مروان بن الحكم: الخليفة الأموي

مروان بن الحكم هو أحد أبرز الشخصيات السياسية في التاريخ الإسلامي، ومن أعظم الخلفاء الأمويين الذين لعبوا دورًا محوريًا في فترة تأسيس الدولة الأموية وتوطيد سلطتها. وُلد مروان في مكة حوالي عام 623م، وهو من بني أمية، حيث ينتمي إلى قبيلة قريش الرفيعة الشأن، وتحديدًا إلى فرع بني أمية المعروف بنسبه إلى أمية بن عبد شمس. كان لمروان دور بارز في السياسة والإدارة خلال فترة خلافة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ثم تقلد الخلافة بعد وفاة يزيد بن عبد الملك، وكان يُعرف بحنكته السياسية، وحزمه في إدارة شؤون الدولة.

النشأة والخلفية العائلية

ينحدر مروان بن الحكم من أسرة عريقة ذات مكانة عالية في مكة، حيث كان والده هو الحكم بن أبي العاص، وقد نشأ في بيئة اجتماعية وسياسية محفزة في مكة، والتي كانت مركزًا تجاريًا ودينيًا هامًا في الجزيرة العربية. تربى مروان في ظل هذه البيئة، وهو في صغره عاصر الفتوحات الإسلامية الكبرى، كما شهد فترة الصراعات التي حدثت في عهد الخلفاء الراشدين، مما أثر في تكوين شخصيته وأفكاره السياسية.

بداياته السياسية

بدأ مروان حياته السياسية في عهد الخليفة عثمان بن عفان، حيث شغل مناصب إدارية مهمة، وخاصة في الشؤون المالية والإدارية. عُرف عنه الدقة في تنظيم الأمور المالية واهتمامه بجمع الضرائب والإيرادات، مما أكسبه خبرة واسعة في مجال الحكم والإدارة. بعد استشهاد عثمان بن عفان، واستيلاء معاوية بن أبي سفيان على الحكم، انضم مروان إلى صفوف الأمويين وكان أحد أعوان معاوية، حيث خدم الدولة الأموية في مواقع متعددة، وعُين في بعض الفترات واليًا على مصر، وهي من أهم المناطق التي كان يحكمها.

دور مروان بن الحكم في الدولة الأموية

مع تولي الخليفة عبد الملك بن مروان الحكم، أصبح مروان بن الحكم أحد كبار مستشاريه وأعمدته السياسية. شارك مروان في إصلاحات كبيرة شملت النظام الإداري والمالي للدولة، وكان له الفضل في ترسيخ النظام المركزي للدولة الأموية، حيث عمل على توحيد العملة الإسلامية وتطوير نظام البريد والمراسلات، بالإضافة إلى تنظيم جباية الضرائب من المناطق المختلفة للدولة.

كما شارك في مواجهة الفتن والاضطرابات التي عمت الدولة في تلك الفترة، وخاصة تمرده ضد عبد الله بن الزبير، الذي أعلن نفسه خليفة في مكة والمدينة. مروان بن الحكم ساهم بفاعلية في قمع هذه الثورات وتثبيت أركان الدولة الأموية، مما جعله يحظى بثقة الخليفة عبد الملك بن مروان.

خلافته ومسيرته كخليفة

بعد وفاة الخليفة يزيد بن عبد الملك، تولى مروان بن الحكم الخلافة في عام 705م، أي عام 86 هـ، وكان ذلك في فترة مضطربة من تاريخ الدولة الأموية. واجه مروان العديد من التحديات سواء داخلية أو خارجية، فقد عانى من مقاومة بعض القبائل العربية والإيرانية، وكذلك من تمردات داخلية خاصة في العراق واليمن.

تميزت خلافته بمحاولة إصلاح الأوضاع بعد فترة من الاضطرابات التي شهدتها الدولة، فعمل على تحسين الإدارة وتثبيت الأمن، وأعاد هيكلة الجيش بما يناسب متطلبات الوقت. كما أولى اهتمامًا كبيرًا للشؤون المالية، فحاول مكافحة الفساد وترشيد الإنفاق العام، مما ساعد في استقرار نسبًيا للدولة خلال فترة حكمه القصيرة التي استمرت حوالي ثلاث سنوات فقط.

إنجازاته وأثره السياسي

مروان بن الحكم يعتبر من أبرز الخلفاء الأمويين الذين تركوا بصمة واضحة في تطوير الدولة الإسلامية. من أهم إنجازاته توحيد العملة الإسلامية التي كانت تمثل علامة على استقلال الدولة الأموية وفرض هيبتها أمام الأعداء. كذلك كان له دور مهم في إنشاء نظام بريد متطور كان يربط مختلف أقاليم الدولة، مما ساهم في تسريع التواصل الإداري والعسكري.

على الصعيد العسكري، لم يكن مروان بن الحكم قائدًا ميدانيًا بارزًا، لكنه كان يدير الملفات العسكرية ببراعة ويعتمد على القادة المحنكين في تحقيق الانتصارات. كما تعامل مع الثورات والتمردات بحزم وشدة، معتمدًا على قوة الدولة المركزية.

شخصيته وصفاته

وصفه المؤرخون بأنه كان رجلاً ذا شخصية قوية، حازم، لا يتردد في اتخاذ القرارات الصعبة، ومتمسكًا بمبادئ الحكم المركزي. كان ذكيًا في التخطيط الإداري والسياسي، ومع ذلك كانت لديه سمعة بأنه قد يكون صارمًا إلى حد القسوة في بعض الأحيان، خاصة في التعامل مع أعداء الدولة أو المتمردين.

كان مروان بن الحكم يمتلك مهارات سياسية متميزة، حيث عرف بقدرته على المناورة السياسية والتوازن بين مصالح القبائل والأقاليم المختلفة للدولة الأموية، مما مكنه من الحفاظ على تماسك الدولة في ظل أزمات عديدة.

وفاته وتركته التاريخية

توفي مروان بن الحكم في عام 715م، تاركًا خلفه دولة أموية في طور النمو والتثبيت، وكان لخلافته أثر طويل الأمد على استقرار الدولة واستمرار حكم الأمويين لعدة عقود بعد وفاته. خلفه في الحكم ابنه عبد الملك بن مروان الذي أكمل مسيرة بناء الدولة ووسع نفوذها.

يظل مروان بن الحكم شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، حيث شكل نموذجًا للخليفة الحاكم الذي يعتمد على النظام الإداري الصارم والسياسة الحازمة في سبيل حفظ الدولة. تاريخ مروان يعكس المرحلة الانتقالية التي مرت بها الدولة الأموية من فترة التأسيس إلى التوسع والتثبيت، وقد استُخدمت سيرته ودوره السياسي في دراسات عدة تتناول فترة الخلافة الأموية.

جدول يوضح بعض الجوانب الرئيسية لحياة مروان بن الحكم

المصادر والمراجع

• الطبري، “تاريخ الرسل والملوك”، دار الفكر، دمشق، 1995.

• البلاذري، “أنساب الأشراف”، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000.

يُعتبر مروان بن الحكم نموذجًا هامًا في دراسة تطور الدولة الإسلامية في عهد الأمويين، لما تركه من إرث إداري وسياسي ساهم في استقرار الدولة وتعزيز مكانتها في العالم الإسلامي.