كيف كان يمشي الرسول صلى الله عليه وسلم؟
يعد الحديث عن شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من المواضيع التي تحمل أهمية كبيرة لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم. من حيث سيرته، تعاليمه، أخلاقه، وحتى مظهره الجسدي، فإن الحديث عن كيفية مشيه صلى الله عليه وسلم يعكس جزءًا من سيرة نبويته التي نقتدي بها. يعد مشي الرسول صلى الله عليه وسلم جزءًا من سلوكه العام الذي كان يتميز بالقوة والنبل، ويعكس شخصيته الفريدة التي جمع فيها بين التواضع والجلال.
1. المشي بتواضع وجلال
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي في الأرض بتواضع عظيم، رغم عظمة شخصيته وسمو مكانته. فقد كان مشيه ليس على عجل أو تكلف، وإنما بشكل طبيعي ومعتدل. كان يمشي بثقة عالية لكنه لا يسرع في خطواته، مما يعكس تأملًا وهدوءًا يميز شخصيته العميقة. لم يكن يبالغ في إظهار قواه الجسدية أو يتفاخر بحركاته، بل كان مشيه يكتسي بتواضع يستمد قوته من الداخل، مما يعكس بشدة معنى القيادة الحقيقية.
كان الصحابة يلاحظون كيف كانت خطواته سريعة وواثقة، فلا هي بطيئة كالمتأنّي ولا سريعة كالمستعجل. كان مشي النبي صلى الله عليه وسلم كأنما يسير على الأرض برفق، وقد وصفه الصحابي الجليل أنس بن مالك قائلاً: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب”، بمعنى أن مشيته كانت تتسم بالإنسيابية كما لو أنه ينحدر من مرتفع خفيف.
2. المشي بنشاط وحيوية
عندما كان يمشي، كان صلى الله عليه وسلم يمشي بنشاط واضح وبخطوات ثابتة. يصف الصحابة مشيته بأنها كانت قوية ولا تنقصها الحيوية، حتى أنهم كانوا يعتقدون أنه كان يسرع في مشيه أكثر من المعتاد في بعض الأحيان لدرجة أنهم كانوا في بعض الأحيان لا يستطيعون مجاراته في المشي.
كان صلى الله عليه وسلم لا يعبأ بحالة الطقس أو تضاريس الأرض عندما يخرج في مهام أو دعوات إلى الناس. فسواء كان في صيف حار أو في شتاء بارد، كان مشيه ثابتًا ومعتادًا، مظهرًا صلابة عزمه واهتمامه بأداء مهمته، مما أكسبه هيبة ونفوذًا بين الناس.
3. الاعتدال في المشي
كان مشي الرسول صلى الله عليه وسلم بعيدًا عن التسرع أو التباطؤ. كان يمشي في اعتدال، ولا يسير بسرعة شديدة ولا ببطء مفرط. كان يمشي في الأوقات التي يحتاج فيها إلى السرعة، ولكنه كان يبذل جهدًا ليكون دائمًا متوازنًا في مشيه. وقد ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود قوله: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي مشيًا ليس فيه اختيال، ولا إفراط، بل كان مشيًا ثابتًا متوازناً”.
كانت هذه المشية تدل على عظمته وحكمته في التوازن بين العمل الروحي والبدني. وكان صلى الله عليه وسلم يؤكد في كثير من الأحيان أن الوسطية هي صفة من صفات المؤمن الحق، حتى في مشيته. يختلف ذلك عن بعض القادة في التاريخ الذين كانوا يختارون المشي السريع أو العجلة في تحركاتهم كي يظهروا قوة أو مكانة خاصة.
4. المشي في الجماعة
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي مع أصحابه في قوافل أو أثناء المعارك أو في السفر، وكان لا يفضل أن يمشي وحده في الغالب. كان يتواصل مع الناس في كل خطوة، سواء بالكلام أو الإشارة أو حتى بابتسامته. وكان يمشي في قلب الجماعة، دون أن يبتعد عنهم، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويعكس روح القيادة المتواضعة.
كان يتحرك بين أصحابه بمنتهى التواضع، فيأخذ في الاعتبار حاجاتهم وراحتهم أثناء سيره. ورد عن عبد الله بن عباس أنه قال: “كان إذا سار، سار معه أصحابه في مشي معه غير متعجلين”. كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهر دائمًا اهتمامًا بمن حوله، سواء أكانوا من الصحابة أو الناس العاديين.
5. المشي مع الحذر والانتباه
رغم نشاطه وحيويته، كان مشي الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل نوعًا من الحذر والانتباه. كان دائمًا ملتفتًا للأشياء من حوله، وقد أظهرت سيرته العطرة كيف كان يمشي بحذر على الطرقات الوعرة أو في الأماكن التي قد تكون خطرة. كان يسير بوعي تام للمكان والزمان، ولم يكن يتعجل في خطواته دون أن يتأكد من سلامته أولًا.
كان المشي أيضًا وسيلة من وسائل التأمل بالنسبة له. ففي بعض الأوقات كان صلى الله عليه وسلم يتأمل في الكون من حوله أثناء سيره، وهذا ما يظهر في العديد من الأحاديث التي تناولت مشاهداته لكيفية الخلق في السماء والأرض أثناء تجواله.
6. مشيه في السفر والغزو
في السفر أو الغزوات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف الأولى مع جنوده، لا يتخلف ولا يراوغ. كان يمشي بينهم بكل حيوية، يشجعهم بكلامه الحلو وأخلاقه العالية، ويبث فيهم روح القوة والإيمان. وقد ورد عن الصحابي الجليل البراء بن عازب أنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب إذا خرج يُسرع في مشيه وكأنما يمشي على الأرض مسرعًا”.
حتى في معركة أحد، كان صلى الله عليه وسلم يمشي بخطى ثابتة، ويتفقد جنوده ويقوي عزائمهم، ويجعلهم يشعرون بالأمان وسط الخطر. كان ذلك المشي الذي يمتزج بالثبات والإيمان أحد الأسباب التي جعلت منه قائدًا استثنائيًا في أعين أصحابه.
7. المشي مع النية والتوكل على الله
كانت مشية النبي صلى الله عليه وسلم تتسم بالنية الطيبة والتوكل على الله في كل أمر. فقد كان يسير في الأرض وكأنما يحمل أمانة ثقيلة، يحمل رسالة الله للعالمين. وكان يحث المسلمين على التوكل على الله في كل خطوة، وكان يقول لهم: “إذا خرجتم من بيوتكم فقولوا بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله”. هذا التوكل كان جزءًا لا يتجزأ من مشيته.
8. مشيه في الصلوات والعبادات
في الصلاة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار أفضل الأماكن في المسجد ويوليها اهتمامًا بالغًا. كان يمشي إلى الصلاة بخطوات واثقة، لا يهرول ولا يتأخر، بل يسير برفق وطمأنينة ليكون قدوة لأمته في كل فعل من أفعال العبادة.
كان المشي إلى المسجد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حدثًا بليغًا، فهو ليس مجرد حركة جسدية، بل كان تعبيرًا عن الاستعداد الروحي للصلاة والتوجه إلى الله، وهذه السنة كانت في حد ذاتها دعوة لكل مسلم لتحسين مشيته في الحياة اليومية أيضًا.
9. مشيه مع احترام الآخر
لم يكن مشي الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد سير على الأرض، بل كان سيرًا مع احترام للآخرين. كان يمشي مع الصحابة بكامل الاحترام، لا يرفع صوته أو يتفاخر بمشيه، بل كان يمشي مع الجميع كأنهم سواسية. كانت تلك المساواة تجسيدًا حقيقيًا للقيم التي جاء بها الإسلام، حيث أظهر صلى الله عليه وسلم كيف أن التواضع يمكن أن يكون عظيمًا في تأثيره على الآخرين.
10. المشي في ضوء النبوة
مشي الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتسم بالعظمة والهدوء، ولكن من خلاله كان يكمن رسالة عظيمة. كان يتنقل في الأرض حاملًا دعوته، يوزع الحب والسلام بين الناس ويعلمهم كيف يعيشون بسلام، كيف يتعاملون مع الفقر والغنى، وكيف يسيرون في الدنيا بعينٍ بصيرة لا ترى إلا الخير.
