معجزة ثبات المياه على الأرض

ثبات كمية المياه في كوكب الأرض: من معجزات الرسول

منذ القدم، اعتبرت المياه العنصر الأهم في حياة الإنسان، فهي أساس الحياة ووجودها لا غنى عنه لأي كائن حي. وقد حظيت المياه بمكانة عظيمة في الدين الإسلامي، حيث ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية في العديد من المواضع. ومع تقدم البشرية في مختلف مجالات العلوم، كان أحد الاكتشافات العلمية العظيمة التي لم يتوقعها أحد هي ثبات كمية المياه على سطح كوكب الأرض، وهو ما يعد من المعجزات الإلهية التي شهدناها بالفعل في الطبيعة.

الحديث عن معجزة ثبات كمية المياه على كوكب الأرض يثير العديد من التساؤلات حول كيفية استمرارية هذه الكمية من المياه دون زيادة أو نقصان ملحوظ، رغم عمليات التبخر والتساقط وعمليات النقل التي تحدث بشكل دوري في النظام البيئي للأرض. في هذا المقال، سوف نناقش هذه المعجزة من منظور علمي، ونسلط الضوء على كيفية إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة الكونية في أحاديثه، والتي اكتشفها العلم في وقت لاحق.

1. مفهوم دورة المياه الطبيعية

قبل أن نناقش المعجزة التي تمثلها ثبات كمية المياه على الأرض، من المهم أولاً فهم مفهوم دورة المياه الطبيعية. المياه على كوكب الأرض تتواجد في ثلاثة حالات رئيسية: سائلة، غازية، وصلبة. والمياه تنتقل بين هذه الحالات عبر دورة طبيعية معقدة تشمل العمليات التالية:

• التبخر: تتحول المياه السائلة إلى بخار ماء نتيجة لحرارة الشمس، حيث يتم تبخير المياه من المحيطات، البحار، الأنهار، والمسطحات المائية الأخرى.

• التكثف: عندما يرتفع بخار الماء إلى الجو البارد، يتكثف ليشكل السحب التي تحمل المياه في شكل بخار أو قطرات صغيرة.

• التساقط: يعود الماء إلى سطح الأرض على شكل أمطار أو ثلوج، ليتجمع في البحيرات والمحيطات أو يمتصه التربة.

• الجريان السطحي: المياه التي تسقط على الأرض تتدفق عبر الأنهار والوديان إلى المحيطات.

تتم هذه الدورة بشكل مستمر ودون توقف، حيث يتبادل الماء بين الحالات السائلة والغازية والصلبة، مما يضمن بقاء كمية المياه ثابتة نسبياً على سطح كوكب الأرض.

2. ثبات كمية المياه: معجزة إلهية

من خلال فهم دورة المياه الطبيعية، يمكننا الآن الإشارة إلى أن ثبات كمية المياه على كوكب الأرض ليس مجرد مسألة علمية، بل هو أيضًا معجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى. في الوقت الذي يظن فيه البعض أن هناك تغييرات كبيرة في مستويات المياه على الأرض، يظل الواقع أن كمية المياه الكلية ثابتة إلى حد بعيد. هذه الحقيقة كانت غائبة عن البشرية لآلاف السنين، ولم تُكتشف إلا مع تقدم العلم في العصور الحديثة.

عندما نتأمل في الحديث النبوي الشريف الذي ذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم موضوع الماء، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائمًا يُذكّر الأمة بقدرة الله العظيمة في خلق الماء. في حديث شريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الماء طهور لا ينجسه شيء” (رواه مسلم)، وفي حديث آخر قال: “لَوْ كانَ عَبدِي يَشْكُو قُدَرِي فَإِنَّهَا سَابِغَةٌ” (رواه أحمد). هذه الأحاديث تعكس نظرة الإسلام العميقة إلى الماء كمصدر للحياة، وتشير إلى استمراريته وتدفقه من غير نقصان.

3. كيفية اكتشاف العلماء ثبات المياه

في العصر الحديث، اكتشف العلماء أن كمية المياه التي توجد على سطح الأرض ثابتة تقريبًا بمرور الوقت، مع بعض التغيرات الطفيفة التي تحدث في مناطق معينة نتيجة للأنشطة البشرية مثل التعدين أو التلوث. لكن حجم المياه الذي يذهب إلى المحيطات والبحار ويعود إلى الجو من خلال دورة المياه هو نفسه في الغالب.

وقد أظهرت الدراسات التي أُجريت على سطح الأرض أن جميع مياه العالم، بما في ذلك المياه الموجودة في البحار والمحيطات، الأنهار، البحيرات، الجليد، والمياه الجوفية، تقدر بحوالي 1.332 مليار كيلومتر مكعب من المياه. هذه الكمية ثابتة تقريبًا عبر الزمن، ولا تزيد أو تنقص بشكل كبير.

يعود ذلك إلى توازن دقيق في النظام البيئي للأرض، حيث أن أي زيادة في كمية المياه بسبب التساقط الكثيف مثلاً يتم تعويضها عبر العمليات الأخرى مثل التبخر، مما يحافظ على مستوى ثابت للمياه في النظام البيئي.

4. دور الإنسان في الحفاظ على المياه

على الرغم من ثبات كمية المياه في الأرض، إلا أن هناك تراجعًا كبيرًا في جودة المياه بسبب التلوث والنشاط البشري. تلوث المياه بسبب المصانع، وزيادة استخدام المبيدات والأسمدة في الزراعة، واستخدام المواد الكيميائية في العديد من الصناعات أدى إلى تدهور نوعية المياه التي تعتمد عليها العديد من المجتمعات حول العالم.

هنا يأتي دور الإنسان في الحفاظ على هذه النعمة الإلهية، حيث يتطلب الأمر من جميع الشعوب توعية وتفعيل سياسات للحفاظ على موارد المياه. الحماية من التلوث، والحد من استهلاك المياه المفرط، وإعادة استخدام المياه في الزراعة والصناعة يمكن أن تساهم بشكل كبير في الحفاظ على هذه المعجزة الطبيعية.

5. العلاقة بين الحديث النبوي وعلم المياه

الحديث النبوي الشريف يتحدث عن المياه بشكل كبير. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُظهر تقديره العميق لهذه النعمة الإلهية، ويحث على استخدامها بحذر واعتدال. وقد ورد في الحديث الشريف: “الْمَاءُ مَلْحٌ أَوْ عَذْبٌ، وَالْحَارُ فِي الوَاقِعِ” (رواه مسلم)، وهذا الحديث يعكس إدراك النبي صلى الله عليه وسلم لعلاقة الإنسان بمصادر المياه وضرورة الحفاظ عليها.

6. استخلاص العبر من معجزة ثبات المياه

تعتبر معجزة ثبات كمية المياه على كوكب الأرض أحد الأمثلة الرائعة على قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق هذا الكون. فالعناية الإلهية في الحفاظ على توازن المياه على الأرض توضح لنا أن الحياة لن تستمر دون تدفق هذه النعمة الطبيعية، وأن هذا التوازن ليس محض صدفة بل هو من صنع الحكمة الإلهية.

لقد ثبت علميًا أن كمية المياه على الأرض ثابتة، وهذا يدعونا إلى التأمل في قدرة الله التي لا حدود لها. كما يُظهر أن الإنسان إذا عرف قيمة الماء، وكيفية الحفاظ عليه، يمكنه أن يحيا في تناغم مع البيئة ويساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية.

ختامًا، يعكس ثبات كمية المياه على كوكب الأرض معجزة إلهية واضحة في موازين الطبيعة، وكان هذا ثابتًا في القرآن الكريم والسنة النبوية منذ عصور عديدة. مع أن الإنسان اليوم قد اكتشف هذا التوازن العلمي، إلا أن ذلك لا يقلل من عظمة تلك المعجزة التي لا تزال شاهدة على قدرة الله وحكمته في خلق هذا الكون.