مراحل نمو الطفل من سنة إلى سنتين

يمثل عمر السنة إلى السنتين مرحلة حرجة وأساسية في نمو الطفل، إذ يشهد خلالها تطورات كبيرة وشاملة على مختلف الأصعدة الجسدية، الحركية، الإدراكية، اللغوية، والاجتماعية. هذه المرحلة تعرف باسم “مرحلة الطفولة المبكرة” أو “مرحلة المشي الأولى”، ويُعتبر فهم هذه المراحل من النمو خطوة هامة للأهل والمربين من أجل دعم الطفل بشكل صحيح ومناسب.

في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل المراحل المختلفة لنمو الطفل من سنة إلى سنتين، مع التركيز على الجوانب المختلفة التي يمر بها الطفل خلال هذه الفترة، مدعمة بالمعلومات العلمية والعملية التي تساعد على فهم أعمق لهذه المرحلة الحيوية.

التطور الجسدي والحركي

النمو البدني

في الفترة بين السنة والسنتين، يتضاعف وزن الطفل تقريباً مقارنةً بوزنه عند الولادة، ويزداد طوله بمعدل يتراوح بين 10 إلى 12 سنتيمتراً خلال السنة الثانية. هذه الزيادة في الوزن والطول تعكس التطور السريع في بنيته الجسدية، والذي يمهد لتحركاته المتزايدة ونمو عضلاته.

الحركات الكبرى (المهارات الحركية الكبيرة)

يبدأ الطفل عادةً في المشي خلال هذه المرحلة، مع اختلاف توقيت المشي من طفل لآخر، إلا أن أغلب الأطفال يبدأون المشي بين عمر 12 و18 شهراً. أولى خطوات الطفل تكون متذبذبة وغير متوازنة، لكنه يتحسن مع الوقت حتى يستطيع الركض، القفز، وصعود الدرج بشكل تدريجي مع نهاية السنة الثانية.

تتطور المهارات الحركية الكبرى بشكل ملحوظ في هذه المرحلة، حيث يتمكن الطفل من:

• الوقوف بدون دعم لفترات طويلة.

• المشي بخطى ثابتة.

• حمل الأشياء الثقيلة نسبيًا والمشي بها.

• استخدام اليدين لتسلق الأثاث أو الهياكل.

الحركات الدقيقة (المهارات الحركية الصغيرة)

في جانب المهارات الدقيقة، يشهد الطفل تطوراً في التنسيق بين العين واليد، حيث يبدأ في الإمساك بالأدوات الصغيرة مثل القلم أو القطع الصغيرة من الألعاب، كما يتعلم استخدام الأواني والأدوات البسيطة بنفسه.

يظهر الطفل اهتماماً متزايداً باستخدام أصابعه بشكل أكثر دقة، مما يعزز قدرته على تنفيذ مهام مثل التقاط الطعام، أو اللعب ببعض الألعاب التي تتطلب تركيزاً وحركة دقيقة.

النمو المعرفي والإدراكي

تطور القدرات الإدراكية

خلال السنة الثانية، يزداد إدراك الطفل للعالم المحيط به بشكل كبير. يبدأ بفهم العلاقات بين الأشياء، ويصبح أكثر فضولاً للاستكشاف. هذه المرحلة تعرف بتطور “الذكاء الحسي الحركي” حيث يعتمد الطفل على الحواس والحركات لاكتساب المعلومات.

تظهر عند الطفل علامات فهم مبكرة للمفاهيم مثل السبب والنتيجة، كأن يدفع شيئًا ليشاهده يسقط أو يتدحرج، ويفهم تدريجياً مفهوم الديمومة للأشياء، أي أن الأشياء موجودة حتى لو لم يرها في لحظة معينة.

اللعب والاستكشاف

يصبح اللعب أحد الوسائل الأساسية التي يستخدمها الطفل لتعلم مهارات جديدة وفهم بيئته. الألعاب في هذه المرحلة تتطور من مجرد اللعب بالحركة أو الصوت إلى ألعاب تتطلب تركيزًا وإبداعًا مثل بناء الأبراج، استخدام المكعبات، ومحاكاة أفعال الكبار.

اللعب الرمزي يبدأ بالظهور أيضاً، حيث يحاول الطفل تقليد أفعال الكبار مثل التحدث بالهاتف، التظاهر بالطهي، أو إطعام دمية.

النمو اللغوي والتواصلي

تطور اللغة

الطفل في هذه المرحلة يمر بتطورات هائلة في مجال اللغة والتواصل، حيث تبدأ الكلمات الأولى بالظهور وتزداد المفردات بشكل سريع. في عمر السنة تقريباً، يكون الطفل قادراً على نطق بعض الكلمات البسيطة مثل “ماما” و”بابا”، ومع التقدم في العمر وحتى عمر السنتين، يتوسع رصيده اللغوي ليشمل 50 كلمة أو أكثر.

تبدأ جمل بسيطة مؤلفة من كلمتين أو ثلاث تظهر تدريجياً، مثل “أنا آكل” أو “تعال هنا”. كما يزداد فهم الطفل للطلبات والتوجيهات، ويستطيع تنفيذ أوامر بسيطة.

التواصل غير اللفظي

بالإضافة إلى الكلام، يلعب التواصل غير اللفظي دوراً مهماً، حيث يستخدم الطفل الإشارات، التعبيرات الوجهية، والإيماءات للتعبير عن حاجاته ومشاعره. تعلم الطفل كيفية التواصل مع الآخرين من خلال هذه الوسائل يشكل أساساً لتطور مهاراته الاجتماعية لاحقاً.

النمو الاجتماعي والعاطفي

التعلق والاعتماد على الآخرين

الطفل في هذه المرحلة يبدأ في تكوين علاقات اجتماعية أكثر عمقاً مع أفراد الأسرة والمحيطين به. يزداد شعوره بالأمان عند وجود الوالدين أو مقدمي الرعاية، ويبدأ في إظهار تفضيلاته تجاه بعض الأشخاص.

التعبير عن المشاعر

يتعلم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره المختلفة من فرح، غضب، خوف، وحزن بطريقة أكثر وضوحاً. كما يبدأ في تقليد مشاعر الآخرين، مما يدل على تطور مهارات التعاطف لديه.

الاستقلالية

بالرغم من اعتماده الكبير على الكبار، يظهر الطفل رغبة متزايدة في الاستقلالية، من خلال محاولته القيام ببعض الأمور بنفسه، مثل تناول الطعام أو اختيار الألعاب.

التغذية في مرحلة السنة إلى السنتين

يُعتبر النظام الغذائي في هذه المرحلة من العناصر الأساسية التي تدعم النمو الصحي والمتوازن. بعد الاعتماد الكلي على الحليب في الأشهر الأولى، يبدأ الطفل بتناول الطعام الصلب، ويحتاج إلى تغذية غنية ومتنوعة تشمل:

• الحبوب الكاملة.

• الفواكه والخضروات.

• البروتينات من مصادر متعددة مثل اللحوم، الدواجن، والبيض.

• الدهون الصحية الضرورية لنمو الدماغ.

كما يجب الحرص على تقديم الطعام في شكل مناسب للعمر لتجنب خطر الاختناق، مع تشجيع الطفل على تجربة أطعمة جديدة لتعزيز التنوع الغذائي.

جدول يوضح مراحل النمو الجسدي، الحركي، اللغوي، والاجتماعي من السنة إلى السنتين

العوامل المؤثرة في نمو الطفل من سنة إلى سنتين

النمو في هذه المرحلة لا يعتمد فقط على العوامل البيولوجية، بل يتأثر بعدة عوامل بيئية واجتماعية:

• التغذية: النظام الغذائي السليم يدعم النمو الصحي.

• البيئة المحفزة: توفر الألعاب، التحفيز الكلامي، والتفاعل مع الأهل يحفز التطور العقلي واللغوي.

• الرعاية الصحية: المتابعة الدورية مع الطبيب تضمن اكتشاف ومعالجة أي مشكلات صحية مبكراً.

• التنشئة الاجتماعية: التفاعل مع أطفال آخرين يعزز مهارات الطفل الاجتماعية والعاطفية.

خلاصة

تمثل السنة الثانية من عمر الطفل مرحلة انتقالية من الاعتماد الكلي على المحيط إلى بدء الاستقلالية، وتتضمن تغيرات سريعة في مختلف جوانب النمو. يتعلم الطفل المشي، الكلام، والتفاعل مع البيئة المحيطة، كما يكتسب مهارات اجتماعية وعاطفية تؤسس لشخصيته المستقبلية.

فهم مراحل النمو في هذه الفترة يُعد مفتاحاً أساسياً لدعم الطفل بشكل مناسب، سواء من حيث توفير البيئة المناسبة، أو من خلال الرعاية الصحية والتغذية السليمة، مما يضمن له انطلاقاً صحياً نحو المراحل العمرية القادمة.

المصادر والمراجع

1. Berk, L. E. (2013). Child Development (9th Edition). Pearson Education.

2. American Academy of Pediatrics. (2018). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5. Bantam Books.