السماوات السبع: شرح مفصل ومعمق

تُعدّ فكرة السماوات السبع من المفاهيم المركزية في العقيدة الإسلامية، وهي عبارة وردت في كثير من آيات القرآن الكريم، وكُتب عنها الكثير من الشروح والتفسيرات عبر التاريخ الإسلامي. تشير السماوات السبع إلى سبع طبقات من السماء، أو سبع مستويات من العلو، تفصل بينها حدود ومعايير محددة، ولكل منها خصائص معينة. تتجاوز هذه الفكرة البُعد المادي للسماء لتتضمن دلالات روحية وفلسفية عميقة ترتبط بعظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته المطلقة، وكذلك بنظام الكون وترتيبه الدقيق.

في هذا المقال، سيتم تناول مفهوم السماوات السبع بشمولية وعلمية، مع التوسع في تفسير معانيها، واستعراض الأدلة الشرعية، ورصد ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى الاستعانة بالمفاهيم الفلسفية والكونية التي تساعد على فهم هذا الموضوع من منظور علمي وروحي متكامل.

أصل مفهوم السماوات السبع في النصوص الإسلامية

يظهر ذكر السماوات السبع في القرآن الكريم بشكل متكرر، ففي آيات متعددة يذكر الله تعالى:

• قوله تعالى: ﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً﴾ [الفرقان: 61]

• قوله تعالى: ﴿الله الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت﴾ [الملك: 3]

• وقوله تعالى: ﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير﴾ [الحديد: 4]

وفي هذه الآيات، بالإضافة إلى آيات أخرى عديدة، يتضح أن السماوات السبع ليست مجرد سقف مادي واحد للكون، وإنما مجموعة طبقات أو مستويات متراكبة ومتعددة، لكل منها صفات مختلفة من حيث الضوء، الطاقة، الترتيب، والغلاف.

المعنى اللغوي والاصطلاحي للسماوات السبع

المعنى اللغوي

كلمة “سماء” في اللغة العربية تعني المكان العالي الذي يحتضن الأرض ويشمل الفضاء الذي تراه العين من حولك، أو هو الحجاب الذي يحجب ما فوق الأرض. ومن هنا تنبع تسمية السماء بأنها الفضاء الواسع فوقنا.

أما لفظ “سبع” في اللغة، فهو عدد كامل ودال على التمام والكمال، لذلك يقال “سبع سماوات” للدلالة على أن عدد السماوات المكتملة أو الكاملة هو سبع طبقات.

المعنى الاصطلاحي

في المصطلح الإسلامي، السماوات السبع تشير إلى سبع طبقات أو مستويات من السماوات، كل واحدة فوق الأخرى، يحيط بها نظام خاص ومنظم. وتأتي هذه الطبقات متدرجة في البعد عن الأرض، وتختلف في صفاتها الفيزيائية والروحية، كما تشير النصوص إلى أن فيها مخلوقات وأنبياء وجبريل وملائكة.

الأدلة القرآنية على وجود السماوات السبع

الأدلة على وجود السماوات السبع عديدة في القرآن الكريم، منها:

• ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾ [الملك: 3]، حيث تؤكد هذه الآية على أن الله سبحانه خلق سبع سماوات فوق بعضها البعض كطبقات متتالية.

• ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [الشورى: 5]، مما يدل على اتصال السماء بالأرض بنظام محكم.

• ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الأنبياء: 22]، ما يشير إلى أن السماوات فيها إله ونظام إلهي معين.

• ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47]، ما يوضح تباين الزمن في السماوات بمفهوم روحي وكوني.

هذه الآيات تؤكد وجود السماوات السبع، كما تبرز العلاقة القائمة بينها وبين الأرض، وتوضح أن نظامها محكم ومنظم، وتؤكد على قدرة الله في خلقها.

التفاسير الإسلامية للسماوات السبع

اختلف العلماء والمفسرون في تفسير السماوات السبع، لكن معظمهم اتفق على أن السماوات تعني الطبقات السماوية التي تحوي النجوم والكواكب والملائكة والأنبياء في بعض الطبقات العليا.

تفسير الطبري

قال الإمام الطبري إن السماوات السبع هي سبع طبقات أو طباق متراكبة، لكل طبقة مخلوقات وسلطان، وهو بذلك يجمع بين البعد المادي والروحي في تفسير السماوات.

تفسير ابن كثير

يرى ابن كثير أن السماوات السبع هي سبع طبقات من السماء يعلو بعضها فوق بعض، مع وجود مخلوقات في كل طبقة، وأنها من آيات قدرة الله، وهي التي تتضمن الشمس والقمر والنجوم.

تفسير القرطبي

يضيف القرطبي أن السماوات السبع هي في الحقيقة طبقات متراكبة، ولا يختلف هذا التفسير مع حقيقة علمية تؤكد وجود طبقات من الغلاف الجوي فوق الأرض، لكنه يربطها أيضاً بمعاني روحية، مثل وجود الملائكة وحكم الله في كل طبقة.

علاقة السماوات السبع بالعلوم الطبيعية الحديثة

مع تقدم العلم، تبين أن الأرض محاطة بعدة طبقات من الغلاف الجوي، ومنها التروبوسفير، الستراتوسفير، الميزوسفير، الثيرموسفير، والإكزوسفير، وتمتد هذه الطبقات لمسافات مختلفة فوق الأرض. هذه الحقيقة العلمية لا تتعارض مع فكرة السماوات السبع، بل يمكن اعتبارها تفسيراً ماديًا أو فيزيائيًا جزءًا من النظام الإلهي الذي وصفه القرآن.

كما أن علم الفلك الحديث كشف أن الكون يتكون من عدة مستويات وأبعاد، ومجرات ومجموعات نجمية متنوعة، مع وجود طاقات وأشكال متعددة من المادة، مما يؤكد تعقيد النظام الكوني ودقة التصميم الإلهي.

خصائص السماوات السبع

وفقاً لما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف، يمكن استنتاج عدة خصائص للسماوات السبع:

1. الترتيب والتدرج: السماوات السبع مرتبة طبقات فوق بعضها، ولا يتداخل أي منها مع الآخر، وهو ما يسمى “الطباق”.

2. الخلق بتقدير: خلقها الله بتقدير دقيق وهدف معين، كما في قوله تعالى: ﴿ما خلق السماوات والأرض وما بينهما لعبث﴾ [الفرقان: 59].

3. احتواء كل طبقة على مخلوقات: في السماوات العلوية مخلوقات مختلفة كالملائكة والأنبياء، في حين السماوات الدنيا تحوي النجوم والكواكب.

4. وجود عرش الله فوقها: وقد ذُكر في الحديث الشريف وفي القرآن أن عرش الله فوق السماوات السبع، وهو الأعلى والأعظم.

5. الاستجابة للعبادة: السماوات السبع كلها تستجيب لأمر الله وتسبح بحمده، كما في قوله تعالى: ﴿سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين﴾ [الصافات: 180-182].

السماوات السبع في الكتب السماوية الأخرى

مفهوم السماوات السبع لم يكن مقصوراً على الإسلام فقط، بل ورد في كتب دينية أخرى مثل اليهودية والمسيحية، حيث تشير التوراة والإنجيل إلى وجود سبع سماوات، أو مستويات روحية للكون، تتوزع بين العلو والسمو، وبين المادي والروحي.

في اليهودية، يتحدث التلمود عن سبع سماوات، وكل واحدة لها طبيعة مختلفة، وكذلك في المسيحية، توجد إشارات للطبقات السماوية والسماء السابعة التي تُعد مقر الله.

وهذا يدل على أن الفكرة تحمل مدلولاً كونيًا وروحيًا عميقًا متشابهًا في الأديان السماوية كلها.

أبعاد روحية وفلسفية للسماوات السبع

السماوات السبع ليست فقط وجودًا ماديًا وكونيًا، بل هي تمثل كذلك مراحل أو مراتب روحية وعرفانية، ترتقي بها الأرواح إلى مراتب عالية في قربها من الله سبحانه وتعالى. وترمز هذه الطبقات إلى الكمال، والعلو، والسمو الروحي الذي لا يدركه إلا من بلغ من المعرفة والتقوى درجة عالية.

كذلك، فإن مفهوم السماوات السبع يعكس النظام الكوني المُتقن، والذي يترتب عليه توازن دقيق في سير الكون، والسنن الإلهية التي تحكم كل جزء فيه، مما يوضح أن الكون ليس عبثاً بل منظومة مُحكمة.

علاقة الإنسان بالسماوات السبع

الإنسان في العقيدة الإسلامية هو المخلوق الذي خلق الله في أحسن تقويم، وجعل له مكانة عظيمة بين المخلوقات، وله ارتباط روحي مباشر بالسماوات. فقد ذكر أن الروح تأتي من السماء، وأن الدعاء والصلاة متجهة نحو السماء، وأن الملائكة تحيط بالإنسان وتحرسه.

كما أن الإيمان بالسماوات السبع يعني الاعتراف بعظمة الخالق الذي يحيط الكون بأسره، وبأن الإنسان جزء من هذا النظام الكبير، ومسؤول عن التعامل مع الأرض والكون بوعي واحترام.

جدول يوضح ملخص طبقات السماوات السبع بناءً على التفاسير الإسلامية

خاتمة

السماوات السبع تمثل نظاماً كونيًا وروحيًا عظيمًا يعكس عظمة الخالق وقدرته على خلق الكون بترتيب ودقة لا مثيل لهما. تحمل السماوات السبع معاني متعددة تشمل المادي والروحي، والكوني والفلسفي، مما يجعلها من المواضيع التي تتطلب تأملاً عميقاً وعلمياً في آن واحد. في ضوء القرآن الكريم والعلوم الحديثة، يمكن النظر إلى السماوات السبع على أنها طبقات متعددة من الكون ترتبط ببعضها البعض من خلال نظام إلهي محكم، وتتضمن مخلوقات وأنظمة متداخلة تدعم الحياة والوجود بكافة أشكاله.

المراجع

1. القرآن الكريم، تفسير ابن كثير، دار الفكر.

2. الطبقات السماوية في الإسلام، محمد أبو زهرة، دار العلم للملايين.