك، بل استمر في توسيع إمبراطوريته الإعلامية والرياضية، حيث أسس مجموعة “بي إن” التي تخصصت في البداية في الرياضة، ثم انتقلت إلى ميادين الترفيه، وأصبح لديها حقوق بث لكل شيء، من الأفلام والمسلسلات إلى البرامج الترفيهية.

في عام 2014، انفصل الخليفي عن الجزيرة وأسس إمبراطوريته الخاصة “بي إن”، وأصبحت هذه المجموعة تُعرف بتنوعها وشموليتها. تجاوزت “بي إن” حدود البث الرياضي، لتمتد إلى عالم الترفيه بشكل يضاهي العمالقة في هذا المجال.

إلا أن النجاح لم يأتِ بدون تحديات، فقرار الخليفي احتكار حقوق بث المباريات الرياضية الكبرى جعله موضوع انتقادات واسعة، خاصة من قبل الجماهير التي اعتادت على مشاهدة المباريات مجانًا. باتت كرة القدم، التي كانت تُعتبر لُعبة الفقراء، حكرًا على الأغنياء، ما دفع الكثيرين إلى البقاء في المقاهي لمتابعة أحباءهم، لعدم قدرتهم على الاشتراك في خدمات “بي إن”.

لم يكن الخليفي راضيًا عن البث الرياضي فقط، بل قرر الدخول إلى عالم امتلاك الأندية، حيث قام بصفقات ضخمة لشراء نادي باريس سان جيرمان، وأضاف إليها صفقات نجومية خيالية، مثل صفقة نيمار، التي كلفت خزينته قرابة الربع مليار يورو.

وفي الوقت الحالي، يواصل الخليفي استمرارية احتكاره للساحة الرياضية والإعلامية، ويظل يُعتبر من أبرز الشخصيات التي حدثت تحولات جذرية في عالم كرة القدم والرياضة بشكل عام. يبدو أنه قد استخدم شغفه بالرياضة كوسيلة لتحقيق النفوذ والتأثير على المستوى الدولي، وهو ما يظهر واضحًا في دوره في استضافة كأس العالم 2022، حيث أصبحت قطر المركز الحديث لعشاق كرة القدم.

وفي ظل اندلاع أزمة “السوبر ليج”، أظهر الخليفي موقفاً واضحًا، حيث رفض الانضمام لها وانحاز لصالح اليويفا، ما قد يكون محاولة لتعزيز وجوده وعلاقاته في دوائر صناعة القرار الرياضي. يتبقى لنا متابعة رحلة ناصر الخليفي، الذي لا يبدو أنه يتوقف أمام أي عقبة، ويظل يرسم مستقبلًا مليئًا بالتحديات والإنجازات.