من المحيط إلى السماء هو كتاب من تأليف السير إدموند هيلاري، المغامر النيوزيلندي المعروف وأحد أشهر الشخصيات في تاريخ استكشاف القمم العالية. نُشر هذا الكتاب لأول مرة في أبريل 1979 من قبل دار نشر “Viking Adult”، وهو يعد واحداً من الأعمال الأدبية التي تتناول تجاربه الشخصية في الاستكشاف والرحلات التي قام بها بعد أن أصبح أول إنسان يتسلق قمة جبل إيفرست في عام 1953.
الكتاب يوثق رحلة غير عادية وهامة قام بها هيلاري في أواخر حياته المهنية في مجال الاستكشاف، حيث قاد بعثة من المحيط الهندي إلى منابع نهر الغانج في الهند باستخدام قوارب نفاثة. كانت الرحلة استثنائية لأنها جمعت بين استخدام التكنولوجيا الحديثة في التنقل عبر الأنهار وبين المغامرة التقليدية المتمثلة في تسلق الجبال واستكشاف الطبيعة الوعرة. بدأت الرحلة من دلتا نهر الغانج في خليج البنغال واستمرت صعوداً عبر الهند حتى وصلت إلى منابع النهر بالقرب من جبال الهيمالايا.
يمتاز كتاب “من المحيط إلى السماء” بأسلوبه الأدبي المميز الذي يعكس شخصية هيلاري المغامرة والمحبّة للطبيعة، فضلاً عن قدرته الفائقة على نقل تجاربه بأمانة وبدقة. يتحدث هيلاري في هذا العمل عن التحديات التي واجهها هو ورفاقه خلال الرحلة، والتي كانت تتراوح بين الظروف الجوية القاسية، والتيارات النهرية السريعة، وصولاً إلى المشكلات التقنية التي واجهتها القوارب النفاثة المستخدمة في الرحلة.
الكتاب ليس مجرد سرد للوقائع والأحداث الجغرافية، بل هو أيضاً تأمل عميق في القضايا الإنسانية والفلسفية التي رافقت هيلاري خلال مسيرته الطويلة. يتناول هيلاري في هذا السياق موضوعات مثل روح المغامرة والتحدي الشخصي والتغلب على الصعوبات، بالإضافة إلى العلاقة المتغيرة بين الإنسان والطبيعة. كما يسلط الضوء على الروابط الإنسانية التي تتكون في مثل هذه الرحلات، سواء بين أعضاء الفريق أو مع الشعوب التي التقى بها في الهند.
ومن الأمور المثيرة للاهتمام في هذا الكتاب هي الطريقة التي استمر بها هيلاري في استكشاف الجبال حتى بعد نجاحه الأسطوري في قمة إيفرست. حيث يظهر في “من المحيط إلى السماء” أن هيلاري لم يكتفِ فقط بإنجازاته السابقة، بل سعى باستمرار إلى تحدي نفسه واكتشاف المزيد عن العالم من حوله وعن نفسه أيضاً. الرحلة لم تكن مجرد مغامرة جغرافية، بل كانت أيضاً رحلة داخلية تأملية؛ فقد شعر هيلاري بالارتباط الروحي بالطبيعة، وخاصة جبال الهيمالايا التي طالما أثارت إعجابه وألهبت خياله.
تمثل هذه الرحلة التي يوثقها الكتاب تجربة فريدة من نوعها في حياة هيلاري، إذ تجمع بين البحر والسماء، بين المياه الجارية وقمم الجبال الشاهقة. ويعتبر الكتاب شهادة على القدرة الإنسانية على تحقيق الإنجازات غير المسبوقة رغم التحديات الكبرى.
على الرغم من أن “من المحيط إلى السماء” قد لا يحظى بشهرة بعض الكتب الأخرى التي تناولت مغامرات هيلاري مثل “الطريق إلى القمة”، إلا أنه يعتبر واحداً من أهم أعماله التي تكشف عن جوانب جديدة في شخصيته، خاصة فيما يتعلق برؤيته للحياة بعد الإنجازات الكبرى. يُظهر الكتاب أن هيلاري لم يكن فقط مستكشفاً مغامراً، بل كان أيضاً إنساناً ذو تفكير عميق يبحث عن المعاني الروحية في كل رحلة يقوم بها.
من خلال هذا الكتاب، يتيح السير إدموند هيلاري للقارئ الفرصة للتعرف على مسيرة حياته من منظور مختلف، بعيداً عن شهرة قمة إيفرست، في رحلة تجمع بين المحيط والسماء، وتكشف عن علاقة الإنسان بالطبيعة ومعنى الاستكشاف الحقيقي.