يعدّ كتاب “ملكات الجمال: تاريخ مرح” الذي ألّفته كانداس سافاج وكانداس شيرك سافاج، استكشافًا مثيرًا وشيقًا لعالم مسابقات الجمال، والذي يلقي الضوء على هذا الظاهرة الثقافية البارزة التي ترسخت عبر الأجيال. يتعمق الكتاب في تاريخ مسابقات الجمال منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الزمن الحاضر، متتبعًا التطور التدريجي لمفهوم الجمال الأنثوي، وتحولاته المستمرة وفقًا للتغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع الغربي على مر السنين.
الجمال كظاهرة اجتماعية وثقافية
يتناول الكتاب فكرة أن مسابقات الجمال ليست مجرد عروض ترفيهية تهدف لاختيار المرأة الأجمل، بل هي جزء لا يتجزأ من التطور الاجتماعي والثقافي للمجتمعات. من خلال أكثر من مائة صورة فوتوغرافية ورسومات، يسعى الكتاب إلى تقديم لمحة مفصلة عن هذا التطور، ويستعرض مراحل مختلفة أثّرت على مفاهيم الجمال، بما في ذلك الحقب الزمنية التي شهدت تغيرات كبيرة في معايير الأنوثة والجاذبية.
ما يميز الكتاب هو أسلوبه الممتع والساخر في بعض الأحيان، إذ يستعرض التفاصيل التاريخية والمعايير الجمالية المتغيرة بأسلوب يبرز تناقضات هذا العالم. فعلى سبيل المثال، في بدايات مسابقات الجمال خلال خمسينيات القرن التاسع عشر، كانت المرأة الجميلة تُقاس غالبًا بمعايير صارمة ترتبط باللياقة البدنية والحشمة، إلا أن هذه المعايير بدأت في التحول تدريجيًا، لاسيما مع دخول العشرينيات من القرن الماضي عندما بدأت النساء في التحرر من القيود التقليدية، ليصبح الجمال مرتبطًا أكثر بالحرية الفردية والجاذبية الجنسية.
الجوانب الاقتصادية والسياسية لمنافسات الجمال
يتناول الكتاب أيضًا البُعد الاقتصادي والسياسي لمسابقات الجمال، حيث أصبحت هذه الفعاليات مؤسسات تجارية ضخمة تدر ملايين الدولارات عبر عقود الرعاية والإعلانات التلفزيونية. كما أن مسابقات مثل “ملكة جمال الكون” و”ملكة جمال العالم” صارت مناسبات عالمية تحظى بتغطية إعلامية واسعة النطاق وتؤثر على معايير الجمال في العديد من الدول.
إلى جانب ذلك، يعكس الكتاب الدور السياسي الذي لعبته مسابقات الجمال في تعزيز بعض القيم الاجتماعية والتقاليد في المجتمعات، خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما ارتبطت مسابقات الجمال بمفاهيم القوة الوطنية والتفوق الثقافي. في تلك الفترة، أصبحت هذه المسابقات فرصة لعرض صورة المرأة المثالية التي تمثل أمة ما، حيث تروّج لفكرة أن الجمال ليس مجرد نعمة فردية، بل رمزًا للقوة الوطنية والتقدم الاجتماعي.
التحولات في معايير الجمال
يستعرض الكتاب أيضًا التحولات التي طرأت على معايير الجمال عبر العقود. فبينما كانت المرأة البيضاء النحيلة ذات الملامح الأوروبية تُعتبر المثال الأعلى للجمال في العقود الأولى من القرن العشرين، شهدت العقود اللاحقة انفتاحًا أكبر على تنوع الأصول العرقية والجسدية. بدأ الجمال يُفهم على أنه متعدد الأوجه، يشمل سمات متنوعة تعكس التنوع الثقافي والعرقي.
هذا التحول لم يكن سريعًا أو بسيطًا، بل جاء نتيجة ضغوط متزايدة من الحركات النسوية والمجتمعات المدنية التي طالبت بتوسيع مفهوم الجمال ليشمل جميع النساء بغض النظر عن أصولهن العرقية أو مقاساتهن الجسدية. ومن هنا، أصبحت مسابقات الجمال في العقود الأخيرة أكثر شمولية، حتى لو ظلت مثارًا للجدل والنقد من قِبل البعض الذين يرون أنها لا تزال تُعزز معايير ضيقة للجمال.
نقد مسابقات الجمال ودورها في تعزيز القوالب النمطية
على الرغم من الجاذبية التي تحظى بها مسابقات الجمال، فإن الكتاب لا يتجاهل النقد الموجه لهذه الظاهرة، خصوصًا من قبل الحركات النسوية التي تعتبر أن هذه المسابقات تُسهم في تعزيز القوالب النمطية السلبية حول دور المرأة. يرى النقاد أن مسابقات الجمال تُركّز على الشكل الخارجي للمرأة وتضع قيمتها في مظهرها الجسدي، متجاهلة مواهبها الفكرية وإسهاماتها في المجتمع.
كما أن النقاش حول الجمال الطبيعي مقابل الجمال المجمّل أصبح أحد المحاور الرئيسية التي يناقشها الكتاب. فقد شهدت العقود الأخيرة تزايدًا في الاعتماد على العمليات التجميلية ومستحضرات التجميل، ما جعل الجمال أمرًا يمكن شراؤه أو الحصول عليه عبر تقنيات حديثة، وهو ما أثار جدلًا حول مدى مصداقية مسابقات الجمال في تقييم الجمال الحقيقي.
الختام
يعتبر “ملكات الجمال: تاريخ مرح” إضافة قيّمة إلى الدراسات الاجتماعية والثقافية التي تتناول مفهوم الجمال ودوره في تشكيل الهوية الأنثوية. من خلال تقديم لمحة تاريخية معمقة ومعالجة موضوعية لتأثيرات هذه الظاهرة، يُقدم الكتاب فرصة لفهم أعمق لكيفية تطور معايير الجمال الأنثوي وتأثيراتها على المجتمع. وبفضل أسلوبه السلس والممتع، يتيح للقراء التفاعل مع موضوع معقد وذي أبعاد متعددة، مما يجعله مرجعًا هامًا لكل من يهتم بدراسة الجمال والثقافة الشعبية.