مفطرات الصيام من الأدوية

يُعدّ الصيام أحد العبادات العظيمة في الإسلام التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وهو فريضة مفروضة على المسلمين في شهر رمضان، وله أحكام دقيقة تتعلق بما يُفطر الصائم وما لا يُفطره. مع تطور الحياة العصرية وتعدد الأدوية وطرق تناولها، برزت الحاجة الماسة إلى توضيح حكم الأدوية أثناء الصيام، وتحديد تلك التي تعتبر من المفطرات وتلك التي لا تُفسد الصيام. وقد أصبح من الضروري بيان ذلك بتفصيل دقيق يعتمد على ما أقرّه العلماء استناداً إلى الأدلة الشرعية، مع مراعاة ما قررته المجامع الفقهية والهيئات الطبية المعتبرة.

القاعدة العامة في مفطرات الصيام

الأصل في الصيام هو الامتناع عن كل ما يدخل إلى الجوف عن طريق المنافذ المعتادة كالفم والأنف من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويُعتبر إدخال أي مادة مغذية أو ذات أثر علاجي مباشر إلى الجوف من المفطرات إذا كانت تصل إلى المعدة أو ما يقوم مقامها من خلال هذه المنافذ. أما الأمور التي لا تصل إلى الجوف أو لا تحمل خصائص التغذية فلا تُفطر بحسب ما أفتى به جمهور العلماء.

تصنيف الأدوية من حيث تأثيرها على صحة الصيام

يمكن تصنيف الأدوية في ضوء ما قرره العلماء والمجامع الفقهية إلى مجموعات رئيسية بناءً على طريقة تناولها وتأثيرها على الجوف، كما يلي:

1. الأدوية التي تُفطر الصائم باتفاق العلماء

• الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم: وتشمل الأقراص، الكبسولات، الأشربة، والمحاليل التي يتم بلعها، لأن هذه المواد تصل مباشرة إلى المعدة وهي منفذ معتاد للطعام والشراب، وبالتالي تُعد من المفطرات.

• الحقن المغذية: مثل المحاليل الوريدية التي تُستخدم للتغذية أو لتعويض السوائل كالجلوكوز أو الأملاح، لأن هذه الحقن تقوم مقام الطعام والشراب في تغذية الجسم، وقد أجمع العلماء على أنها تُفطر لأنها تعطي الجسم ما يحتاجه من طاقة بطريقة غير فموية لكنها تحقق نفس النتيجة.

2. الأدوية التي يُختلف في تأثيرها على صحة الصيام

• الحقن غير المغذية: كحقن الأدوية العضلية أو الوريدية التي لا تحتوي على مغذيات مثل بعض المضادات الحيوية أو المسكنات، وقد اختلف العلماء في تأثيرها، إلا أن الراجح من أقوال الفقهاء ومقررات المجامع الفقهية أنها لا تُفطر لأنها لا تدخل من منفذ معتاد ولا تُغذي الجسم.

• بخاخات الأنف والفم: مثل بخاخات الربو، وقد دار خلاف فقهي كبير حولها، حيث رأى بعض العلماء أنها تُفطر باعتبار أن البخار يتحول إلى سائل يدخل إلى الحلق، بينما أفتت مجامع فقهية معاصرة بعدم فساد الصوم بها إذا كانت كميتها صغيرة ولا تصل إلى المعدة.

• القطرات في الأنف: إذا وصلت إلى الحلق وأحسّ بها الصائم فالغالب أنها تُفطر لأن الأنف من المنافذ التي تصل إلى الجوف مباشرة.

3. الأدوية التي لا تُفطر الصائم بحسب الرأي الراجح

• الحقن الجلدية والعضلية والوريدية غير المغذية: حيث لا تتضمن عناصر غذائية ولا تصل إلى الجوف بالطريقة المعتادة.

• القطرات في الأذن والعين: وهي لا تُفطر لأن العين ليست منفذاً للجوف، وأما الأذن فقد ثبت من الناحية التشريحية أن طبلة الأذن تفصل بين القناة الخارجية والجوف الداخلي فلا يُعتبر ما يوضع فيها من المفطرات إلا إذا كانت الطبلة مثقوبة.

• بخاخات الأنف الخفيفة: إذا لم تصل إلى الحلق ولم يُبتلع شيء منها فالأصل أنها لا تُفطر.

• الأدوية الموضعية: مثل المراهم، الكريمات، واللصقات الجلدية مثل لصقات النيكوتين أو لصقات علاج الألم، حيث أن امتصاصها يتم عبر الجلد ولا تصل إلى الجوف عبر منفذ معتاد.

• الأدوية تحت اللسان: مثل حبوب الذبحة الصدرية التي تُمتص مباشرة من الأغشية المخاطية تحت اللسان ولا يتم ابتلاعها، وقد أفتت مجامع فقهية بعدم فساد الصوم بها بشرط عدم ابتلاع أي شيء منها.

• الغازات والبخاخات التي لا تحمل سائلًا يدخل المعدة: حيث يتم امتصاصها في الشعب الهوائية دون وصولها إلى المعدة.

• التحاميل الشرجية: وقد وقع خلاف بين العلماء حولها، إلا أن كثيرًا من المعاصرين ذهبوا إلى أنها لا تُفطر لأن منفذ الشرج ليس من المنافذ المعتادة للطعام والشراب، ولأن التحاميل تُستخدم في حالات طبية ولا تؤدي إلى تغذية الجسم.

أمثلة على الأدوية وتأثيرها على الصيام

فتاوى المجامع الفقهية المعاصرة

أصدرت مجامع فقهية معتمدة عدة قرارات تتعلق بالأدوية أثناء الصيام، ومن أبرزها مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، حيث أكدت أن ما يلي لا يُفطر الصائم:

• الحقن العلاجية العضلية والوريدية التي لا تغذي.

• بخاخ الربو إذا كان لا يصل إلى المعدة بكمية مؤثرة.

• القطرة في العين والأذن.

• الأدوية التي تُمتص تحت اللسان.

• الأدوية الموضعية بكافة أشكالها.

كما نصت على أن ما يلي يُفطر:

• الأقراص والمحاليل التي تُبتلع.

• الحقن المغذية التي تقوم مقام الطعام والشراب.

• ما يدخل عبر الأنف ويصل إلى الجوف.

الاعتبارات الطبية في مفطرات الصيام

الطب الحديث أسهم بشكل كبير في توضيح المسارات التشريحية للأدوية، وساعد العلماء في فهم كيفية امتصاص العقاقير داخل الجسم. حيث تبين أن:

• الامتصاص الجلدي لا يتسبب بدخول كمية مؤثرة من المواد إلى الدورة الدموية بما يعادل الأكل أو الشرب.

• الامتصاص عن طريق الأغشية المخاطية تحت اللسان أو الأنف قد يكون سريعًا لكنه لا يُعتبر في حكم الأكل والشرب ما لم يتم ابتلاع المادة.

• القطرة في العين أو الأذن لا تصل عادة إلى الجهاز الهضمي إلا إذا كانت هناك فتحات غير طبيعية أو ثقوب.

ضوابط استخدام الأدوية خلال الصيام

• إذا اضطر المريض إلى تناول دواء يُفطر أثناء النهار بسبب ضرورة علاجية، فله أن يفطر ويقضي ذلك اليوم بعد رمضان.

• يجوز للمريض استخدام الأدوية غير المفطرة أثناء الصيام بشرط ألا يؤدي استخدامها إلى دخول شيء إلى المعدة من منفذ معتاد.

• يجب استشارة طبيب مسلم متخصص لتحديد إمكانيات تأجيل العلاج أو استخدام البدائل التي لا تفسد الصيام.

أهمية الرجوع إلى أهل العلم والطب

لا بد من التنبيه إلى ضرورة الرجوع إلى العلماء المعتبرين والأطباء الثقات عند الشك في تأثير دواء معين على الصيام، حيث تختلف الحالات الطبية وقد تُقدر الضرورة التي تبيح الفطر استثناءً في بعض الظروف الصحية الحرجة. وفي مثل هذه الأحوال يُستأنس بقرارات المجامع الفقهية والهيئات الطبية التي درست المسألة بتفصيل دقيق.

خلاصة مفطرات الأدوية في الصيام

يُمكن تلخيص مفطرات الأدوية في الصيام وفق القاعدة الفقهية التالية:

• كل ما يصل إلى المعدة أو ما يقوم مقامها من منفذ معتاد مثل الفم والأنف ويكون له تأثير مغذٍ يُفطر الصائم.

• ما لا يصل إلى الجوف أو لا يحمل صفات التغذية لا يُفطر غالبًا.

• الحالات الخاصة التي يُضطر فيها المريض لتناول دواء مفطر تُبيح له الفطر مع وجوب القضاء لاحقًا.

من خلال هذا التفصيل يتضح أن الأدوية تتفاوت في تأثيرها على الصيام بحسب طريقة استعمالها ودرجة وصولها إلى الجوف، وقد أسهم التقدم الطبي في بيان الأحكام المتعلقة بها بما ييسر على المسلمين أداء عبادتهم مع الحفاظ على صحتهم.

المصادر

• مجمع الفقه الإسلامي الدولي – قرارات الدورة العاشرة – جدة.

• كتاب: المفطرات المعاصرة وأثرها في الصيام – د. أحمد حجازي.