عنوان المقال: الأعراف في القرآن الكريم
في علم العقيدة وتفسير القرآن الكريم، يعدّ موضوع الأعراف من المواضيع الغيبية الكبرى التي تناولها العلماء والمفسرون بكثير من الاهتمام، حيث ورد ذكرهم في موضع واحد فقط في القرآن الكريم، وذلك في سورة سُمّيت باسمهم، وهي سورة الأعراف، وتحديداً في الآيات من 46 إلى 49، إلا أن ما تضمنته هذه الآيات القليلة كان كافياً لإثارة الكثير من التساؤلات في نفوس العلماء والمفسرين والمفكرين حول طبيعة هؤلاء القوم، ومكانتهم، وسبب تسميتهم بهذا الاسم، والمصير الذي ينتظرهم.
هذا المقال يتناول بالتفصيل من هم الأعراف، ولماذا سُمّوا بهذا الاسم، وما هي خصائصهم ومكانهم، وذلك وفقاً لما ورد في المصادر الإسلامية، والتفاسير الموثوقة.
المعنى اللغوي لكلمة “الأعراف”
في اللغة العربية، “الأعراف” هو جمع “عُرْف”، والعُرْف يطلق على ما ارتفع وظهر، ويُستخدم لوصف الشيء المرتفع، مثل عرف الديك. ويُقال في اللغة: “عرف الجبل” أي أعلاه. ولهذا فإن “الأعراف” تُفهم على أنها موضع مرتفع بين الجنة والنار، يمكن لمن يقف عليه أن يشرف على أهل الجنة وأهل النار معاً.
هذا المعنى اللغوي هو ما ينعكس أيضاً في تفسير الآيات القرآنية المتعلقة بالأعراف، إذ تشير الآيات إلى أن الأعراف مكان مرتفع يُشرف أهله على الجنة والنار معاً، ويعرفون أصحاب الجنة والنار بسيماهم.
ذكر الأعراف في القرآن الكريم
ورد ذكر الأعراف في قوله تعالى:
“وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌۭ يَعْرِفُونَ كُلًّۭا بِسِيمَىٰهُمْ ۚ وَنَادَوا۟ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ”
[سورة الأعراف، الآية 46]
وهذه الآية توضح أن هناك رجالاً يكونون على مكان مرتفع بين الجنة والنار، يعرفون كلا من الفريقين بسيماهم، أي بعلاماتهم الظاهرة. ويُكمل السياق القرآني الحديث عن مخاطبتهم لأصحاب النار، وإنكارهم عليهم ما كانوا يفعلون.
من هم أصحاب الأعراف؟
اختلف المفسرون في تحديد هوية هؤلاء الرجال الذين يكونون على الأعراف، وقد وردت عدة أقوال وتفسيرات معتبرة، من أشهرها ما يلي:
1. أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم
وهذا هو القول الأرجح والأكثر تداولاً بين جمهور المفسرين، ومنهم القرطبي وابن كثير. ووفقاً لهذا الرأي، فإن أصحاب الأعراف هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تستوجب حسناتهم دخول الجنة، ولم تستوجب سيئاتهم دخول النار، فوقفوا في منطقة بين الجنة والنار، يُرجى لهم أن يُدخلهم الله الجنة برحمته.
2. قوم من الشهداء أو الأنبياء
ذكر بعض المفسرين، ومنهم الفخر الرازي، أن الأعراف هم قوم من الشهداء أو الأنبياء، جعلهم الله تعالى على الأعراف ليشهدوا على أهل الجنة وأهل النار، ويعرفوهم بسيماهم. وهذا القول يقل رجحانه عند أغلب المفسرين لأن الشهداء والأنبياء مقامهم معروف في الجنة.
3. قوم استُشهدوا ولم تُكتب لهم أعمال كثيرة
نُقل عن بعض التابعين أن الأعراف هم قوم استُشهدوا في سبيل الله، ولكن لم تكن لهم أعمال كثيرة ترفعهم مباشرة إلى مراتب أهل الجنة، فكانوا في الأعراف إلى حين تبيان أمرهم.
4. ملائكة موكلون بالتعرف على أهل الجنة والنار
وهو قول ضعيف ذكره بعض المفسرين، ويعتمد على أن “رجال” قد تكون صفة للملائكة، ولكن لا يُرجّح هذا التفسير بسبب سياق الآيات الذي يشير إلى أن أصحاب الأعراف كانوا من بني آدم.
لماذا سُمّوا “أعرافاً”؟
سُمّوا “أعرافاً” نسبة إلى الموضع الذي يكونون فيه، وهو الأعراف، أي المكان المرتفع بين الجنة والنار، ويُشرف على الفريقين. فالاسم ارتبط بالمكان لا بالصفة، فهم “أصحاب الأعراف” أي القاطنون على الأعراف. ويُفهم من ذلك أن التسميّة ناتجة عن الموقع الجغرافي الرمزي الذي يحتلونه في مشهد يوم القيامة.
صفات أصحاب الأعراف حسب القرآن
الآيات القرآنية التي تناولت الأعراف قدّمت لنا خصائص دقيقة لهؤلاء القوم، منها:
1. الوقوف على مكان مرتفع
هذا يوحي بأنهم في حالة انتظار وفصل بين مصيرين، لا هم في الجنة ولا هم في النار.
2. معرفة أهل الجنة والنار بسيماهم
قال تعالى:
“يَعْرِفُونَ كُلًّۭا بِسِيمَىٰهُمْ”
ويُستدل من هذه العبارة على أن لهم قدرة خاصة في التعرف على الناس من ملامحهم أو علاماتهم الظاهرة التي تدل على مكانتهم الأخروية.
3. التحية لأهل الجنة
قال تعالى:
“وَنَادَوا۟ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ”
وهذا يدل على تعلقهم بأهل الجنة واشتياقهم للانضمام إليهم، وأنهم في حالة من الأمل والرجاء في رحمة الله.
4. الطمع في دخول الجنة
ورد في الآية ذاتها:
“لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ”
وهذا يوضح أنهم لم يُحرموا من دخول الجنة، وإنما هم في مرحلة انتظار، تطغى عليها مشاعر الطمع والرجاء لا اليأس.
موقفهم من أهل النار
تُكمل الآيات مشهداً درامياً بالغ التأثير، حيث يوجّه أصحاب الأعراف كلماتهم لأهل النار:
“وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُوا۟ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ”
وهنا يظهر الخوف الحقيقي في قلوبهم، إذ بالرغم من أنهم لم يدخلوا الجنة بعد، إلا أن مجرد رؤيتهم للنار تدفعهم إلى التوسل والدعاء بأن لا يكونوا مع الظالمين. وهذا يُظهر وضوح الفرق في الرؤية الروحية بين أهل الأعراف وأهل النار.
هل يُكتب لأصحاب الأعراف دخول الجنة في النهاية؟
نعم، وفقاً لمعظم المفسرين، فإن أصحاب الأعراف يدخلون الجنة في نهاية الأمر بعد أن يُقضى بين العباد، وتُرجّح كفة حسناتهم، أو تُضاف إليهم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو رحمة الله عز وجل، إذ لا يُتصور أن يبقوا معلقين إلى الأبد.
وقد روى الطبري في تفسيره عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: “إن أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فوقفوا على السور، فأشرف عليهم ربك، فقال: ادخلوا الجنة، فذلك قوله: لم يدخلوها وهم يطمعون”.
الجدول التالي يوضح مقارنة بين أهل الجنة، وأهل النار، وأصحاب الأعراف:
| المقارنة | أهل الجنة | أهل النار | أصحاب الأعراف |
|---|---|---|---|
| المصير النهائي | دخول الجنة | دخول النار | دخول الجنة بعد الانتظار |
| الحالة الروحية | رضا وسلام وأمان | عذاب وحسرة ويأس | أمل وطمع في رحمة الله |
| العلامة الظاهرة | الوجوه ناضرة | الوجوه مسودة | معرفة الفريقين بسيماهم |
| الخطاب في القرآن | تبشير دائم بالنعيم | توبيخ وعذاب متكرر | حوار مع الطرفين |
| موقعهم الجغرافي | في الجنة | في النار | على الأعراف (فوق السور) |
الآثار التربوية والعقائدية لمفهوم الأعراف
-
التحفيز على زيادة العمل الصالح
لأن تساوي الحسنات والسيئات قد يجعل الإنسان في موضع المعلّق غير المحسوم، مما يدعو إلى المسارعة في الخيرات. -
الأمل في رحمة الله
فحتى الذين لم تغلب حسناتهم على سيئاتهم، لم يُيأسوا من رحمة الله، بل جعل لهم موضعاً خاصاً قبل إدخالهم الجنة. -
العدالة الإلهية المطلقة
أن الله تعالى لا يظلم أحداً مثقال ذرة، فحتى أصحاب الميزان المتساوي عُرضوا على حالة انتقالية مؤقتة. -
دلالة على التدرج في المصير الأخروي
مما يفيد أن هناك تفصيل دقيق في الحساب والمآل، وليس الأمر مختصاً بثنائية الجنة والنار فقط.
مصادر ومراجع:
-
تفسير ابن كثير، دار طيبة، ط. 2.
-
الجامع لأحكام القرآن، الإمام القرطبي، دار الكتب المصرية.
