مفهوم مشكلة الدراسة: الأساس العلمي لنجاح البحث الأكاديمي

تُعد مشكلة الدراسة أحد أهم العناصر الأساسية في أي عمل بحثي أكاديمي أو علمي، إذ تمثل المنطلق الرئيسي الذي يُبنى عليه البحث وتُستمد منه أهدافه وأسئلته ومنهجيته. كما تُعد بمثابة البوصلة التي توجه الباحث في مسار دراسته وتحدد له معالم الطريق نحو تحقيق نتائج علمية دقيقة ومؤثرة. فبدون وجود مشكلة دراسة واضحة ومحددة، يغدو البحث مجرد سرد معلوماتي لا يتجاوز حدود الوصف ولا يحقق قيمة معرفية حقيقية. ومن هذا المنطلق، فإن فهم ماهية مشكلة الدراسة، وأسس صياغتها، ومعايير اختيارها، وآليات التعامل معها، يعد من الضرورات التي لا غنى عنها لكل باحث يسعى لتقديم إنتاج علمي رصين.

أولاً: تعريف مشكلة الدراسة

مشكلة الدراسة هي التساؤل أو الإشكالية أو الفجوة المعرفية التي يسعى الباحث إلى معالجتها أو فهم أبعادها من خلال دراسته العلمية. ويمكن تعريفها بأنها «الموقف أو الظاهرة أو القضية التي تستدعي بحثاً علمياً منظماً بهدف الكشف عن أسبابها، أو تحديد آثارها، أو تحليل أبعادها، أو اقتراح حلول لها». وتُعبر المشكلة عن حاجة علمية أو عملية تستدعي الإجابة أو الفهم أو التحليل أو الحل.

وبعبارة أخرى، فمشكلة الدراسة ليست مجرد مسألة عشوائية يختارها الباحث، وإنما تمثل محورًا علميًا يتطلب معالجة دقيقة تستند إلى أدوات منهجية وأطر نظرية محددة. فهي نقطة الانطلاق الحقيقية التي تتفرع عنها عناصر الدراسة الأخرى، كالأسئلة والفرضيات والأهداف والإطار النظري والمنهجي.

ثانياً: أهمية مشكلة الدراسة

تلعب مشكلة الدراسة دورًا جوهريًا في نجاح أي بحث علمي، وذلك لعدة أسباب محورية:

• تحديد اتجاه البحث: تُحدد المشكلة مجال البحث ومضمونه، مما يمنع التشتت ويوجه الجهد نحو غاية علمية محددة.

• صياغة الفرضيات: تعتمد الفرضيات البحثية غالبًا على الإشكاليات المطروحة في المشكلة.

• اختيار المنهج العلمي: يُبنى اختيار المنهج الملائم على طبيعة المشكلة وطبيعة البيانات المطلوبة.

• أهمية النتائج: كلما كانت المشكلة واقعية ومحددة وذات بعد تطبيقي، زادت أهمية النتائج التي يمكن أن يحققها البحث.

• تبرير البحث: تساعد المشكلة على تبرير جدوى الدراسة وأهميتها في السياق المعرفي أو المجتمعي.

ثالثاً: خصائص مشكلة الدراسة الجيدة

لكي تُعد مشكلة الدراسة متكاملة وذات قيمة علمية، ينبغي أن تتوافر فيها مجموعة من الخصائص، أبرزها:

• الوضوح والدقة: يجب أن تُصاغ بلغة واضحة وغير غامضة، دون التباس في المفاهيم أو المصطلحات.

• القابلية للبحث العلمي: يجب أن تكون المشكلة قابلة للدراسة والتحليل من خلال منهج علمي يمكن تطبيقه.

• الواقعية: ينبغي أن تنبع من واقع عملي أو علمي، وأن تعكس حاجة حقيقية لدى المجتمع أو في الحقل العلمي.

• الأصالة: يجب أن تكون غير مكررة بشكل حرفي في بحوث سابقة، أو أن تقدم معالجة جديدة لمشكلة قديمة.

• القابلية للتحديد الزماني والمكاني: يجب أن تُصاغ ضمن حدود زمنية ومكانية واضحة لضبط متغيرات البحث.

• الترابط المنطقي: ينبغي أن تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأهداف والفرضيات والأسئلة والمنهج.

رابعاً: مصادر استنباط مشكلة الدراسة

تتعدد المصادر التي يمكن أن يستند إليها الباحث في استنباط مشكلة دراسته، ومن أبرز هذه المصادر:

• الدراسات السابقة: قد يكتشف الباحث وجود فجوات معرفية أو إشكاليات غير محسومة في البحوث السابقة.

• الواقع العملي أو المجتمعي: يُعد الواقع اليومي مجالاً خصباً لاستنباط مشاكل تستدعي حلولًا علمية.

• القراءات العامة: قد تقود القراءة الموسعة في مجال معين إلى اكتشاف تساؤلات تستحق البحث.

• الخبرات الشخصية: قد يستقي الباحث مشكلته من معايشة مباشرة لقضية معينة ترتبط بتخصصه.

• المؤتمرات والندوات العلمية: تُعد مناسبة للتعرف على القضايا الراهنة التي تشغل المجتمع العلمي.

خامساً: كيفية صياغة مشكلة الدراسة

صياغة مشكلة الدراسة تتطلب حسًا علميًا دقيقًا، وفهمًا عميقًا للمجال الذي ينتمي إليه البحث. ومن أبرز خطوات صياغة المشكلة:

1. تحديد موضوع عام: يجب أن يبدأ الباحث باختيار مجال أو ظاهرة عامة تثير اهتمامه وتندرج ضمن تخصصه.

2. تضييق الموضوع: عبر القراءة والتحليل، يبدأ الباحث في تضييق الفكرة العامة إلى قضية أكثر تحديدًا.

3. تحديد الفجوة المعرفية: من خلال الدراسات السابقة والواقع، يتضح للباحث ما لم يُدرس بعد أو ما يستحق إعادة النظر.

4. صياغة المشكلة بصيغة تقريرية أو استفهامية: يمكن صياغة المشكلة على شكل سؤال بحثي رئيسي، أو على شكل تقرير يصف الإشكالية.

ويُفضل في كثير من الأحيان صياغة المشكلة بصيغة سؤال بحثي يتضمن متغيرات البحث الرئيسة، مما يسهل تحويله لاحقًا إلى فرضيات وأسئلة فرعية.

سادساً: الفرق بين مشكلة الدراسة وأجزاء أخرى في البحث

يختلط على بعض الباحثين مفهوم مشكلة الدراسة مع مفاهيم أخرى في البحث مثل الموضوع أو الأهداف أو الأسئلة. لذا من المهم توضيح الفرق بين هذه المفاهيم:

• الموضوع: هو المجال العام الذي يندرج تحته البحث، أما المشكلة فهي القضية المحددة ضمن هذا المجال.

• الأهداف: هي النتائج التي يسعى الباحث لتحقيقها لمعالجة المشكلة.

• الأسئلة: هي الاستفسارات التي يطرحها الباحث للوصول إلى فهم أعمق للمشكلة.

• الفرضيات: هي التوقعات أو الإجابات الأولية التي يختبرها الباحث حول أسباب المشكلة أو آثارها.

سابعاً: أنواع مشكلات الدراسة

تتعدد أنواع المشكلات التي يمكن أن تكون منطلقًا للبحث العلمي، حسب طبيعة الظاهرة المدروسة، ومن أبرزها:

• مشكلات وصفية: تركز على وصف ظاهرة أو سلوك أو موقف معين، وتحليل خصائصه.

• مشكلات تفسيرية: تهدف إلى تفسير العلاقات بين متغيرات معينة، أو أسباب حدوث ظاهرة ما.

• مشكلات تطبيقية: تسعى إلى حل مشكلة عملية يواجهها المجتمع أو مؤسسة ما.

• مشكلات تنبؤية: تحاول التنبؤ بنتائج أو تطورات مستقبلية استنادًا إلى معطيات حالية.

ثامناً: التحديات التي تواجه الباحث في تحديد المشكلة

رغم الأهمية البالغة لمشكلة الدراسة، إلا أن كثيرًا من الباحثين يواجهون تحديات متعددة في تحديدها وصياغتها، من أبرزها:

• اتساع الموضوع أو ضيقه المفرط: مما يجعل من الصعب تحديد مشكلة واضحة قابلة للبحث.

• الافتقار للمصادر: في بعض الأحيان تكون الفجوة المعرفية حقيقية، ولكن عدم توفر مراجع كافية يجعل دراستها صعبة.

• التكرار: قد تكون المشكلة مطروحة مسبقًا في دراسات عديدة دون جديد يضيفه الباحث.

• التحيز الذاتي: ميل بعض الباحثين لاختيار مشكلات ترتبط بميولهم دون اعتبار لأهميتها العلمية.

تاسعاً: علاقة مشكلة الدراسة بعناصر أخرى في البحث

يتطلب التعامل مع مشكلة الدراسة أن يُنظر إليها كعنصر متداخل مع بقية أجزاء البحث، إذ ترتبط بعلاقة جدلية مع:

• الإطار النظري: يتم اختيار النظريات والمفاهيم التي تساعد في تحليل المشكلة.

• المنهجية: تُحدد طبيعة المشكلة المنهج المستخدم، سواء كان كميًا، كيفيًا، أو مختلطًا.

• مجتمع الدراسة: يتم تحديد الفئة أو المجموعة التي ترتبط بها المشكلة.

• أداة البحث: يتم اختيار الأداة التي يمكن من خلالها جمع بيانات ذات صلة بالمشكلة.

عاشراً: نموذج تطبيقي لصياغة مشكلة الدراسة

لتوضيح ما سبق، يمكن تقديم نموذج تطبيقي لصياغة مشكلة دراسة في مجال التعليم:

• الموضوع العام: تدني مستوى التحصيل الدراسي في مادة الرياضيات لدى طلبة المرحلة المتوسطة.

• صيغة المشكلة: ما أسباب تدني مستوى التحصيل الدراسي في مادة الرياضيات لدى طلبة المرحلة المتوسطة في المدارس الحكومية؟

• المتغيرات: التحصيل الدراسي (تابع)، عوامل شخصية أو بيئية أو تعليمية (مستقلة).

• السياق الزماني والمكاني: الفصل الدراسي الثاني من العام 2024–2025، مدارس مدينة الرياض.

الجدول: مقارنة بين مشكلة الدراسة ومكونات البحث الأخرى

المصادر والمراجع

1. عبد الرحمن، أحمد. (2019). مناهج البحث العلمي: أسس وخطوات. دار الفكر العربي، القاهرة.

2. عبيدات، ذوقان وآخرون. (2004). البحث العلمي: مفهومه وأدواته وأساليبه. دار الشروق، عمّان.

بهذا يكون قد تم تناول مفهوم مشكلة الدراسة بصورة موسعة، شاملة لأهم جوانبها النظرية والتطبيقية، بما يضمن وضوح الصورة أمام الباحثين الجدد والمهتمين بتجويد بحوثهم الأكاديمية والعلمية.