منذ ثلاثين عامًا مضت، شهد العالم تحولًا سياسيًا شاملاً، ملموسًا في خريطة العلاقات الدولية، بدايةً من عام 1990. يكفي أن نتأمل حقيقة أن عدد الدول في العالم، حتى ذلك الحين، لم يتجاوز 172 دولة. ولكن، هل يمكن لأي منا أن يتخيّل اليوم عدد الدول الذي وصلت إليه المشهد الدولي؟ يتجاوز العدد الحالي 235 دولة، مما يعكس زيادة بلغت 63 دولة. هذا الارتفاع يثير تساؤلات حول أسبابه ومصادره.
لنبدأ بمراجعة وقائع تاريخية تتعارض مع التصاعد العددي المشهود. في عام 1990، شهدنا توحيد المانيا الشرقية والغربية بعد 45 عامًا من الانقسام الناتج عن الحرب العالمية الثانية، وكذلك توحيد اليمن الشمالي والجنوبي بعد تقسيمهما الاستعماري في عام 1918. ومع ذلك، لا يعني هذا التوحيد الزيادة في عدد الدول، بل يأتي التحول من انهيار الأنظمة الشيوعية وتقسيم بعض الدول.
على سبيل المثال، شهد عام 1991 انهيار الاتحاد السوفيتي، مما أسفر عن ظهور 15 دولة جديدة. وما زالت بعض الدول تسعى للاستقلال حتى اليوم. دولة يوغوسلافيا أصبحت اليوم عبارة عن 10 دول، وشهدت دول خارج أوروبا انفصالات مثل السودان. ولا تزال توجد تطلعات لانفصال جديد، مثل الاستفتاء المستمر في كاتالونيا للاستقلال عن إسبانيا، وفكرة إقامة دولة للأكراد، وغيرها.
إذاً، كيف زادت هذه الدول الجديدة عندما يبدو أن بعض التوحيدات قللت من العدد؟ يتجلى الجواب في عمليات الانفصال التي أسفرت عن تأسيس دول جديدة. وهنا يأتي السؤال الذي طرحته على نفسي: هل يمكن لأي شخص اليوم العثور على أرض غير مسيّسة تحت سيادة دولة جديدة؟
في الواقع، كان هذا السؤال يبدو وكأنه محض أوهام يوتوبية، ولكني اكتشفت أن هذه الفكرة أصبحت واقعًا في غضون عام واحد فقط. في 5 سبتمبر 2019، أُعلن تأسيس مملكة جديدة، لكن الفارق الوحيد كان أن الأرض الواقعة على حدود دولتين، حيث تنكر كل دولة سيادتها على تلك الأرض. تلك الدولتين هي مصر والسودان.
قبل أن نستكشف المملكة الجديدة، يجدر بنا التفحص: لماذا ترفض مصر والسودان كل منهما السيادة على هذه الأرض؟ تحديدًا، تم التوصل إلى اتفاقيتي ترسيم حدود في عامي 1899 و1902، وقد أدت هذه التعديلات إلى أزمة حول مثلث بئر طويل. يُعتبر هذا المثلث متنازعًا عليه بين مصر والسودان، حيث يطمح السودان إلى الحصول عليه ويُطالب بتحكيم دولي.
وهكذا، تاريخ مثلث بئر طويل يستمر، ومعه يأتي سؤالي الذي كان مجرد تساؤل أوهمتني يوتوبيا: هل يمكن لأحد إقامة دولة جديدة على هذه الأرض؟
في العام المنصرم، أثيرت هذه القضية بشكل غير متوقع بعدما أعلن أمريكي عن إنشاء مملكة شمال السودان، تلتها إعلانات مماثلة من هندي أسس مملكة ديكست. ومع دخول مملكة الجبل الأصفر إلى المشهد في 5 سبتمبر 2019، أصبحت هذه القضية أكثر جدية وحقيقية.
قصة المملكة الجديدة تبدأ بزيارة أمريكي لتلك المنطقة الصحراوية في عام 2016، حيث قام برفع علم خاص به وأعلن تأسيس مملكة شمال السودان في رغبة منه في إسعاد ابنته التي حلمت بأن تكون أميرة. وفي العام التالي، قام هندي بنفس الخطوة، حيث أسس مملكة ديكست تحمل اسم عائلته. هذه الإعلانات الفردية لم تكن إلا مزاحًا، حتى تم إعلان مملكة الجبل الأصفر.
تلك المملكة المزمع تأسيسها أو المزعومة تجسدت في العام الماضي كما لو كانت حلقة درامية حاول منتجوها إعادة صياغتها وكتابتها.
المزيد من المعلومات
لنعمق في رحلة الكشف عن خفايا قصة المملكة الجديدة، ونتسلح بمزيد من التفاصيل حول تأسيسها ومدى جدية واقعيتها. بعد أن رفع الأمريكي والهندي أعلامهما الخاصة وأعلنوا عن إقامة مملكتيهما الخياليتين، كان العالم يظن أن هذا مجرد مزحة أو استعراض شخصي.
لكن في 5 سبتمبر 2019، أعلن شخص آخر عن قيام مملكة الجبل الأصفر، وهو ما أعطى الأمور طابعًا جديًا. وقد استفز هذا الإعلان فضول الكثيرين، مما أثار الاهتمام بشكل كبير. لكن هل هذه المملكة حقيقية أم أنها مجرد مزحة أخرى؟
يعود الأمر إلى رجل أمريكي قرر زيارة المنطقة الصحراوية في عام 2016. وبدافع حبه لابنته، قام برفع علم خاص به وأعلن نفسه ملكًا لمملكة شمال السودان في عام 2018. يقول إن هذه الخطوة جاءت استجابة لرغبة ابنته الصغيرة التي حلمت بأن تصبح أميرة. لم يكن الهندي الذي أعلن عن مملكة ديكست في العام نفسه استثناءًا، حيث قرر نفس الطريقة لتحقيق حلمه.
ولكن الجديد هو إعلان مملكة الجبل الأصفر، الذي أطلقه شخص مجهول في 5 سبتمبر 2019. وهنا تطرح الأسئلة: هل يعيش هذا الشخص حقاً على الأرض المزعومة؟ وهل تملك المملكة هيكلًا سياسيًا أم أنها مجرد فكرة يائسة؟
يظهر أن مملكة الجبل الأصفر تأخذ الأمور بجدية، حتى إنها قامت بإصدار جوازات سفر خاصة بها وأعلنت عن رؤية دستورية تهدف إلى تحقيق التنمية والرفاه لشعبها الذي لم يظهر بعد! الأمر الذي يثير الدهشة هو أن هذه المملكة تأتي على أرض يتنازع عليها مصر والسودان، والتي تمتلكها مصر فعليًا وتُطالب بها السودان.
لكن هل هذه المملكة حقيقية أم أنها مجرد خدعة أو تجربة اجتماعية؟ يظل الجواب محل شك، ولكن يتساءل الكثيرون عن دوافع هذا الشخص وهل يحمل في جعبته رؤية حقيقية لإحداث تحول سياسي في المنطقة، أم أنه مجرد فعل فردي يعكس حاجة البعض إلى التميز والابتكار، حتى إن كان ذلك في سياق من الهزار.