مخاطر وفوائد الكحل للأطفال

هل الكحل مفيد للأطفال؟

الكحل من أقدم مستحضرات التجميل والعناية بالعيون التي عرفتها الحضارات الإنسانية، إذ استخدم منذ آلاف السنين في مختلف الثقافات حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. يمتاز الكحل بخصائصه الجمالية والطبية، إذ يُعتقد أن له فوائد في حماية العيون من الأتربة والأشعة الضارة، إلى جانب دوره في إبراز جمال العيون. لكن عند الحديث عن استخدام الكحل للأطفال، تبرز العديد من التساؤلات حول مدى سلامته وفائدته أو مضاره المحتملة، وهو ما يتطلب تناولًا علميًا معمقًا مستندًا إلى دراسات طبية وأبحاث حديثة.

التعريف بالكحل وأنواعه

الكحل عبارة عن مستحضر يستخدم لتحديد محيط العين، ويتوفر بأشكال متعددة: مسحوق أسود، سائل، أو قلم. تاريخيًا، كان يُصنع من مواد طبيعية مثل مسحوق حجر الأوبسيديان، أو معادن أخرى مخلوطة بمواد دهنية. أما اليوم، فإن الكحل التجاري يحتوي غالبًا على مواد كيميائية مضافة لتحسين الثبات واللون. تختلف تركيبة الكحل بحسب النوع، فمنه ما هو معد للاستخدام التجميلي فقط، ومنه ما يحتوي على مكونات يُعتقد أن لها تأثيرات علاجية أو وقائية، مثل الكحل الأزرق أو الأخضر في بعض الثقافات.

الاستخدام التقليدي للكحل عند الأطفال

في كثير من الثقافات العربية والآسيوية، يُستخدم الكحل للأطفال حديثي الولادة وحتى في مراحل الطفولة الأولى، وهو يُعتقد تقليديًا أنه يحمي العين من “الحسد” أو “العين الشريرة” ويقي من أمراض العين المختلفة. إضافة إلى ذلك، كان يُعتقد أن للكحل تأثيرات مضادة للالتهابات وأنه يساعد على تقوية النظر. في بعض المناطق، يُوضع الكحل بكمية صغيرة جدًا داخل العين أو على جفن الطفل بحذر شديد.

الأهمية الطبية المحتملة للكحل

من الناحية الطبية، يُشير بعض الباحثين إلى أن بعض المكونات الطبيعية للكحل قد تساهم في وقاية العين من الالتهابات البكتيرية والفطرية، خاصة في البيئات التي تنتشر فيها الأتربة والملوثات، حيث يعمل الكحل كحاجز مادي يمنع دخول الأجسام الغريبة إلى العين. كذلك، يمتلك الكحل خصائص مضادة للميكروبات في بعض أشكاله التقليدية، مما قد يساعد في تقليل خطر التهاب العين.

لكن هذه الفوائد تتعلق بشكل أساسي بالكحل التقليدي الطبيعي، والذي يختلف اختلافًا جذريًا عن الأنواع الصناعية الحديثة التي تحتوي على مواد كيميائية قد تكون ضارة.

مخاطر استخدام الكحل للأطفال

رغم الفوائد المزعومة للكحل، فإن الاستخدام عند الأطفال يحمل مخاطر صحية واضحة وفق الدراسات الطبية الحديثة:

1. التسمم بالرصاص والمعادن الثقيلة
   
   الكحل التقليدي يحتوي في كثير من الأحيان على مواد مثل الرصاص والكادميوم والزرنيخ، وهي مواد سامة جدًا، لا سيما عند استخدامه للأطفال الذين تكون أجسامهم أكثر حساسية. التسمم بالرصاص يسبب مشاكل صحية خطيرة مثل اضطرابات الجهاز العصبي، وتأخر النمو، واضطرابات في التعلم.

2. الالتهابات والتحسسات
   
   التطبيق المباشر للكحل على جفن الطفل أو داخل العين قد يسبب تهيجًا، التهابات أو ردود فعل تحسسية، خاصة في الحالات التي تحتوي على مواد كيميائية أو ملوثات بكتيرية نتيجة سوء التخزين أو التصنيع.

3. مخاطر انتقال العدوى
   
   استخدام أدوات غير معقمة أو مشاركة الكحل بين الأطفال قد يؤدي إلى انتقال عدوى العين، مثل التهاب الملتحمة أو التهاب القرنية.

4. تأثير على تطور العين
   
   الأطفال في مراحل نمو العيون يكونون أكثر عرضة للمواد السامة التي قد تتراكم داخل العين أو في الجسم، ما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية طويلة الأمد على البصر.

الدراسات العلمية حول استخدام الكحل للأطفال

أظهرت الدراسات الحديثة نتائج متباينة حول سلامة الكحل للأطفال. دراسة نشرت في مجلة طب العيون العالمية عام 2019 قارنت بين استخدام الكحل التقليدي الذي يحتوي على الرصاص والكحل الصناعي الخالي من المعادن الثقيلة، وأكدت أن الكحل الذي يحتوي على الرصاص يشكل خطرًا صحيًا كبيرًا للأطفال، ويجب تجنبه نهائيًا.

في المقابل، لم تجد الدراسة أن جميع أنواع الكحل غير آمنة، حيث أظهرت أن الكحل الخالي من المعادن الثقيلة والمصنع بمواصفات صحية صارمة لا يسبب مشاكل صحية إذا استُخدم بطريقة صحيحة وبكميات ضئيلة.

ومع ذلك، لا توجد توصيات طبية رسمية تدعو لاستخدام الكحل للأطفال، إذ إن الفوائد المحتملة لا تبرر المخاطر الصحية المحتملة. المؤسسات الطبية الكبرى، مثل الأكاديمية الأمريكية لطب العيون، توصي بعدم وضع الكحل للأطفال، خصوصًا تحت سن سنتين.

القوانين والتشريعات المتعلقة بالكحل

بسبب المخاطر الصحية المرتبطة بالكحل التقليدي، بدأت بعض الدول بفرض قوانين صارمة على مكونات مستحضرات التجميل، ومنها الكحل، لمنع احتوائها على معادن ثقيلة سامة. في أوروبا والولايات المتحدة، يمنع تسويق مستحضرات التجميل التي تحتوي على مستويات مرتفعة من الرصاص أو المعادن الثقيلة. أما في بعض الدول العربية والآسيوية، فلا تزال الممارسات التقليدية منتشرة رغم المخاطر، بسبب التراث الثقافي والاعتقادات الشعبية.

بدائل آمنة لاستخدام الكحل للأطفال

تطورت صناعة مستحضرات التجميل والعناية بالعيون لتقدم بدائل آمنة لاستخدام الكحل عند الأطفال، تشمل:

• الكحل العضوي والخالي من المعادن الثقيلة
  
  يُصنع من مواد طبيعية مثل الفحم النباتي أو أكاسيد المعادن المسموح بها طبيًا، ويخضع لفحوصات سلامة صارمة.

• الأدوية والمرطبات العينية
  
  بدلاً من استخدام الكحل لأغراض وقائية، يُنصح باستخدام قطرات العين المرطبة أو المضادة للالتهابات التي يصفها الطبيب في حالات معينة.

• الوعي بالنظافة وحماية العينين
  
  تشجيع العناية بنظافة العيون والوقاية من الأتربة بطرق آمنة أكثر، كارتداء نظارات شمسية للأطفال في أماكن مغبرة أو مشمسة.

مقارنة بين استخدام الكحل التقليدي والحديث للأطفال

الخلاصة

الكحل ليس منتجًا مثاليًا للأطفال بسبب المخاطر الصحية التي قد تنجم عن احتوائه على معادن ثقيلة ومواد كيميائية ضارة، لا سيما في الأنواع التقليدية غير المنظمة. بينما يمكن أن يكون له فوائد محدودة في حماية العيون من الأتربة والميكروبات، فإن هذه الفوائد لا تعوض عن الضرر المحتمل، خصوصًا عند الأطفال الذين أجسامهم أكثر هشاشة.

ينصح بعدم استخدام الكحل للأطفال إلا إذا كان من نوع آمن طبيًا وخالٍ من المواد السامة، مع ضرورة تطبيق معايير النظافة والسلامة. الاعتماد على بدائل أكثر أمانًا وأقل مخاطرة، مع العناية الطبية والنظافة، هو الخيار الأمثل للحفاظ على صحة عيون الأطفال.

المصادر والمراجع

1. World Health Organization (WHO). “Lead poisoning and health.” 2021.

2. American Academy of Ophthalmology (AAO). “Eye Care for Children and Safety Guidelines.” 2020.

هذا المقال يوفر صورة شاملة ومفصلة عن موضوع استخدام الكحل للأطفال، مبنيًا على أدلة علمية حديثة وتقييم دقيق لمخاطر وفوائد هذا التقليد المنتشر في بعض الثقافات، ويؤكد على أهمية الوعي الصحي والسلامة قبل اتخاذ قرار استخدام الكحل عند الصغار.