مفطرات الصيام الحديثة

مفطرات الصيام المعاصرة: دراسة فقهية طبية تأصيلية

شهد العصر الحديث تطورًا طبيًا وتكنولوجيًا غير مسبوق، ما أدى إلى ظهور العديد من المسائل الجديدة التي لم تكن معروفة من قبل في أبواب الصيام، مما استوجب البحث فيها وتحرير أحكامها الشرعية. في هذا السياق يأتي كتاب “مفطرات الصيام المعاصرة”، وهو من الكتب العلمية المعاصرة التي سعت إلى جمع هذه النوازل الطبية والفِقهيّة المتعلقة بمفسدات الصيام الحديثة، وبيان الحكم الشرعي لكل منها بأسلوب يجمع بين التأصيل الفقهي والطرح الطبي المعتمد.

تمهيد عام في فقه النوازل الطبية

يمثل فقه النوازل أحد فروع الفقه الإسلامي الذي يعنى بالتعامل مع القضايا والمستجدات التي لم تكن في زمن النصوص الأصلية، ويزداد هذا النوع من الفقه أهميةً في العصور المتأخرة، خاصة مع تطور العلم والطب، وظهور أساليب علاجية وتشخيصية لم تكن معروفة في العصور السالفة. يركز كتاب “مفطرات الصيام المعاصرة” على هذه القضايا، منطلقًا من قواعد أصولية معروفة مثل قاعدة: “الأصل في العبادات المنع حتى يرد الدليل”، وقاعدة “اليقين لا يزول بالشك”، وقاعدة “لا فطر إلا بما دخل الجوف من منفذ معتاد”.

هيكلة الكتاب

ينقسم الكتاب غالبًا إلى أبواب أو فصول رئيسية، تتناول كل منها طائفة من المفطرات المعاصرة المرتبطة بجهاز معين من أجهزة الجسم، أو أسلوب علاجي محدد، ويعتمد في تصنيفه على:

• البعد التشريحي (تشريح الأعضاء).

• البعد الوظيفي (وظائف الأعضاء).

• البعد الطبي التطبيقي.

• البعد الفقهي التأصيلي.

المنهجية المعتمدة

المنهج الذي اعتمده مؤلف الكتاب يجمع بين النقل الموثوق من كتب الفقه بمذاهبهم الأربعة، وبين عرض آراء المجامع الفقهية المعاصرة مثل:

• مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي.

• مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

• هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

• ندوة فقه النوازل الطبية وغيرها.

كما يستند في البعد الطبي إلى أقوال المتخصصين المعتبرين، وتقارير موثوقة من جمعيات طبية إسلامية مثل الجمعية الطبية الإسلامية، والمراجع الطبية الحديثة المعتمدة.

أبرز المسائل المعاصرة التي ناقشها الكتاب

أولًا: ما يدخل عبر الفم ولا يُقصد به التغذية

• حبوب الدواء بدون ماء: ناقش المؤلف القول الراجح في هذه المسألة من حيث كونها مفطرة أو غير مفطرة.

• البخاخات الفموية مثل بخاخ الربو: خلصت المجامع الفقهية إلى أنها غير مفطرة بناءً على كمية المادة الداخلة، وعدم وصولها إلى الجوف بقدر مغذٍ.

• معجون الأسنان: يتجه الرأي الراجح إلى الجواز إذا لم يتسرب شيء منه إلى الجوف.

ثانيًا: ما يدخل عبر الأنف

• بخاخ الأنف وقطرات الأنف: ناقش الكتاب النفاذية العالية للأنف إلى الجوف، خاصة أن الأنف يعتبر منفذًا معتادًا يصل إلى الحلق، فذهب الرأي الأرجح إلى أنها مفطرة إذا وصل شيء إلى الحلق.

ثالثًا: ما يدخل عبر العين والأذن

• قطرات العين: اختلف فيها الفقهاء، لكن الجمهور على عدم الإفطار بها لعدم وجود منفذ مباشر إلى الجوف.

• قطرات الأذن: تفرّق الحكم بين الأذن الخارجية التي لا تصل إلى الجوف، والأذن الوسطى عبر ثقب طبلة الأذن التي قد تُفطر.

رابعًا: ما يدخل عبر الجلد والعضلات

• الحقن الجلدية والعضلية: ليست من المفطرات باتفاق معظم الفقهاء المعاصرين، لعدم دخول المادة عبر منفذ معتاد إلى الجوف، وعدم كونها مغذية.

• الحقن الوريدية: يُفرّق المؤلف بين الحقن المغذية (كالفيتامينات أو محلول الجلوكوز) التي تُفطر، وغير المغذية التي لا تفطر.

خامسًا: ما يدخل عبر فتحة الشرج

• التحاميل الشرجية: تُعد من المفطرات لأنها تدخل من منفذ معتاد وتصل إلى الجوف.

• الغُسُول الشَّرجي والتنظير الشرجي: المفطرية تتوقف على ما إذا كان السائل المستخدم مغذٍّ أو لا.

سادسًا: عمليات الغسيل الكلوي

• الغسيل البريتوني: يدخل فيه سائل إلى جوف البطن ويُمتص جزئيًا، مما يُرجّح القول بإفطاره.

• الغسيل الدموي: يُستخرج الدم ويُنقّى ويُعاد، وقد يخلط بمحاليل مغذية، ما يجعل أغلب المجامع الفقهية تعتبره من المفطرات.

سابعًا: التطعيمات واللقاحات

• لا تُعد من المفطرات على القول الراجح لأنها تُحقن في العضل ولا تدخل عبر منفذ معتاد، وليست من النوع المغذي.

ثامنًا: التبرع بالدم وسحب الدم

• الراجح أنه لا يُفطر سحب الدم المعتاد مثل التحاليل، أما التبرع بكميات كبيرة فقد يُفطر على رأيٍ يُشبهه بالحجامة.

تاسعًا: الغيبوبة والتخدير الكلي

• إن طال التخدير يوماً كاملاً، وذهب معه الوعي، سقط الصيام لعجز الإنسان عن النية.

• أما إن كان التخدير جزئياً أو لفترة بسيطة فلا يسقط الصيام.

جدول يوضح المفطرات وغير المفطرات من النوازل المعاصرة

أهمية الكتاب ومكانته في المكتبة الإسلامية

يحظى كتاب “مفطرات الصيام المعاصرة” بأهمية كبيرة في الفقه الإسلامي المعاصر لعدة أسباب:

• يجمع بين الاجتهاد الفقهي القديم والنظر الطبي الحديث.

• يُعد مرجعًا مهمًا للأطباء المسلمين في رمضان في معرفة ما يُفطر الصائم من عدمه.

• يستخدم أسلوبًا علميًا دقيقًا يراعي اللغة الفقهية والاصطلاحات الطبية.

• يسد ثغرة واضحة في فقه النوازل الطبية التي باتت تتوسع يومًا بعد يوم.

توصيات وملاحظات ختامية

يشجع الكتاب على ضرورة وجود لجان طبية فقهية مشتركة تُقيّم المستجدات بصفة دورية، وتصدر الفتاوى المؤصلة التي تخدم عموم المسلمين، خصوصًا في المواسم الكبرى كشهر رمضان. كما يدعو المؤلف إلى ضرورة نشر الوعي بين عامة الناس، وتبسيط المسائل الخلافية عبر الفتاوى الجماعية الصادرة من المجامع الفقهية المعتبرة.

المصادر والمراجع:

1. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة العاشرة.

2. أبحاث ندوة فقه النوازل الطبية المعاصرة، المنظمة في دولة الكويت 2008م.