“ويمكرون والله خير الماكرين” – معنى وتفسير وتدبر
الآية الكريمة “وَيَمْكُرُونَ وَاللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ” هي جزء من القرآن الكريم، وتحديداً من سورة آل عمران (الآية 54). تعتبر هذه الآية من الآيات التي تحمل في طياتها معانٍ عميقة، تبرز قدرة الله سبحانه وتعالى في ردّ مكر الأعداء، وتبين عجزهم أمام حكمته وإرادته. في هذا المقال، سنتناول تفسير هذه الآية الكريمة، ومعانيها اللغوية والشرعية، وكذلك تدبراتها وأبعادها في الحياة اليومية.
المعنى اللغوي للآية
الآية تتحدث عن “المكر”، والمكر في اللغة يعني الحيلة أو التدبير الخفي، وقد يرتبط المكر مع الحيلة الشريرة أو المكائد التي يهدف منها المرء إلى خداع الآخرين أو النيل منهم. يُقال إن الشخص مكر بالآخرين إذا دبّر لهم أمراً خفياً يضرهم.
أما كلمة “وَيَمْكُرُونَ” في الآية الكريمة، فهي تعني أن الأعداء أو المكائد تَحاكُ من قبل أولئك الذين يظنّون أنهم قادرون على التدبير بحيلة لإلحاق الضرر بالمسلمين، أو تحقيق أهدافهم الشخصية غير المشروعة. ولكن الرد الواضح في الآية يأتي مباشرة على لسان الله تعالى في قوله “وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ”، وهذا تأكيد على أن مكر البشر مهما كان محكمًا ومُتَقَنًا، إلا أن الله سبحانه وتعالى هو الأفضل والأعلم في التدبير والحكمة.
تفسير الآية في سياقها القرآني
تتحدث هذه الآية عن الأحداث التي وقعت في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما حاول أعداء الإسلام من قريش وغيرهم تدبير المكائد ضد النبي وأتباعه، خصوصاً بعد غزوة أحد. بعد الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في معركة أحد، ظنّ المشركون أن الإسلام قد تراجع وضعف، وأخذوا يخططون لمزيد من الأذى للمسلمين والنيل من نبيهم. وكانت مكائدهم تتمثل في تحريض الناس على النبي، وتزوير الحقائق، والتخطيط لقتله.
لكن الله سبحانه وتعالى أعلن بوضوح في هذه الآية أن المكائد مهما كانت مدروسة ومحكمة فإن الله هو “خير الماكرين”، وهو الذي يردّ كل مكيدة إلى أصحابها. إن تدبير الله في رد المكائد هو تدبير كامل وحكيم، لا يمكن لأحد أن يتفوق عليه.
الدروس المستفادة من الآية
-
عظمة الله في التدبير: تعلمنا الآية أن الله سبحانه وتعالى هو الأعظم والأقوى في تدبير الأمور، مهما كانت الحيل التي يُدبّرها أعداء الحق. وقد يظهر أن الأعداء قد حققوا بعض النجاح المؤقت في مخططاتهم، لكن في النهاية سيكون الفشل حليفهم.
-
الحذر من المكر البشري: لا يعني تدبر هذه الآية أن المسلم يجب أن يترك نفسه فريسة لأعدائه أو أن يتغافل عن الحذر. بالعكس، على المسلم أن يتخذ الأسباب والوسائل المشروعة للحفاظ على نفسه ودينه، ولكن في النهاية، عليه أن يثق في أن الله هو الحامي والمدبر الأكبر.
-
الطمأنينة والراحة النفسية: في عالم مليء بالمؤامرات والمكائد، تمنحنا هذه الآية شعورًا بالطمأنينة. مهما كانت مكائد الأعداء، علينا أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحمي ويؤمن، وأنه لا يمكن لأي مكر أن ينجح إذا لم يكن في مشيئة الله.
-
التوكل على الله: يعلمنا السياق القرآني أهمية التوكل على الله في جميع الأمور. وإن كان الإنسان يخطط ويحاول أن يحسن التدبير، إلا أن النجاح أو الفشل في النهاية هو بيد الله وحده. علينا أن نتخذ الأسباب، ولكن قلبنا يكون مطمئنًا إلى أن الله هو خير الماكرين.
التدبر في السياق التاريخي للأمة الإسلامية
إن هذه الآية تذكرنا بتجارب عديدة مرّ بها المسلمون على مر العصور، حيث كانت الحيل والمكائد تُدبر ضدهم من أعدائهم. عبر التاريخ، حاول أعداء الإسلام أن يحيكوا المكائد لزعزعة استقرار الأمة، ولكن مع مرور الزمن، تبيّن أن تلك المكائد كانت مجرد محاولات فاشلة، وأن الله سبحانه وتعالى قد حفظ دينه وأمته.
من المعارك التاريخية التي يمكن ربطها بهذه الآية، نجد غزوة بدر وأحد، حيث كانت قريش تحاول تدمير الإسلام في مراحله الأولى، ولكن الله ردّ عليهم بالمكر الذي كان فوق ما تخيله الأعداء. رغم قوة العدو وعدده، كان الله هو الذي يحقق النصر للمسلمين في كل مرة.
المكر وأثره في حياة الإنسان
على المستوى الفردي، يعيش الإنسان في هذا العالم الذي يتصاعد فيه الصراع بين الخير والشر، وتُحاك فيه المكائد بطرق مختلفة. فالمكر قد يظهر في علاقات اجتماعية أو في محيط العمل أو في السياسة أو حتى في العلاقات العائلية. وفي كثير من الأحيان، يكون الإنسان معرضًا لهذه المكائد بشكل أو بآخر.
ومع ذلك، تُذكّرنا هذه الآية أن الإنسان لا يجب أن ييأس أو يقلق، بل يجب أن يثق في أن الله سبحانه وتعالى خير الحافظين. فالإنسان قد يخطط ويحاول التحايل، ولكن في النهاية، سيكون الله هو من يحدد مصير الأمور، ويحفظ أهل الحق. ولا يعني ذلك أننا يجب أن نتجاهل الحذر أو نتقاعس في التدبير، بل يجب أن نكون دائمًا في حالة يقظة ووعي، مع التوكل الكامل على الله في كل أمور حياتنا.
الطريق إلى النصر الحقيقي
إن تحقيق النصر الحقيقي لا يكمن في تدمير أعداء الإسلام، بل في صبر المؤمنين وثباتهم على الحق. فالمكائد قد تأتي وتذهب، ولكن الصبر والتمسك بالعقيدة والثقة في الله هما العاملان الرئيسيان في إيمان المسلم بأن الله سيحفظه من كيد الأعداء.
خاتمة
في الختام، تبقى هذه الآية الكريمة مصدرًا من مصادر الطمأنينة والراحة للمؤمن. فالله سبحانه وتعالى هو “خير الماكرين”، وهو الذي يدير كل الأمور بحكمته وعظمته. مهما كانت المكائد والأعداء، فإن النصر الحقيقي سيكون دائمًا في صف من يثقون بالله ويعتمدون عليه في جميع أمورهم.
