معايير قياس التأثير المؤسسي

المعايير الأساسية الثلاثة: قياس التأثير الأوسع لمنظمتك

في عالم اليوم المتسارع والمتغير باستمرار، أصبحت المنظمات بحاجة إلى التكيف مع التحولات السريعة في بيئاتها التشغيلية. ومن بين التحديات الكبيرة التي تواجهها المؤسسات اليوم هو كيفية قياس التأثير الأوسع لعملها على المستوى الاجتماعي والبيئي والاقتصادي. فالمؤسسات لم تعد تقيم نجاحها فقط بناءً على الإيرادات والأرباح، بل أصبحت هناك معايير جديدة تتعلق بكيفية تأثير المنظمة في العالم الخارجي، وكيفية إحداث تأثير إيجابي يتجاوز حدود أعمالها اليومية.

لذلك، فإن فهم المعايير الأساسية لقياس التأثير الأوسع أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأي منظمة تسعى إلى النجاح المستدام والنمو المسؤول. هذا المقال يستعرض ثلاثة معايير أساسية يجب أن تركز عليها المنظمات عند قياس تأثيرها الأوسع.

أولاً: التأثير الاجتماعي

التأثير الاجتماعي هو أحد المعايير الأكثر أهمية التي تحدد مدى تأثير المنظمة في المجتمع الذي تعمل فيه. يشمل هذا التأثير مجموعة من العوامل التي تتعلق بكيفية تحسين حياة الأفراد والمجتمعات عبر عمل المنظمة. إن التأثير الاجتماعي لا يقتصر فقط على الأنشطة الخيرية أو المبادرات الاجتماعية، بل يتجاوز ذلك ليشمل كيفية تعامل المنظمة مع قضايا العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان، والمساواة.

1. التمكين الاجتماعي:

تمثل المؤسسات التي تسهم في تمكين الأفراد والمجتمعات المحلية أساسًا في قياس تأثيرها الاجتماعي. وهذا يمكن أن يتم عبر توفير الفرص للنساء، الفئات المهمشة، أو الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للحصول على فرص عمل تعليمية أو اجتماعية متساوية. يعتبر هذا النوع من التأثير من أهم مؤشرات نجاح المنظمة في مجال التأثير الاجتماعي.

2. الاستدامة المجتمعية:

تسهم المنظمات في تحسين البيئة الاجتماعية من خلال دعم التنمية المستدامة. يمكن أن يشمل ذلك استثمار الموارد في مشاريع تعليمية أو صحية، أو دعم المنظمات غير الربحية التي تهتم برفاهية المجتمع. تساهم المنظمة التي تُعنى بالاستدامة في تعزيز قوة المجتمعات على المدى الطويل، مع تقديم حلول تدعم حياة الأفراد المستدامة.

3. الشفافية والمشاركة المجتمعية:

تتعلق الشفافية بمشاركة المنظمة للمجتمع معلومات حول كيفية تأثيرها بشكل فعلي. ويجب أن تشمل التقارير الاجتماعية تقديم بيانات دقيقة حول المشاريع الاجتماعية، وكيفية استفادة المجتمعات منها. من خلال تشجيع المشاركة المجتمعية، تستطيع المنظمة أن تضمن أن التأثير الذي تقوم به يتماشى مع احتياجات المجتمع الفعلي.

ثانياً: التأثير البيئي

التأثير البيئي هو معيار رئيسي آخر يحدد نجاح المنظمة في إحداث فرق إيجابي في العالم. في الوقت الذي تتزايد فيه القضايا البيئية مثل التغير المناخي، تلوث المياه والهواء، والنفايات البلاستيكية، أصبح من الضروري أن تلتزم المؤسسات بحماية البيئة والحد من التأثيرات السلبية التي قد تنتج عن عملياتها. التأثير البيئي يعكس التزام المنظمة في تقليل البصمة الكربونية، وتحقيق معايير الاستدامة البيئية.

1. الحد من انبعاثات الكربون:

من الضروري أن تتبع المنظمات سياسات تقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، سواء عبر تقنيات الطاقة المتجددة، أو من خلال تقليل استهلاك الطاقة. مثل هذه السياسات تعتبر مؤشرًا قويًا على التزام المؤسسة بحماية البيئة.

2. الاقتصاد الدائري:

الاقتصاد الدائري هو النموذج الذي يشجع على إعادة التدوير والتقليل من النفايات، وتطوير طرق للإنتاج والاستهلاك تقلل من التأثيرات البيئية الضارة. وهذا يتضمن استخدام المواد القابلة للتدوير، أو تقليل استخدام المواد التي تضر بالبيئة مثل البلاستيك.

3. المبادرات الخضراء في سلسلة التوريد:

ليس فقط في العمليات المباشرة، بل في كل مراحل سلسلة التوريد، يجب أن تكون المنظمات على دراية بالتأثير البيئي لكل خطوة. وبالتالي، تكون سياسات الشراء المستدام وتعزيز الممارسات البيئية في سلسلة التوريد من العوامل التي تعكس التزام المنظمة بالتأثير البيئي الإيجابي.

ثالثاً: التأثير الاقتصادي

التأثير الاقتصادي هو المعيار الذي يعكس مدى قدرة المنظمة على إحداث تأثير إيجابي في الاقتصاد، سواء على مستوى الشركات أو المجتمعات المحلية. تعتبر المنظمات المحورية في تحقيق النمو الاقتصادي على عدة مستويات، من خلال توفير فرص العمل، ودعم الشركات المحلية، وتقديم الحلول الاقتصادية المستدامة.

1. خلق فرص العمل:

أحد أبرز الطرق التي تؤثر بها المنظمة في الاقتصاد هو من خلال توفير وظائف للأفراد. ويشمل ذلك خلق بيئات عمل تشمل جميع الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم، مما يسهم في تعزيز التنوع والاندماج الاجتماعي والاقتصادي.

2. النمو المحلي والاستثمار في المجتمعات:

تقوم بعض المنظمات بالاستثمار المباشر في المجتمعات المحلية من خلال مشروعات اقتصادية، مما يساهم في تحسين البنية التحتية، ودعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة. يساهم هذا في زيادة النشاط الاقتصادي داخل المجتمع ويُحسن نوعية الحياة للسكان.

3. دعم الابتكار وريادة الأعمال:

يعتبر دعم الابتكار وريادة الأعمال من أبرز الطرق التي تساهم بها المنظمة في التأثير الاقتصادي. فبتوفير الدعم للابتكار، سواء من خلال البحث والتطوير أو البرامج التعليمية، تساهم المنظمة في خلق حلول جديدة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية. كما يسهم الاستثمار في المشاريع الناشئة والشركات الصغيرة في توفير فرص جديدة للنمو الاقتصادي.

كيفية قياس التأثير الأوسع

إن قياس التأثير الأوسع لا يتوقف عند مجرد جمع البيانات حول العوائد المالية. يجب أن يكون لدى المؤسسات آليات قياس دقيقة وعادلة لتحديد مدى تأثيرها في الجوانب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. تتضمن بعض الأدوات التي يمكن استخدامها لقياس التأثير الأوسع ما يلي:

1. التقارير السنوية للتأثير الاجتماعي والبيئي:
   يجب أن تتضمن التقارير السنوية للمنظمات تفاصيل حول كيفية تأثيرها في المجتمع والبيئة، والتقدم الذي أحرزته في المشاريع المستدامة.

2. مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs):
   يمكن أن تشمل مؤشرات الأداء الرئيسية الخاصة بالتأثير الأوسع مؤشرات تتعلق بتقليل البصمة الكربونية، زيادة الوظائف، دعم المجتمعات المحلية، والمشاركة في مشاريع تنموية.

3. التقييمات المستقلة:
   إجراء تقييمات مستقلة من قبل خبراء خارجيين يمكن أن يساعد في تقديم تقييم موضوعي حول مدى تأثير المنظمة في المجالات المختلفة.

4. الشهادات والاعتمادات البيئية والاجتماعية:
   يمكن للمنظمات أن تسعى للحصول على شهادات معترف بها دوليًا مثل شهادة ISO في الاستدامة، أو شهادات أخرى تؤكد التزامها بالمعايير البيئية والاجتماعية.

الخلاصة

إن قياس التأثير الأوسع لمنظمة ما يتطلب منظورًا شاملًا ومدروسًا. فالتأثير الاجتماعي، البيئي، والاقتصادي ليست مجرد معايير منفصلة، بل هي جوانب مترابطة تتداخل لتشكل البصمة الشاملة للمنظمة في المجتمع. ومن خلال الاعتماد على هذه المعايير الأساسية، يمكن للمنظمات أن تقيم نجاحاتها بطرق تتجاوز الأرباح المالية، وتؤثر بشكل إيجابي على العالم من حولها.