يعد التعامل مع شخص نرجسي تحديًا كبيرًا في العلاقات، إذ يواجه الأفراد الذين يدخلون في علاقات مع شخصيات نرجسية سلسلة من التحديات العاطفية والنفسية التي قد تؤثر بشكل سلبي على حياتهم الشخصية والاجتماعية. النرجسية ليست مجرد تصرفات طفولية أو تفاخر، بل هي حالة نفسية معقدة تؤثر على طريقة تفاعل الشخص مع الآخرين وتجعله يسعى دائمًا للهيمنة والتحكم. في هذا المقال، سنتناول مختلف مراحل العلاقة مع النرجسي وكيفية التعامل مع كل مرحلة من هذه المراحل.
المرحلة الأولى: الانجذاب والشعور بالإعجاب
عندما يبدأ الشخص في التعرف على النرجسي، غالبًا ما يكون هناك انجذاب عاطفي شديد. النرجسيون غالبًا ما يمتلكون قدرة فائقة على جذب الانتباه والتلاعب بمشاعر الآخرين. يظهرون في البداية على أنهم الأشخاص المثاليين، قادرين على منح الطرف الآخر اهتمامًا مبالغًا فيه وعاطفة قد تكون مزيفة. خلال هذه المرحلة، يبدون حريصين على التعرف على الشخص الآخر بشكل عميق ويظهرون اهتمامًا مفرطًا، مما يجعل الطرف الآخر يشعر بأنه مميز للغاية.
يميل النرجسيون إلى استخدام مهارات التواصل الخاصة بهم بشكل متقن لإظهار أنفسهم في صورة “الفارس المنقذ”، وهو أمر يجعل من السهل الوقوع في فخهم. هذه المرحلة يمكن أن تكون مغرية بشكل خاص للأشخاص الذين يفتقرون إلى الشعور بالثقة بالنفس أو الذين يبحثون عن تأكيدات خارجية.
المرحلة الثانية: الاعتلال العاطفي والأنانية
مع مرور الوقت، تبدأ المظاهر الجذابة للنرجسي في التلاشي، وتظهر خصائصه السلبية. النرجسي يبدأ في إظهار سلوكيات تتسم بالأنانية المفرطة وعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين. في هذه المرحلة، قد يبدأ الشخص النرجسي في تهميش الطرف الآخر واعتباره وسيلة لتحقيق أهدافه الشخصية.
قد يشعر الطرف الآخر بأنه غير مرئي، وأن مشاعره وأفكاره لا قيمة لها مقارنةً بمشاعر النرجسي واهتماماته. يبدأ النرجسي في استخدام تقنيات التلاعب العاطفي مثل التقليل من قيمة الآخر، وخلق شعور بالذنب، أو إلقاء اللوم على الآخر لإخفاء عيوبه الشخصية. هذه الأنماط من السلوك يمكن أن تكون مؤلمة للغاية للشخص الآخر، ولكنها أيضًا قد تكون خفية لدرجة أن الضحية لا تستطيع أن تدركها بوضوح.
المرحلة الثالثة: التلاعب العاطفي والصراع الداخلي
تعتبر هذه المرحلة من المراحل الأكثر إيلامًا في العلاقة مع النرجسي. تبدأ العلاقة في التدهور، حيث يتسلل التلاعب العاطفي بشكل أكبر. النرجسي قد يستخدم الخداع أو الخيانة العاطفية كأداة للسيطرة. الشخص النرجسي قد يحاول تحطيم الثقة بالنفس للطرف الآخر من خلال النقد المستمر أو تجنب المسؤولية عن تصرفاته.
في هذه المرحلة، يبدأ الطرف الآخر في الشعور بالحيرة، حيث يصعب عليه فهم سلوك النرجسي أو تفسيره بشكل منطقي. يتسبب هذا في حدوث صراع داخلي دائم، حيث يشعر الشخص الآخر بأن العلاقة ليست صحية، ولكنه لا يستطيع الخروج منها بسهولة بسبب الشعور بالذنب أو الاعتقاد الزائف بأن النرجسي يحتاجه أو يحبه. يحدث هذا الصراع الداخلي بسبب تلاعب النرجسي، مما يجعل الضحية تشعر بالمسؤولية عن تصرفات النرجسي.
المرحلة الرابعة: العزلة والتشويش النفسي
في هذه المرحلة، يبدأ الشخص المتأثر بالعلاقة مع النرجسي في الانسحاب الاجتماعي والعاطفي. يبدأ الشخص في الشعور بالعزلة ويصبح غير قادر على التواصل بشكل صحيح مع أصدقائه وعائلته. يعمد النرجسي إلى تعزيز هذه العزلة من خلال تقليل أو تقويض علاقات الشخص مع الآخرين، مما يعزز شعور الضحية بالوحدة والحاجة المستمرة إلى النرجسي.
في بعض الحالات، قد يبدأ الشخص الآخر في التشكيك في قدراته وقراراته بسبب الاستمرار في التعرض للتلاعب العقلي. قد يتساءل الطرف الآخر عما إذا كانت المشكلة تكمن في سلوكه هو، مما يزيد من شعوره بالحيرة والتشويش.
المرحلة الخامسة: الاحتجاج والمقاومة
مع مرور الوقت، يبدأ الشخص الآخر في إدراك أن العلاقة مع النرجسي تضر بصحته النفسية والعاطفية. في هذه المرحلة، قد يبدأ الطرف الآخر في مقاومة سلوكيات النرجسي ومحاولة التحدث عن مشاعره أو مشاكله. قد يشمل ذلك محاولة وضع حدود واضحة أو السعي للتحدث عن تأثير سلوك النرجسي عليه.
لكن النرجسي عادةً لا يتقبل النقد أو الرفض بشكل إيجابي. فهو قد يتحول إلى الهجوم، إما عن طريق التشويه أو النبذ العاطفي. في هذه المرحلة، قد يبدأ الشخص المتأثر بالعلاقة في البحث عن طرق للخروج منها، لكنه يشعر بالذنب أو الخوف من المواجهة.
المرحلة السادسة: النهاية أو التفكك العاطفي
المرحلة النهائية في العلاقة مع النرجسي هي إما الانفصال التام أو التفكك العاطفي البطيء. في بعض الحالات، قد ينتهي الشخص الآخر بالعلاقة، خاصةً إذا كان قد تمكن من التعرف على التأثيرات السلبية لهذه العلاقة.
ومع ذلك، قد يكون الخروج من العلاقة مع النرجسي صعبًا، حيث أن النرجسي قد يحاول العودة للمرة الأخيرة باستخدام أساليب مثل الاعتذارات المزيفة أو تقديم وعود بتحسين سلوكه. هذه الوعود تكون عادةً غير حقيقية وتكون جزءًا من محاولات النرجسي للاستمرار في السيطرة على الشخص الآخر. من الضروري في هذه المرحلة أن يتمسك الشخص الآخر بقراره وأن يسعى للحصول على الدعم النفسي إذا لزم الأمر.
المرحلة السابعة: الشفاء واستعادة الثقة بالنفس
بعد الخروج من العلاقة مع النرجسي، يبدأ الشخص في عملية الشفاء واستعادة الثقة بالنفس. قد تكون هذه المرحلة صعبة، لكن من المهم أن يتفهم الشخص المتأثر أن العلاقة كانت سامة وأنه يستحق علاقة صحية ومتوازنة.
الشفاء في هذه المرحلة يتطلب وقتًا ودعمًا من الأصدقاء والعائلة، بالإضافة إلى العلاج النفسي إذا لزم الأمر. مهم جدًا أن يتعلم الشخص من هذه التجربة وألا يسمح لنفسه بالعودة إلى نفس الأنماط السامة. يمكن أن يساعد الشخص على تطوير أدوات وتقنيات صحية لإقامة علاقات مستقبلية قائمة على الاحترام المتبادل والثقة.
الختام
العلاقة مع شخص نرجسي قد تمر بعدة مراحل من الانجذاب إلى التلاعب العاطفي والانفصال. لكل مرحلة من هذه المراحل تحدياتها الخاصة، ولا يمكن تجاوزها بسهولة. من المهم أن يدرك الشخص المتأثر بهذه العلاقة تأثيرها عليه وأن يسعى جاهدًا لتغيير نمط العلاقات المستقبلية نحو الأفضل.
