مكانة المرأة في الإسلام
يُعدّ موضوع مكانة المرأة في الإسلام من المواضيع الجوهرية التي تعكس رؤية الدين الإسلامي الشاملة والمتوازنة تجاه المرأة ودورها في المجتمع. الإسلام لم يأتِ ليُقلل من شأن المرأة أو يحصرها في أدوار ضيقة، بل جاء ليكفل لها حقوقها ويحفظ كرامتها، ويرسخ مبادئ العدالة والمساواة بين الجنسين على أسس متينة تستند إلى الوحي الإلهي.
تتمثل مكانة المرأة في الإسلام في كونها جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الإنساني، وهي شريكة الرجل في المسؤوليات والحقوق والواجبات، مع مراعاة الفروق الفطرية التي خلقها الله بينهما والتي تستوجب تكاملهما لا تفاضلهما. فالإسلام يضع المرأة في مركز رعاية واهتمام بالغين، ويضمن لها حياة كريمة يحفظ لها كيانها الجسدي والمعنوي، ويرسخ قيم الاحترام والتقدير والتكريم.
من أبرز مظاهر مكانة المرأة في الإسلام هي الحقوق التي كفلها لها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي كانت في زمانها ثورية ومتفوقة على كثير من النظم الاجتماعية السابقة. فالمرأة في الإسلام لها حق التعليم، والحق في العمل، والحق في التعبير عن رأيها، والحق في الميراث، وحق المشاركة في الحياة العامة، والحق في الزواج والطلاق بالطرق المشروعة التي تحفظ كرامتها وسلامتها النفسية والاجتماعية.
علاوة على ذلك، الإسلام يولي أهمية كبرى لدور المرأة في الأسرة، باعتبارها الأم التي تبني الأجيال وتحفظ القيم وتنشئ النشء على الفضائل والأخلاق الفاضلة، والأخت والزوجة التي تستحق كل الاحترام والتقدير، وتشارك في دعم زوجها ومساندته. كما جاء الإسلام بآداب تتعلق بكيفية معاملة المرأة والتعامل معها برفق ورحمة، ورفض كافة أشكال الظلم والاستغلال التي قد تواجهها.
تتجلى مكانة المرأة أيضًا في التشريعات التي تحميها من العنف والإساءة، وتجعلها ذات استقلالية نسبية في إدارة شؤونها الخاصة، كما أن المرأة الإسلامية لها دور فعال في المجتمع عبر ميادين متعددة كالعمل الخيري، والتعليم، والمشاركة السياسية، والتطوير المجتمعي، وكل ذلك ضمن إطار يراعي التوازن بين الالتزامات الدينية والاجتماعية.
في الواقع، فقد أثبت التاريخ الإسلامي أن المرأة كانت صاحبة دور مؤثر في النهضة الإسلامية، سواء كعالمات، أو ناشطات، أو قائدات، أو صانعات قرار، وهذا يؤكد أن الإسلام لم يقيد دورها بل حفزها على العطاء والتأثير في كل المجالات. وما شهدته الأمة الإسلامية من تقدم حضاري في مراحل مختلفة كان مدفوعًا بدور نسائها الفاعل والمشهود.
وبينما يحافظ الإسلام على ثوابته، فإنه يراعي في ذات الوقت التطورات الاجتماعية والإنسانية، ويمنح المرأة الحريات اللازمة لتعيش حياة متوازنة تحقق ذاتها وتساهم في رفعة المجتمع. وفي هذا الإطار، فإن فهم مكانة المرأة في الإسلام يستوجب العودة إلى نصوصه الأصلية بعيدًا عن التأويلات الخاطئة أو التفسيرات المضللة التي تحاول اختزال حقوق المرأة أو إقصاء دورها.
يبقى جوهر مكانة المرأة في الإسلام قائمًا على القيم الإنسانية الرفيعة التي تحترمها وتحافظ عليها، وتجعل منها شخصية متكاملة تُعنى بحقوقها وواجباتها، وتمكّنها من المشاركة الفاعلة في بناء مجتمع متماسك، متقدم، عادل، وإنساني. هذا التوازن بين الحقوق والواجبات، بين الحرية والمسؤولية، يجعل مكانة المرأة في الإسلام نموذجًا فريدًا يمكن استلهامه لمواجهة تحديات العصر، وبناء مجتمع متطور ينعم بالكرامة والعدالة والمساواة.
المراجع:
-
محمد الغزالي، “المرأة في الإسلام”، دار المعرفة، القاهرة.
-
يوسف القرضاوي، “فقه المرأة في الإسلام”، دار الشروق، القاهرة.
