منهجية كينيفن لاتخاذ القرار

منهجية كينيفن: أفضل منهجية يجب على القادة اعتمادها في اتخاذ القرارات

في عالم الأعمال المعاصر، الذي يتسم بالتغير السريع والتعقيد المتزايد، بات اتخاذ القرارات من المهام الدقيقة والصعبة التي تتطلب من القادة اعتماد منهجيات مدروسة تساعدهم على التعامل مع تحديات الواقع المتقلب. إحدى أبرز المنهجيات التي أثبتت فعاليتها في هذا المجال هي “منهجية كينيفن” (Cynefin Framework). تعد هذه المنهجية من بين الأدوات الحديثة التي تم تطويرها لدعم القادة في اتخاذ القرارات، خاصة في ظل بيئات العمل التي تتسم بالضبابية وعدم اليقين.

تم تطوير منهجية كينيفن على يد البروفيسور “ديفيد جينكينسون” في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة، حيث جاءت لتواجه التحديات المرتبطة بإدارة التعقيد في المؤسسات والمنظمات. إذ توفر منهجية كينيفن للقادة نموذجًا لفهم المشهد المعقد وصياغة قرارات تتناسب مع البيئة المحيطة.

ما هي منهجية كينيفن؟

منهجية كينيفن هي إطار عمل يساعد القادة على تصنيف المشكلات والتحديات التي يواجهونها إلى خمسة مجالات رئيسية، وبالتالي اتخاذ القرارات المناسبة بناءً على طبيعة المشكلة. تمثل كينيفن أداة تشخيصية، حيث يمكن تصنيف أي مشكلة أو موقف إلى واحد من هذه المجالات، وهي:

1. المجال الواضح (Clear):
   في هذا المجال، تكون العلاقة بين السبب والنتيجة واضحة للغاية. المشاكل التي تقع في هذا المجال تكون بسيطة ويمكن حلها باستخدام الحلول المعروفة والمجربة. القائد في هذه الحالة يعتمد على أفضل الممارسات ويتخذ القرارات بناءً على المعايير والطرق المعيارية التي أثبتت فعاليتها في الماضي.

2. المجال المعقد (Complicated):
   المشاكل في هذا المجال تكون معقدة ولكن يمكن حلها من خلال التحليل العميق والاستعانة بالخبراء. العلاقة بين السبب والنتيجة تكون موجودة ولكنها تحتاج إلى تفسير ومعرفة متعمقة. في هذا النوع من التحديات، يعتمد القائد على الاستشارة مع المتخصصين أو استخدام النماذج المعقدة لتحليل المواقف واتخاذ القرار الأمثل.

3. المجال المربك (Complex):
   في هذا المجال، لا يمكن توقع النتائج بشكل دقيق بسبب وجود العديد من العوامل المتداخلة والمتغيرة. العلاقات بين السبب والنتيجة ليست واضحة، ويعتمد القائد في هذه الحالة على التجريب والملاحظة. يتم اتخاذ القرارات بناءً على الفهم المتطور الذي يتغير باستمرار، مما يتطلب استجابة مرنة وقابلة للتعديل.

4. المجال العشوائي (Chaotic):
   يتعامل هذا المجال مع الأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بها والتي تتسم بالفوضى التامة. هنا، لا يوجد أي ترتيب منطقي بين السبب والنتيجة، وتحتاج القرارات إلى تصرف سريع وفوري لإعادة السيطرة. في مثل هذه الحالات، يجب على القائد اتخاذ قرارات فورية دون الحاجة إلى تحليل مطول، بل بهدف السيطرة على الوضع وإنقاذه بأسرع وقت ممكن.

5. المجال غير المعروف (Aporetic):
   هذا المجال يعبر عن الحالات التي تكون فيها المعلومات غير متوفرة بشكل كافٍ أو لا توجد بيئة معروفة لتحليل المشكلة. غالبًا ما يكون هذا النوع من المشاكل غير قابلة للتصنيف بسهولة أو تصنيفها في واحدة من المجالات الأربعة السابقة.

أهمية منهجية كينيفن في اتخاذ القرارات

منهجية كينيفن تقدم للقادة إطارًا يساعدهم على تحديد نوع المشكلة التي يواجهونها ويقترح كيفية التصرف بناءً على ذلك. في بيئات العمل الحديثة، حيث يواجه القادة مواقف معقدة ومتغيرة باستمرار، يصبح من الضروري تبني هذه المنهجية لفهم أبعاد المشكلة بشكل دقيق. فالتفكير من خلال هذه الأطر المتنوعة يسمح للقادة بتجنب اتخاذ قرارات غير دقيقة قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة.

• التوجيه السليم للموارد: منهجية كينيفن تتيح للقائد تخصيص الموارد بطريقة أكثر فاعلية، إذ يمكنه تخصيص الخبراء لمشاكل معقدة وتخصيص حلول سريعة للمشاكل الواضحة.

• استجابة مرنة للتغيرات: في مجال العمل المعاصر، يكون التغير المستمر سمة بارزة. تقدم منهجية كينيفن استجابة مرنة وسريعة للمواقف المتغيرة بشكل مستمر، مما يتيح للقادة التعامل مع المشكلات بشكل استباقي بدلاً من الانغماس في حل مشاكل غير قابلة للتنبؤ.

• دعم عملية الابتكار: القادة الذين يطبقون منهجية كينيفن يجدون أنفسهم أكثر استعدادًا للابتكار، إذ أنهم قادرون على التعامل مع المشاكل المعقدة باستخدام التجريب والتعلم المستمر بدلاً من الاعتماد على الحلول التقليدية الثابتة.

كيف يمكن تطبيق منهجية كينيفن في السياقات العملية؟

1. تعرف على نوع المشكلة:
   الخطوة الأولى في تطبيق منهجية كينيفن هي فهم نوع المشكلة التي تواجهها. هل هي مشكلة واضحة يمكن حلها باستخدام حلول جاهزة؟ أم هي مشكلة معقدة تحتاج إلى تحليل ودراسة متعمقة؟ أم هي مشكلة معقدة للغاية تتطلب التجريب والتعلم المستمر؟ يمكن للقائد أن يحدد نوع المشكلة بناءً على طبيعتها والمعلومات المتاحة لديه.

2. التفاعل مع المتخصصين والخبراء:
   عندما تكون المشكلة في المجال المعقد، يجب أن يتعاون القائد مع الخبراء أو يطلب استشارات من ذوي المعرفة المتخصصة. يتم ذلك من خلال جمع البيانات وتحليل الخيارات المتاحة بناءً على أطر علمية ومهنية معترف بها.

3. التجربة والتكيف:
   إذا كانت المشكلة تقع في المجال المعقد، فيجب أن يتبع القائد نهجًا يعتمد على التجربة المستمرة والملاحظة. هذا النوع من المواقف يتطلب من القائد أن يكون مستعدًا لتعديل الاستراتيجيات بشكل دوري بناءً على النتائج المتغيرة.

4. التعامل مع الأزمات:
   في حالات الفوضى العشوائية، يجب على القائد أن يتصرف بسرعة ويأخذ القرارات التي تهدف إلى إعادة النظام والسيطرة على الوضع. قد تشمل هذه القرارات التدخل السريع، وتوجيه الفرق، واستخدام الأساليب الإبداعية لتجاوز الأزمة.

5. التعلم من الأخطاء:
   يمكن أن تتعلم المنهجية من كل تجربة، سواء كانت ناجحة أم فاشلة. فهي تشجع على التعلم المستمر وإعادة التفكير في الطرق المتبعة للوصول إلى حلول بديلة أو جديدة.

مزايا منهجية كينيفن للقادة

منهجية كينيفن تعزز قدرة القادة على اتخاذ قرارات أفضل من خلال توفير إطار يساعدهم على التصنيف الدقيق للمواقف والأزمات. من خلال هذه المنهجية، يمكن للقادة:

1. تحقيق توازن بين التحليل السليم والتصرف السريع.

2. الاستفادة من الخبرات المتنوعة للمختصين في المجالات المعقدة.

3. تعزيز قدرة المنظمة على التكيف مع التغيرات السريعة.

4. التعامل مع المواقف غير المتوقعة بكفاءة عالية.

الختام

في النهاية، تعد منهجية كينيفن أداة قوية تساعد القادة على فهم البيئات المعقدة والمتغيرة باستمرار، مما يعزز قدرتهم على اتخاذ قرارات فعالة وسليمة. من خلال استخدام هذه المنهجية، يمكن للقادة تجنب اتخاذ قرارات خاطئة بناءً على فرضيات غير دقيقة أو تحليل غير كامل، وبالتالي قيادة فرقهم ومنظماتهم نحو النجاح في بيئات العمل التي تزداد تعقيدًا.