من الذي تكلم في المهد؟
يُعدُّ السؤال “من الذي تكلم في المهد؟” من الأسئلة المشهورة التي تشغل ذهن العديد من المسلمين والمثقفين عبر العصور. هذا السؤال يرتبط بإحدى أعظم المعجزات التي شهدها العالم في الإسلام، والتي تروي قصة تكلم الطفل في المهد. هذه الحادثة تنبع من حدث تاريخي وقعت فيه معجزة مدهشة ترويها العديد من المصادر التاريخية، وتأتي كجزء من الحكايات التي تميز الديانات السماوية عن غيرها من الأديان الأخرى. وفي هذه المقالة، سنتناول بالشرح والتفصيل هذا الموضوع الهام من جوانب مختلفة.
معجزة تكلم الطفل في المهد
إنَّ من أبرز المعجزات التي شهدها العالم الإسلامي هي معجزة تكلم عيسى بن مريم عليه السلام وهو في المهد. وهذه الحادثة لا تتعلق فقط بنبوة عيسى عليه السلام، بل أيضًا بمكانته الخاصة في الإسلام. إذ تؤكد المصادر الإسلامية أن هذا الحدث وقع في وقت مبكر جدًا من حياة النبي عيسى، وكان بمثابة دلالة على عظمتهم ومكانتهم في تاريخ البشرية.
القصة من منظور القرآن الكريم
يُعدُّ القرآن الكريم المصدر الرئيس الذي ذكر معجزة تكلم عيسى عليه السلام في المهد. فقد ورد في سورة مريم، حيث يروي القرآن الكريم كيف أنَّ السيدة مريم، أم عيسى عليه السلام، قد حملت به من دون أن يمسَّها بشر، وهو ما أثار تساؤلات عديدة من قومها، الذين شكوا في طهارتها وحسن سيرتها. وفي لحظة الأزمة، عندما اضطرت السيدة مريم إلى مواجهة قومها، أمرها الله أن تتكلم مع طفلها الذي كان في المهد.
قال تعالى في القرآن الكريم:
“فأشارت إليه. قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ قال: إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبيًا. وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا. وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا” (سورة مريم: 26-33).
تُظهر هذه الآيات الكريمة معجزة تكلم عيسى عليه السلام في المهد، حيث كان يرد على قومه الذين ظنوا أن مريم قد ارتكبت فعلًا محرمًا، فقام بإيضاح معجزة ولادته وطهارته كطفل.
معجزة الطفولة
تعد معجزة تكلم الطفل في المهد من أبرز معجزات الأنبياء، إذ أنها تعد علامة فارقة في مسيرة النبي عيسى عليه السلام. ومع أن التكلم في المهد ليس أمرًا مألوفًا، إلا أن الله سبحانه وتعالى جعلها تُمثل برهانًا قاطعًا على نبوته وصدقه. وقد تحدث النبي عيسى وهو في المهد ليبرهن على براءته من جميع الشبهات التي قد أثيرت حول أمه مريم العذراء، وهو ما جعل هذه الحادثة من أكثر المعجزات التي أثارت إعجاب المسلمين وغيرهم.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى أن تكون معجزة عيسى عليه السلام في المهد لتكون واضحة للجميع، ويكشف من خلالها عن الحقيقة بشكل لا يحتمل أي شك. وكان في هذا التكلم في المهد إعلانًا إلهيًا وظهورًا لمكانة عيسى عليه السلام كواحد من أولي العزم من الرسل.
دلالات معجزة تكلم الطفل في المهد
-
إثبات براءة السيدة مريم
كانت هذه المعجزة موجهة أولًا لتبرئة السيدة مريم من الشبهات التي طالتها. فعندما سمع القوم حديث مريم بأنها قد أنجبت طفلًا بدون زواج، شككوا في طهارتها وأخلاقها. ولكن مع تكلم عيسى عليه السلام في المهد، ثبت لهم براءتها. -
القدرة الإلهية المطلقة
إن قدرة الله سبحانه وتعالى على جعل الطفل يتكلم في المهد هي إحدى تجليات القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود. فقد كان ذلك حدثًا غير طبيعي ولا يمكن لأي مخلوق أن يقوم به، مما يثبت تمامًا أن الله هو صاحب القدرة المطلقة على خلق المعجزات. -
تمهيد لنبوة عيسى عليه السلام
كان التكلم في المهد بمثابة تمهيد لنبوة عيسى عليه السلام. إذ أن الله اختار أن يكون هذا الحدث تمهيدًا لما سيقدمه هذا النبي من معجزات عظيمة في ما بعد، بالإضافة إلى رسالته التي ستنقل إلى بني إسرائيل. -
البراءة والطهارة في الإسلام
في الإسلام، تُعد البراءة والطهارة من أبرز الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها كل من يُحمل بنبوءة أو رسالة من الله. وعيسى عليه السلام، حتى في مرحلة طفولته، كان مثالًا لهذه البراءة والطهارة. -
توجيه رسالة إلهية للمجتمع
لم تكن معجزة تكلم عيسى عليه السلام مجرد حادثة تحدث في عزلة، بل كانت رسالة إلهية للمجتمع آنذاك بأن العبرة ليست في المظاهر بل في الحقيقة الإيمانية. فقد تأثر قومه بهذه المعجزة وأصبحوا أكثر استيعابًا لرسالته وأهدافه.
السياق التاريخي والثقافي للمعجزة
في زمن ولادة عيسى عليه السلام، كانت بلاد الشام تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، وكان المجتمع اليهودي يعاني من فتن وصراعات داخليه تتعلق بالدين والسياسة. كان الناس في تلك الفترة ينتظرون مجيء مسيح، لكنهم لم يكونوا يعلمون أنه سيكون بهذا الشكل المعجز. لذلك، كانت معجزة تكلم عيسى عليه السلام في المهد هي بداية لإعلان سلطته الروحية والنبوية.
لم يكن المجتمع اليهودي مستعدًا لفهم مثل هذه المعجزات، وهذا ما يفسر كيف أن معجزات عيسى عليه السلام لم تُقبل على الفور، بل لاقت معارضة شديدة من قبل بعض الفئات، مما جعله يتعرض للتشكيك والتكذيب.
معجزة عيسى عليه السلام بين الأديان السماوية
إنَّ معجزة تكلم عيسى عليه السلام في المهد تعتبر حدثًا فريدًا في تاريخ البشرية، ليس فقط من المنظور الإسلامي بل من وجهة نظر الأديان السماوية الأخرى. ففي المسيحية، يُعتبر عيسى ابن الله، ويُحتفل بميلاده بشكل كبير في عيد الميلاد. أما في الإسلام، فيُعتبر عيسى نبيًا ورسولا من رسل الله، وتعتبر معجزته في المهد دليلًا على صدق نبوته، لكنها لا تتضمن الأبعاد الدينية التي يراها المسيحيون.
وفي كلتا الديانتين، تظل معجزة تكلم عيسى عليه السلام في المهد واحدة من أروع المعجزات التي يعجز العقل البشري عن تفسيرها بالكامل.
الخاتمة
تكمن أهمية معجزة تكلم عيسى بن مريم عليه السلام في المهد في أنها تعكس عظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته اللامحدودة، وفي الوقت نفسه، تمثل بداية لنبوته ورسالة عظيمة ستغير تاريخ الإنسانية. كما أنها تجسد طهارة الأنبياء وصدقهم، وكونهم أدوات للهداية والإصلاح بين الناس.
