مراحل النوم الخمسة

يمثل النوم حالة فسيولوجية حيوية لا غنى عنها في حياة الإنسان، إذ يساهم بشكل أساسي في استعادة الطاقة، تجديد الخلايا، وتعزيز الوظائف العقلية والجسدية. يتألف النوم من عدة مراحل متعاقبة تتكرر خلال دورة النوم الواحدة، والتي تستغرق حوالي 90 دقيقة. هذه المراحل تنقسم إلى خمس مراحل رئيسية، تعرف بمراحل النوم الخمسة، وهي ضرورية لفهم طبيعة النوم وأثره على الصحة النفسية والجسدية. يهدف هذا المقال إلى شرح مراحل النوم الخمسة بالتفصيل، مع توضيح خصائص كل مرحلة، وأهميتها، بالإضافة إلى تأثيرها على الجسم والعقل.

مقدمة حول النوم ودور المراحل

النوم ليس حالة واحدة متجانسة، بل هو مجموعة متسلسلة من المراحل التي تتنوع بين النوم الخفيف والعميق، ويشمل مراحل حركة العين السريعة (REM) وغير حركة العين السريعة (NREM). كل مرحلة من هذه المراحل تلعب دورًا محددًا في الحفاظ على توازن الجسم ووظائف الدماغ. إذ تمثل هذه المراحل دورة متكاملة تساعد في تحسين الذاكرة، تنظيم المشاعر، إصلاح الأنسجة، وتعزيز مناعة الجسم.

المرحلة الأولى: النوم الخفيف (NREM 1)

تعتبر المرحلة الأولى من مراحل النوم هي المرحلة الانتقالية بين اليقظة والنوم، حيث يبدأ الجسم في الاسترخاء، وتنخفض حركة العضلات تدريجياً. تستمر هذه المرحلة عادة من دقيقة إلى خمس دقائق.

خصائص المرحلة الأولى:

• تباطؤ في نبضات القلب والتنفس.

• انخفاض في نشاط الدماغ مع ظهور موجات ألفا (α) وثيريتا (θ).

• انخفاض طفيف في درجة حرارة الجسم.

• الاستعداد للدخول في النوم العميق.

تعد هذه المرحلة مهمة لأنها تمهد للانتقال إلى مراحل النوم الأكثر عمقًا. خلالها يمكن أن يشعر الإنسان بالانزلاق في النوم، وأحيانًا تحدث “تشنجات النوم” التي تشعر به وكأنه يسقط.

المرحلة الثانية: النوم الخفيف العميق (NREM 2)

تلي المرحلة الأولى المرحلة الثانية التي تشكل جزءًا كبيرًا من فترة النوم لدى الإنسان البالغ، حيث تستغرق حوالي 45-55% من إجمالي فترة النوم.

خصائص المرحلة الثانية:

• تقل حركة العين وتصبح ثابتة.

• انخفاص أكبر في معدل نبض القلب والتنفس مقارنة بالمرحلة الأولى.

• ظهور موجات النوم الخاصة مثل موجات “السنوس” (Sleep Spindles) وموجات “K-complexes” في نشاط الدماغ.

• يبدأ الجسم في الاستعداد للدخول إلى النوم العميق.

تؤدي هذه المرحلة دورًا مهمًا في تعزيز التكيف العصبي، إذ تساعد موجات السنوس على معالجة المعلومات وتثبيت الذكريات.

المرحلة الثالثة: النوم العميق (NREM 3)

تعتبر المرحلة الثالثة من النوم بداية النوم العميق، وتتميز بظهور موجات دلتا (Δ) البطيئة والتي تدل على عمق النوم. تمثل هذه المرحلة حوالي 15-20% من فترة النوم الكلية.

خصائص المرحلة الثالثة:

• صعوبة الاستيقاظ من النوم.

• انخفاض كبير في معدل نبض القلب والتنفس.

• استرخاء عضلي كامل.

• ظهور موجات دلتا كبيرة وبطيئة في الدماغ.

تمثل هذه المرحلة أهمية قصوى لعمليات التجديد الحيوي، إذ يتم خلالها إفراز هرمون النمو، تجديد أنسجة الجسم، وتعزيز الجهاز المناعي. النوم العميق ضروري لاستعادة الطاقة الجسدية والعقلية.

المرحلة الرابعة: النوم العميق جداً (NREM 4)

تُعد المرحلة الرابعة استمرارًا وتعمقًا للمرحلة الثالثة، حيث يزداد نشاط موجات الدلتا، ويصبح النوم أعمق وأثقل. هذه المرحلة أقل مدة مقارنة بالمراحل السابقة، لكنها حاسمة لاستعادة وظائف الجسم الأساسية.

خصائص المرحلة الرابعة:

• موجات دلتا كثيفة وطويلة.

• استرخاء كامل للجسم والعضلات.

• انخفاض ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم.

• غياب كامل لحركات العين.

خلال هذه المرحلة يحدث إصلاح الأنسجة وتثبيت الذكريات بشكل أكبر، كما تلعب دورًا هامًا في تقليل الإجهاد والتعب، وتجديد كفاءة الجهاز العصبي.

المرحلة الخامسة: نوم حركة العين السريعة (REM)

تلي مراحل النوم العميق مرحلة حركة العين السريعة، وتتميز بحركات العين السريعة تحت الجفون المغلقة، ونشاط دماغي يشبه حالة اليقظة.

خصائص المرحلة الخامسة:

• حركة العين السريعة والمتكررة.

• نشاط دماغي عالٍ مع موجات شبيهة باليقظة.

• ارتخاء كامل في العضلات الإرادية، مما يمنع الحركة أثناء الأحلام.

• زيادة في معدل التنفس ونبض القلب.

تستغرق مرحلة REM حوالي 20-25% من وقت النوم الكلي وتكثر في النصف الثاني من الليل. تتميز هذه المرحلة بحدوث الأحلام الحية، وهي مهمة للوظائف العقلية مثل معالجة المشاعر، تنظيم الذكريات، وتنمية المهارات الإدراكية.

دورة النوم الكاملة وعلاقتها بالمراحل

تمر دورة النوم عبر المراحل الخمسة بشكل متتابع، وتستغرق دورة النوم الكاملة حوالي 90 دقيقة. تتكرر هذه الدورة عدة مرات خلال النوم الكامل الذي يمتد من 7 إلى 9 ساعات عند البالغين. تتغير نسبة الوقت الذي يقضيه الإنسان في كل مرحلة مع تقدم الليل؛ إذ تقل مدة النوم العميق (NREM 3 و4) وتزداد فترة نوم حركة العين السريعة (REM) مع اقتراب الصباح.

أهمية التوازن بين المراحل وتأثيرها على الصحة

إن توازن مراحل النوم المختلفة أمر حيوي للحفاظ على صحة الجسم والعقل. قلة النوم العميق أو اضطرابات في مرحلة REM تؤدي إلى ضعف التركيز، اضطرابات المزاج، وزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب. لذلك فإن فهم مراحل النوم يساعد في تشخيص مشاكل النوم ومعالجتها بفعالية.

مقارنة بين مراحل النوم من حيث الوظائف والتأثير

الخاتمة

يمثل فهم مراحل النوم الخمسة حجر الأساس لتحليل جودة النوم وتأثيره على الصحة العامة. كل مرحلة تلعب دوراً متكاملاً مع المراحل الأخرى لضمان استعادة الجسم والعقل قدرتهما على العمل بكفاءة. يتضح من خلال دراسة هذه المراحل أهمية الالتزام بنظام نوم منتظم وتوفير البيئة الملائمة للنوم العميق، ما يعزز الأداء اليومي ويقلل من المخاطر الصحية المرتبطة بسوء النوم.

المصادر

• Carskadon, M. A., & Dement, W. C. (2017). Normal human sleep: An overview. Principles and Practice of Sleep Medicine, 5th Edition.

• Walker, M. (2017). Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams. Scribner.