مناطق سياحية مهددة بالزوال

4 مناطق سياحيّة مشهورة مُهددة بالزوال

تُعدُّ المناطق السياحية حول العالم من أكثر المعالم التي تُجسّد التراث الطبيعي والثقافي للإنسانية، وتستقطب ملايين الزوار سنويًا. غير أنّ التغيرات البيئية والمناخية، إلى جانب الأنشطة البشرية غير المستدامة، باتت تُهدّد وجود العديد من هذه المناطق. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحار، بات العالم يشهد تحوّلات جذرية تهدّد زوال معالم كانت تُعتبر من الثوابت الجغرافية والثقافية. في هذا السياق، تبرز أربع مناطق سياحية مشهورة عالميًا، يُحتمل أن تختفي في العقود القادمة إذا لم تُتّخذ إجراءات صارمة للحفاظ عليها.

1. الحاجز المرجاني العظيم – أستراليا

يُعدّ الحاجز المرجاني العظيم (Great Barrier Reef) أحد أبرز العجائب الطبيعية في العالم، وهو أكبر نظام للشعاب المرجانية على وجه الأرض، يمتد على مسافة تزيد عن 2,300 كيلومتر على طول الساحل الشرقي لأستراليا. يضم الحاجز أكثر من 2,900 شعاب مرجانية و900 جزيرة، ويُشكّل موطنًا لما يزيد عن 1,500 نوع من الأسماك، إضافة إلى عدد لا يُحصى من الكائنات البحرية النادرة والمهددة بالانقراض.

غير أنّ هذا النظام البيئي الفريد يواجه اليوم خطر الزوال نتيجة التغيّر المناخي وارتفاع درجات حرارة المحيطات. فقد شهد الحاجز منذ عام 1998 عدّة أحداث لتبييض الشعاب المرجانية (Coral Bleaching)، وهو اضطراب يُصيب المرجان عندما ترتفع درجات حرارة المياه، فيُفرغ المرجان الطحالب التي تُزوّده بالطاقة، مما يؤدي إلى موته. وقد وصلت بعض مناطق الحاجز إلى حالة تدهور شبه كاملة، بنسبة تجاوزت 50% من الشعاب المرجانية خلال العقدين الماضيين.

إضافة إلى التغير المناخي، تُهدّد الأنشطة البشرية المباشرة مثل الصيد الجائر، والتلوث الناتج عن الزراعة والتعدين، حركة الملاحة البحرية، بتسريع زوال هذا الكنز البيولوجي. تحاول السلطات الأسترالية ومنظمات البيئة الدولية وضع برامج لإعادة ترميم الشعاب المرجانية وتعزيز قدرتها على التكيّف، لكن ذلك لا يُغيّر من حقيقة أن الحاجز المرجاني العظيم أصبح اليوم في عداد المناطق المعرضة للاختفاء الكامل في حال لم تُعالج جذور المشكلة البيئية.

2. مدينة البندقية – إيطاليا

تُعتبر مدينة البندقية (Venezia) من أروع المدن التاريخية في أوروبا، ويزورها سنويًا أكثر من 25 مليون سائح للاستمتاع بجمال قنواتها المائية، وجسورها العتيقة، وكنائسها وقصورها التي تعود إلى عصر النهضة. بُنيت المدينة على أكثر من 100 جزيرة صغيرة في بحيرة ضحلة، وتربط بينها أكثر من 400 جسر. لكن هذه المدينة الفريدة تواجه خطرًا وجوديًا نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر وغرقها التدريجي.

تشير الأبحاث الجيولوجية والهيدرولوجية إلى أن البندقية تغرق بمعدل 1-2 ميليمتر سنويًا بسبب التآكل الجيولوجي لمستوى الأرض. لكن الأخطر من ذلك هو ارتفاع مستوى البحر الأدرياتيكي نتيجة ذوبان الجليد العالمي، الأمر الذي يزيد من وتيرة الفيضانات المتكررة المعروفة محليًا باسم “أكوا ألتا” (Acqua Alta). فخلال العقود الأخيرة، أصبحت الفيضانات تُغرق المدينة بوتيرة غير مسبوقة، وتُهدّد بإغراق الشوارع والساحات التاريخية مثل ساحة سان ماركو.

ورغم إطلاق مشروع هندسي ضخم يُعرف باسم “MOSE” (Modulo Sperimentale Elettromeccanico) يهدف إلى حماية المدينة عبر حواجز قابلة للرفع تُغلق الممرات البحرية عند حدوث المد العالي، إلا أنّ هذا المشروع يُواجه انتقادات بسبب تكلفته الضخمة وتأخّره في التنفيذ. وإذا لم تُعالج الأزمة البيئية بشكل جذري، فإن مستقبل البندقية بات مهددًا بشكل حقيقي، حيث قد تتحوّل إلى “أطلال مائية” في قلب إيطاليا.

3. البحر الميت – الأردن وفلسطين

يُعدّ البحر الميت واحدًا من أكثر المسطحات المائية غرابة في العالم، حيث يقع على أدنى نقطة يابسة على سطح الأرض بعمق 430 مترًا تحت مستوى سطح البحر، ويتميّز بمياهه شديدة الملوحة التي تسمح للأجسام بأن تطفو بسهولة. كما تُستخدم رواسبه المعدنية في الصناعات العلاجية والتجميلية، مما يجعله وجهة سياحية وعلاجية فريدة من نوعها.

غير أنّ البحر الميت يُواجه اليوم خطر الانكماش والانقراض. فمنذ ستينيات القرن الماضي، انخفض منسوب المياه في البحر بأكثر من 35 مترًا، وبات ينخفض سنويًا بمعدّل متر واحد. ويُعزى هذا التراجع إلى تحويل مياه نهر الأردن – المصدر الرئيسي لتغذية البحر – لأغراض الزراعة والشرب من قبل الدول المحيطة، إضافة إلى الاستغلال الصناعي المفرط لأملاح البحر ومعادنه.

ويُظهر الجدول التالي معدلات انخفاض منسوب البحر الميت خلال العقود الأخيرة:

كما أدت هذه الظاهرة إلى ظهور أكثر من 6,000 حفرة انخسافية (sinkholes) على ضفاف البحر، مما يُهدد البنية التحتية والسياحة في المنطقة. ورغم وجود مشاريع مشتركة بين الأردن وفلسطين وإسرائيل مثل مشروع “قناة البحرين” (Red-Dead Canal) لنقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، إلا أن تنفيذ هذه المشاريع يُواجه تحديات سياسية واقتصادية ضخمة، مما يجعل مستقبل البحر الميت مهددًا أكثر من أي وقت مضى.

4. غابات الأمازون – أمريكا الجنوبية

تُعدّ غابات الأمازون أكبر غابة مطيرة في العالم، وتمتد على مساحة تتجاوز 5.5 مليون كيلومتر مربع عبر تسع دول أبرزها البرازيل، بيرو، وكولومبيا. وتُعرف الأمازون بأنها “رئة الأرض” نظرًا لقدرتها الهائلة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأوكسجين، إضافة إلى أنها تأوي حوالي 10% من التنوع البيولوجي العالمي.

لكن هذه الغابات تواجه خطرًا وجوديًا نتيجة إزالة الأشجار (deforestation) بوتيرة غير مسبوقة، خاصة في البرازيل، حيث تُقطع سنويًا آلاف الكيلومترات من الأشجار لأغراض الزراعة، وتحديدًا زراعة فول الصويا وتربية الماشية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تسارعًا في وتيرة الحرائق المدمّرة التي يعتقد أن بعضها مفتعل لتسهيل عمليات الإزالة.

تشير التقارير إلى أن الأمازون قد تصل إلى “نقطة تحوّل بيئية” (Tipping Point) بعدها تفقد قدرتها على تجديد ذاتها، مما يؤدي إلى تحوّلها من غابة مطيرة إلى منطقة شبه صحراوية، وهو ما يُعرف بـ “السافانا الجافة”. هذا التحول لا يُهدد فقط التنوع البيولوجي المحلي، بل يُشكّل كارثة بيئية عالمية نظرًا لأثره المباشر في تفاقم أزمة الاحتباس الحراري وفقدان التنوع الإيكولوجي.

المجتمع الدولي ومنظمات البيئة العالمية تُطالب بوضع تشريعات صارمة للحد من إزالة الغابات، وتحفيز برامج إعادة التشجير. كما يُمارس ضغط على الحكومات المحلية لاستخدام أراضي الأمازون بطريقة مستدامة تراعي النظام البيئي الحساس. ومع ذلك، فإن استمرار العوامل الاقتصادية والسياسية المُحفّزة لتدمير الأمازون يجعل من احتمال زوالها أحد أسوأ الكوابيس البيئية في التاريخ الحديث.

الخاتمة

تعكس هذه المناطق الأربع حجم التحديات البيئية التي تواجهها الإنسانية في القرن الحادي والعشرين. فقد باتت العجائب الطبيعية والتاريخية، التي شكّلت لعقود طويلة مصدر إلهام وجذب سياحي، مهددة بالزوال في ظل تزايد الضغوط المناخية والأنشطة البشرية غير المنضبطة. ولا تقتصر خطورة هذه الظواهر على فقدان معالم سياحية فحسب، بل تمتد لتشمل التأثيرات الكارثية على التوازن البيئي العالمي، والمجتمعات المحلية التي تعتمد على هذه المناطق في معيشتها وثقافتها. إن إنقاذ هذه المواقع يتطلب تعاونًا عالميًا غير مسبوق، وتحولًا جذريًا في الطريقة التي نتعامل بها مع البيئة والموارد الطبيعية.

المراجع:

1. World Wildlife Fund (WWF): https://www.worldwildlife.org

2. Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC): https://www.ipcc.ch